استكملت ميليشيا الحزام الأمني المدعومة إماراتياً والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، السبت، السيطرة على جميع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها قصر المعاشيق الرئاسي في مدينة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، ضمن عملية انقلابية مكتملة على الشرعية اليمنية ممثلة برئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي.
وتشابهت عملية الإنقلاب هذه بعملية انقلاب ميليشيات جماعة الحوثي التي نفذتها في الأشهر الأخيرة من عام 2014 على السلطة الشرعية بالعاصمة صنعاء، مما أثار العديد من التساؤلات حول علاقة المجلس الانتقالي الجنوبي بجماعة الحوثي وإيران العدو اللدود للمملكة العربية السعودية والمنطقة العربية.
وفي عملية تقصي وبحث انكشفت الكثير من الخيوط التي تفضح علاقة المجلس الإنتقالي الجنوبي ورئيسه عيدروس الزبيدي بإيران وحزب الله وجماعة الحوثي الارهابية.
إيران تجند 6000 جنوبي وقيادات تظهر دعمها للشرعية وتبطن غير ذلك
وبدأت خيوط المؤامرة وعلاقة عيدروس الزبيدي بجمهورية إيران بالإنكشاف بإعلان الزبيدي العمل سرياً لتأسيس ما يسمى بالمقاومة الجنوبية إبان حكم علي صالح في عام 2012 ووضع خطة عمل منظمة لجعل المقاومة الجنوبية مؤسسة عسكرية لمقاومة السلطات المحلية في محافظات الجنوب بدعوى فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية، بحسب تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية نُشر في ديسمبر من عام 2015.
وبحسب الصحيفة فقد نجح الزبيدي في عام 2012 بتأسيس ميليشيات المقاومة الجنوبية وبدأ بفتح معسكرات تدريب للشباب في الضالع وشبوة، وتدريس وتدريب الشباب على مختلف أنواع القتال ودورات للصاعقة وحرب العصابات وحرب المدن، بدعم سياسي ومعنوي من قبل الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض المعروف بارتباطاته الوثيقة بإيران وحزب الله، وتم تخريج الكثير من الدورات من مختلف مناطق الجنوب.
وفي نفس العام الذي أعلن فيه عيدروس الزبيدي تأسيس ميليشيات المقاومة الجنوبية في 2012، نشرت قناة "العربية" الفضائية تصريحات للقيادي بالحراك الجنوبي ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لأبناء الجنوب، محمد علي أحمد، كشف فيها عن توجه أغلب قيادات الحراك إلى إيران لاستجدائها من أجل تقديم الدعم، مشيرا إلى أن إيران تريد تحويل الجنوب إلى ميدان صراع طائفي.
وكشف محمد علي أحمد، بحسب قناة العربية، إلى أن المد الإيراني في اليمن لا يتوقف عند دعم الحركة الحوثية الشيعية في شمال اليمن، مضيفا بالقول: "إيران طلبت من قيادات الحراك تجنيد وتعليم وتدريب 6500 شاب من الجنوب".
وفي السياق ذاته قال رئيس جهاز الأمن القومي "المخابرات" اليمنية في عام 2012 اللواء علي حسن الأحمدي إن إيران انتهزت الفرصة لتوسيع الصراع للعب دور معين، وإن صنعاء لديها أدلة واضحة على وجودهم وتدخلهم، واعتقلت عددا من الأشخاص ممن يعملون في هذا المخطط الإيراني.
كما كشف الرئيس هادي في أواخر سبتمبر من عام 2012 عن أن الأجهزة الأمنية في بلاده ضبطت 6 شبكات تجسس، تعمل لمصلحة إيران، وأن طهران تدعم إعلاميين وسياسيين معارضين لإجهاض العملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهي ما حققته إيران بإنقلاب جماعة الحوثي على الشرعية في العاصمة صنعاء أواخر سبتمبر من عام 2014 وانقلاب المجلس الإنتقالي الجنوبي بقيادة حليفها الاستراتيجي عيدروس الزبيدي على الشرعية في مدينة عدن في الأيام الاولى من شهر أغسطس الجاري من عام 2019.
وأكدت صحيفة "مكة" السعودية ذات المعلومات في تقرير لها نشرته في 15مايو 2017 نقلاً عن مصدر سياسي أن إيران استغلت حلفاءها الحوثيين في الشمال لتنفيذ خططها الأيديولوجية ونشر ثقافة قم بقوة السلاح للانقلاب على الشرعية، وفي الضفة الأخرى استغلت حلفاءها بالجنوب ولجأت لدعم الفصائل الداعية للانفصال، لاختراق صفوف الحراك الجنوبي السلمي وتكوين فصيل من قيادات تظهر دعمها للشرعية وتبطن غير ذلك.
