هكذا سقطت عدن.. وهذا ما قد تؤول إليه الأوضاع فيها!

كتب/ عبدالباري طاهر

تفجر المواجهات في الجنوب لم تكن مفاجأة؛ فنذرها وعلائمها موجودة منذ البداية (حرب 94)، وقد حدثت جولات بعضها احتجاجات ومسيرات ومليونيات كما تسمى، وبعضها مواجهات كما حصل في يناير 2018.

منذ بداية التدخل الذي قادته السعودية، وإلى جانبها الإمارات، جرى تقسيم ميدان الحرب؛ فالإمارات رمت بثقلها في الساحة الجنوبية، وانفردت السعودية بالشمال. تمكن الجنوبيون الذين يخوضون احتجاجات ومظاهرات في عدن ومدن الجنوب، منذ 2005، وقبلها في حضرموت 1997، رفضاً لتقسيم حضرموت، من الانتصار. تمكن الجنوبيون الثائرون -بدعم إماراتي- ضد حرب 1994 التي ألغت الكيان الجنوبي، وقمعت الجنوبيين، وألغت مشاركتهم في دولة الوحدة السلمية، من طرد الوجود أو الاحتلال لقوات صالح وأنصار الله، بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014.

الانتصار الجنوبي أغرى الحراك الجنوبي المسلح بالجنوح للانفصال، ودفعت القوة الإماراتية بذلك كمطلب رائس. التحالف السعودي الإماراتي -وهو طرف أساس في الحرب- كان ملغوماً منذ البداية؛ فالإمارات في مواجهة مع التجمع اليمني للإصلاح كإسلام سياسي، بينما السعودية تعتمد بالأساس على هذا الحزب القوي والكبير في حربها في الشمال ضد صالح وأنصار الله، وتعتمد الإمارات أيضاً على جانب من قيادات وقوة المؤتمر الشعبي العام الموالي لصالح بقيادة نجله أحمد علي عبدالله صالح، الموجود في الإمارات، بينما تحتضن السعودية الرئيس الشرعي عبد ربه منصور ونائبه علي محسن الأحمر الموالي للإخوان. فالمشكلة أن من تتحالف معهم السعودية تعتبرهم الإمارات ألد أعدائها، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فلإيران وجود وامتداد سكاني كبير في الإمارات، والمصالح التجارية تصل إلى المليارات، وتأثير القوة الإيرانية خطر على الكيانات الإماراتية، وما تريده الإمارات من اليمن مختلف بهذا المستوى أو ذاك عما تريده السعودية.

الانقسام في التحالف السعودي الإماراتي يتناغم ويستجيب لانقسامات الداخل اليمني؛ فالحراك المسلح الداعي للانفصال في مواجهة ضد التجمع اليمني للإصلاح ولتيار الإخوان المسلمين الذي أفتى وشارك في الحرب ضد الجنوب، كما أن عبد ربه منصور هادي، الرئيس الشرعي، لم ينتخب في الجنوب، وكان أحد القادة الميدانيين في حرب  94، والجنوبيون، وإن أقروا بشرعيته، إلا أنهم يرفضون حكومته وكل أركان حكمه، ثم إنهم ليسوا في وادي شرعية حكم يعتبرونه امتداداً لحرب 94.

الانقسام الداخلي الشديد في الطرف المتحارب مع أنصار الله (الحوثيين)، عامل من عوامل حالة المد والجزر في الحرب، وله الأثر الكبير في تفجير الأوضاع في الجنوب. الجنوب أيضاً هو الآخر ينقسم، والأطراف الجنوبية ليست كلها مع الانفصال؛ فهناك انقسام مجتمعي؛ فالضالع ويافع مدعومتان من الإمارات في مواجهة أبين وشبوة المواليتين للشرعية، وهناك انقسام سياسي آخر؛ فالسلفيون والحراك المسلح والأحزمة الأمنية والنخب وحراس الجمهورية بقيادة طارق محمد عبدالله صالح، يقفون إلى جانب الإمارات؛ فهي التي شكلتهم، وتقاتل إلى جانبهم، بينما يتسم موقف السعودية بالارتباك والغموض، وحالة المواجهة في مد وجزر، ولكن الميل لصالح الحراك الانفصالي المدعوم من الإمارات.

