بعد مرور عدة أيام على تنفيذ انقلاب عدن ضد حكومة اليمن الشرعية، لا يزال السؤال الكبير الذي يشغل بال اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني والمراقبين للأوضاع في المنطقة هو: هل كانت السعودية متواطئة ومتفقة مع أبو ظبي على هذه الخطوة أم أن ولي عهد أبو ظبي دبَّره بليل بعيداً عن أعين الرياض؟
وليس من المبالغة القول إن هذا السؤال والإجابة عليه يشغل الكثيرين أكثر من الانقلاب نفسه لأن الإجابة عليه ستوضح الرؤية تجاه الوضع مستقبلاً ليس في عدن فقط بل في اليمن ككل.
انقسم المحللون والمتابعون إلى فريقين؛ الأول يرى أن الإمارات نفذته لوحدها بدون اتفاق مسبق مع حليفتها، وفريق آخر يؤكد أن ثمة تنسيقاً واتفاقاً على ما حدث، وأن ما بدى من تباين بين الدولتين ليس سوى ذر للرماد في العيون؛ في حين ارتأى فريق ثالث الانتظار لرؤية ما الذي سيحدث لاحقاً؛ وتحديد الإجابة على السؤال بناءً على مدى ضغط السعودية على حليفتها للتراجع عن الانقلاب أو بقاء الوضع كما هو عليه والتماهي معها في شرعنة ما فرض من خطوات على الأرض.
يعتمد الفريق الأول على المواقف السعودية المعلنة على شكل بيانات أو تصريحات أو حتى كتابات من قبل شخصيات كبيرة تعبر عن النظام السعودي، فضلاً عن اللقاءات الثنائية الرسمية الرفيعة التي حدثت أثناء وبعد تنفيذ الانقلاب، وخلالها أبلغ السعوديون نظام هادي رفضهم المطلق لما حدث ووعدوا بإجراءات تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الانقلاب، ووصل الأمر حدّ القول إنهم قصفوا مواقع تابعة للمجلس الانتقالي.
وحسب معلومات حصل عليها "المصدر أونلاين" فقد وصلت حكومة الرئيس هادي رسائل طمأنة من الجانب السعودي أثناء بدء تحركات قوات الانتقالي التابعة للإمارات؛ بل حدثت اتصالات سعودية مع قيادات سياسية وعسكرية كانت لا تزال في عدن.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن هناك العديد من الكتاب والناشطين السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي شنوا حملة تشكيك تجاه الإمارات وصدق نواياها وتحالفها مع السعودية وصلت حد اتهام أبو ظبي بالغدر لا سيما بعد الزهو والانتشاء الذي بدا عليه كتاب إماراتيون بعد نجاح الانقلاب.
وذهب الكثير من المحللين وكذا وسائل إعلام عربية ودولية إلى ترجيح هذا الرأي، والحديث عن تصدع العلاقة بين الحليفين، والقول بأن زيارة ولي عهد أبو ظبي الأخيرة للسعودية كانت بغرض إصلاح الضرر الذي شاب العلاقة بعد أحداث عدن.
وما يعزز من فرضية اهتزاز العلاقة بين الطرفين هو الخطوات الإماراتية المفاجئة تجاه إيران العدو الرئيسي للسعودية، ومحاولة أبو ظبي تحسين العلاقة معها.
ويرى الفريق الآخر أن ما جرى كان بتفاهم بين السعودية والإمارات، وأن الأمر لم يكن بالنسبة للسعودية قبول بأمر واقع حتى لا تخسر أبو ظبي، بل بقناعة أن ذلك في مصلحتها مستقبلاً.
ويعتمد هذا الفريق على بعض الشواهد منها أن الأجهزة السعودية ظلت صامتة في أثناء تنفيذ الانقلاب، وإن أعلنت وأبلغت الجانب اليمني أنها ضد ما يحدث فإنها لم تتخذ خطوات عملية لوقف تحركات أبو ظبي، وأشارت معلومات إلى أن السعودية وعدت بالتدخل لكنها لم تفعل شيئاً.
وتحدثت وسائل إعلامية عن أن الرئيس عبد ربه منصور هادي اجتمع بالمسؤولين السعوديين وأبلغهم بخطورة الموقف في حينه، وفي مقابل الدعم الكبير الذي قدمته الإمارات لقوات الانتقالي التابعة لها فإن قوات الشرعية التي صمدت ثلاثة أيام لم تتلق أي دعم، بل إن القوة العسكرية السعودية التي كانت متواجدة قرب قصر الرئاسة ظلت متفرجة.
يذكر أن التحالف لم يصدر بياناً رسمياً إلا بعد إنجاز الانقلاب، وهذا ما يجعل البعض يعتبره مؤشراً على القبول بما حدث في عدن، ورغم أن البيان طلب انسحاب قوات الانتقالي مهدداً بالقصف في حال لم تنفذ مطالبه؛ فإنه حالياً وبعد مرور عدة أيام لم يحدث أي شيء ولا يزال الوضع كما هو عليه، بل إن قوات الإنتقالي مضت في استكمال بسط سيطرتها على كل المواقع وكثفت من حملات المداهمات والإقتحامات والإعتقالات لمنازل ومؤسسات بحثاً عن خصومها الذين تصفهم بـ"المطلوبين".
مع ذلك يرى أنصار الرأي الأول بأن هذه الشواهد وإن كانت حقيقية فإن الرياض فضلت أن لا تقوم بتحركات قوية حتى لا تخسر أبو ظبي نهائياً، وأن تلجأ لحل الأزمة بشكل هادئ وودي مع الإمارات وأتباعها في الميدان، وأن اللقاءات التي جرت بين الملك السعودي وولي عهده وبين ولي عهد أبو ظبي تأتي في هذا السياق.
وأياً يكن الأمر فإن الأيام القادمة كفيلة بإيضاح الصورة والإجابة على هذا السؤال الكبير.