وأيضاً أكدت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ" على لسان مسؤول في الحكومة الشرعية علاقة عيدروس الزبيدي بحزب الله اللبناني وإيران، في تصريح نشرته على موقعها الرسمي في يوليو 2017، وهو ما تغافلت عنه قيادة التحالف العربي والمملكة العربية السعودية.
وأكد المصدر الحكومي في الحكومة الشرعية اليمنية أن عيدروس الزبيدي يمارس نفس وظيفة الانقلابيين فهو وأمثاله من خريجي الضاحية الجنوبية في لبنان والمرتبطين بإيران يمارسون دورا رديفا لرفاقهم من الحوثيين.
وأشار المصدر إلى أن علاقة عيدروس الزبيدي المشبوهه بقوى الانقلاب والإرهاب وولائه لإيران يعرفها كل أبناء الوطن في جنوبه وشماله.
الزبيدي: إيران حليف استراتيجي لن نتخلى عنها مهما حدث والسعودية تحاول تفكيكنا
وانكشفت الحقيقة كلها بتصريحات رسمية أدلى بها عيدروس الزبيدي في سبتمبر من عام 2014 أكد من خلالها على العلاقة الوثيقة بين إيران وما كان يُسمى وقتها بالمقاومة الجنوبية وتمسكه بالوقوف إلى جانب زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي في حملته الإنقلابية على سلطات الشرعية ومحاصرته للعاصمة صنعاء في الفترة ذاتها.
وهاجم الزبيدي في بيان رسمي، نشرته صحيفتي "تكتل" و "الطريق نيوز" الجنوبيتين بتاريخ 07 سبتمبر 2014 المملكة العربية السعودية متهماً اياها بمحاولة اختراق صفوف المقاومة الجنوبية للتخلي عن الجهة الداعمة الأساسية لها المتمثلة بإيران، مؤكداً أنه لن يتخلى عن ايران مهما حصل.
وقال الزبيدي في تصريحه: إن تحديد موقفنا من الأحداث الجارية يأتي لقطع الطريق عن مخطط تقوده أطراف مرتبطة بالسعودية لاختراق صفوف المقاومة الجنوبية تحت مسمى دعم المقاومة الجنوبية كي نتخلى عن الجهة الداعمة الأساسية لنا التي وقعنا اتفاقنا معها في بيروت وطهران فنحن نريد استعادة دولتنا وعندما تخلت عنا كل الدول بحثنا عن من يدعم ثورتنا فوقفت إيران معنا ولن تخلى عن من يدعمنا طالما نحن تحت الاحتلال.
وأضاف الزبيدي: السعودية تمكنت من تمزيق مكونات الحراك السلمية باستخدام المال السياسي واليوم تريد أن تعمل نفس التجربة لتمزيق صفوف المقاومة الجنوبية ومن هنا ادعوا الإخوة في قيادات فروع المقاومة بمحافظات الجنوب الالتزام بما خرج عن لقائنا مع القيادة العليا للمقاومة الجنوبية في يافع وجعل تماسك ووحدة المقاومة الجنوبية فوق كل اعتبار.
وأوضح الزبيدي في بيانه الصادر في سبتمبر 2014 أن الدعم الذي يتلقاه من إيران لتحرير الجنوب وفك ارتباطه بالشمال هو دعم غير مشروط لنصرة الشعوب المظلومة، مضيفاً: إيران دعمت حركة حماس في فلسطين عندما تخلى العالم عنها واليوم إيران تدعم شعب الجنوب بعد أن تخلى عنه العالم فتحرير الجنوب من الاحتلال اليمني بحاجة إلى الإمكانيات وكل الدول تخلت عنا ونحن سنكون أوفيا مع من يدعمنا ونرد الجميل ولن نتخلى عن من يدعمنا.
الزبيدي يخترق صفوف المقاومة الشعبية لتنفيذ مخططات ايران والإمارات لاعب بارز في المخطط
لم يستمر دعم عيدروس الزبيدي لجماعة الحوثي كثيراً بعد اعلان انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015 وتعرضت وقتها ميليشيات الحوثي لضربات عنيفة من قوات التحالف العربي وتشكيلات المقاومة الشعبية، لذلك سرعان ما اعلن الزبيدي تأييده لعاصفة الحزم خوفاً من تعرض معسكراته وميليشياته لضربات التحالف العربي، في خطوة مثلت اختراقاً كبيراً لصفوف المقاومة الشعبية من أبرز العناصر التابعة لإيران في المنطقة.
وهكذا استمر تغلغل عيدروس الزبيدي في مؤسسات الشرعية اليمنية والمقاومة الشعبية بدعم اماراتي، حتى أصدر رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي قراراً جمهورياً باعلانه محافظاً لمحافظة عدن في ديسبمر 2015.