عملياً، لم يعد الجنوب موحداً شأن الشمال، ولكن في حال انتصر طرف –أي طرف– على الآخر؛ فإن المزيد من التفكك والانقسام سيكون النتيجة المقبولة من السعودية والإمارات على حد سواء؛ فكلا الحليفين حريص على تصديع وتمزيق عرى المجتمع اليمني.

الحرب في الجنوب، كما في الشمال، أهلية بامتياز، ولكنها ليست معزولة عن الشمال، ولا عن الصراع الإقليمي، ولا عن الصراع بين الحليفين: السعودية، والإمارات؛ فلكلٍّ أطماعه الخاصة، وأدواته ورؤاه. إنهم يتقاتلون باليمنيين، ويبقون على تحالفهم في مستوى معين، والمرجعية الدولية واحدة، تجمع بينهما الرباعية، ولا تستطيع الإمارات القطيعة الكلية مع السعودية.

لا يستطيع طرف من الأطراف في المواجهات في عدن، حسم الصراع؛ فالحرب الأهلية في الشمال والجنوب معقدة ومركبة ومتداخلة مع الصراع الإقليمي والدولي، ولا يستطيع طرف أن يتغلب على الآخر، وهذا يعني بقاء المواجهات مفتوحة كأبواب الجحيم، ولن تحسم الحرب إلا بمصالحة وطنية ومجتمعية على أسس العدالة الانتقالية التي يقبل بها اليمنيون وفق عاداتهم وقيمهم وموروثهم الأهلي والمدني، واستلهام مخرجات الحوار، وتوافق إقليمي ودولي مساند للحل السياسي.

 الحرب في اليمن تاريخياً لا تُحسم إلا بتصالح يمني، أما مع التدخل الخارجي، فغالباً ما يحسمها اليمنيون لصالحهم، ولكن الحرب الحالية غرائبية وكارثية بكل المعاني؛ فأطرافها الداخلية عديدون ومتنوعون، ويشتغلون كأجراء يوميين. ولأول مرة في التاريخ المعاصر، تمتد الحرب في عموم اليمن. يتقاتل الشمال والجنوب، والشمال والشمال، والجنوب مع الجنوب، وترمي السعودية والإمارات بثقلهما المالي، وعدتهما وعتادهما في اليمن، وفي الجانب الآخر تدعم إيران أنصار الله، ويأخذ الصراع البعد الدولي بدعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا للسعودية والإمارات.

ربما تكون الإمارات بدأت تدرك عواقب الحرب أكثر من السعودية، وربما وربما… ولكن الأوهام لدى الإمارات، كالسعودية، في اقتطاع أجزاء من اليمن، وبواسطة الأجراء اليمنيين، ماتزال قائمة، وتسعير المواجهات في الجنوب يعني -في ما يعني- العجز عن الحسم العسكري، وإيكال الأمر للوكلاء المحليين، وتحميلهم المسؤولية في حالة الفشل.

الصراع في الجنوب بين أطراف موزعة الولاء بين الإمارات والسعودية، هدفه الأساس تثبيت الانفصال. وتصريح المستشار السابق لأمير أبوظبي، قبل بضعة أيام من المواجهات في الجنوب، واعداً بانفصال الجنوب، مؤشر مهم. ويبدو أن السعودية والرباعية الدولية غير بعيدة عن هذا التوجه، ولكن طبيعة الصراع في اليمن لن تجري حسب إرادة زبانية الحرب هنا وهناك، وفرض الأمر الواقع في الشمال والجنوب ليس بالأمر السهل، ويبقى احتمال التهدئة هنا وهناك وارداً بعد أن وصلت الحرب، والتهديد بها، إلى صناع الحرب الحقيقيين في الخليج والإقليم كله.

*نقيب الصحفيين اليمنيين السابق