وبعد صدور قرار جمهوري باقالة الزبيدي من منصب محافظ محافظة عدن، سارع الزبيدي بالعودة لإستكمال المشروع الإيراني وتحقيق طموحاتها في المنطقة وتأسيس ميليشيات جنوبية تدين بالولاء لإيران وجماعة الحوثي وهو المشروع ذاته الذي بدأ بتنفيذه في عام 2012 وتوقف بسبب انطلاق عاصفة الحزم ضد حلفاء ايران في اليمن، لكن هذه المرة استمر بتنفيذ المخطط وتدريب الميليشيات تحت مسمى "قوات الحزام الأمني" إلى جانب الإسم القديم "المقاومة الجنوبية" وبدعم من دولة الإمارات العربية المتحدة وبعيداً عن أعين السلطات المحلية والحكومة الشرعية اليمنية والتي يعتبرها حكومة احتلال للجنوب.
وظهر جلياً التزام هذه القوات بمخططات ايران في المنطقة من خلال تنفيذها انقلاباً جديداً على الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن والسيطرة على القصر الرئاسي وطرد الحكومة الشرعية في أغسطس 2019 على غرار ما قامت به حليفتها جماعة الحوثي في أواخر عام 2014 من انقلاب على الحكومة الشرعية وسيطرتها على المؤسسات الرسمية في العاصمة صنعاء.
وكما كشفت صحيفة "ميدل ايست آي" البريطانية، في تقرير لها نشر أواخر يوليو 2019، كشفت عن وجود تعاون بين الإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران في الملف اليمني، وقالت الصحيفة إن وفوداً إماراتية رفيعة المستوى قامت بزيارات غير معلنة لإيران في شهر يونيو الماضي لمناقشة الملف اليمني والسياسة الإقليمية.
وجاءت زيارة الوفد الإماراتي لإيران قبل اسابيع قليلة من تنفيذ ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي للإنقلاب الثاني على الحكومة الشرعية بمدينة عدن بعد الإنقلاب الأول الذي نفذته جماعة الحوثي على الشرعية نفسها في العاصمة صنعاء في عام 2014.
أوجه إعلامية تدين بالولاء لإيران تساند المجلس الإنتقالي الجنوبي بقيادة الزبيدي
وفي الجانب الإعلامي برز دعم العديد من الأوجه الإعلامية الجنوبية، التي عملت سابقاً في مؤسسات تابعة لحزب الله اللبناني، برز دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي عند تشكيله وتحولت من العمل في مؤسسات حزب الله الإيراني للعمل في مؤسسات وصحف جنوبية تحت يافطة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتعمل هذه الأوجه الإعلامية جاهدة بدعم اماراتي لخلق تأييد وقبول شعبي في المحافظات الجنوبية للمجلس الإنتقالي ولخطواته الإنقلابية التي اتخذها مؤخراً بالانقلاب على الحكومة الشرعية في عدن تنفيذاً لمخططات الحليف الاستراتيجي ايران وجماعة الحوثي.
أحد هذه الأمثلة الصحفي ياسر اليافعي مراسل صحيفة الأخبار اللبنانية السابق والذي اشتهر بإستقباله موفدين من جماعة الحوثي إلى مدينة عدن قبل انطلاق عاصفة الحزم، بات في أواخر 2015 مراسلاً لصحيفة "البيان" الإماراتية ومنها يدس سمومه وقام بتوظيف الصحيفة الإماراتية لشق عصى المقاومة الشعبية بعد استكمال تحرير مدينة عدن وتأييد أعمال النهب والسلب في المدينة واستكملها بمباركة تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وعملية انقلابه على الحكومة الشرعية مؤخراً.
وتمتلأ صفحة مراسل صحيفة البيان الإماراتية ورئيس تحرير "يافع نيوز" ياسر اليافعي بالمنشورات التحريضية ضد الحكومة الشرعية وقواتها في المناطق المحررة، ويعمل اليافعي على تكريس ضرورة قبول المملكة العربية السعودية بانقلاب المجلس الانتقالي على الحكومة الشرعية وانفصال الجنوب.
كما انتقلت بعض الوجوه الإعلامية الجنوبية البارزة والتي كانت تعمل سابقاً في قناة "عدن لايف"، انشأت بدعم إيراني وكانت تبث من مدينة بيروت بلبان، انتقلت للعمل في قناة "عدن المستقلة" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وتوجه الجزء الآخر من الوجوه الإعلامية لإنشاء صحف ومواقع الكترونية اخبارية تابعة للمجلس الانتقالي وداعمه لميليشياته الخارجة عن القانون وسلطة الدولة والحكومة الشرعية.