الوضع الإنساني في اليمن

تنصل المانحين وفساد المنظمات وانقلاب عدن وتدهور العملة.. إلى أين تمضي الأزمة الإنسانية في اليمن؟

تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ على الإطلاق في العالم، حيث تعصف المجاعة بأكثر من ثلثي سكان البلاد، جراء الحرب المستمرة منذ اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، إضافة إلى ما خلفه القتال من عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين ومئات الآلاف من المؤسسات والمباني والمنشآت المعطلة أو المتوقفة أو المدمرة.


وتنذر الأحداث الأخيرة في المناطق المحررة جنوب اليمن، بتصاعد الأزمة الإنسانية وتزايد أعداد الجوعى والمهجرين، يأتي ذلك وسط اتهامات بفساد المنظمات الإغاثية، وتنصل الدول المانحة من التزاماتها وتعهداتها المالية.


وحذرت الأمم المتحدة الأربعاء، من توقف قرابة 22 برنامج مساعدات منقذة للحياة، متهمة الدول المانحة بعدم الوفاء بالتزاماتها والتعهدات التي وعدت بها في وقت سابق لتمويل الأزمة الإنسانية في اليمن.


وأكدت الأمم المتحدة أن ثلاثة برامج فقط من بين 34 برنامجاً، تم تمويلها بشكل كامل حتى نهاية العام، وأن 22 برنامجاً منقذة للحياة ستضطر للتوقف في اليمن خلال الشهرين المقبلين، إذا لم تدفع دول ما يزيد على مليار دولار كانت تعهدت هذا العام بتوفيرها لصالح اليمن.
وفي فبراير / شباط الماضي، رعت الأمم المتحدة مؤتمر للمانحين بهدف تأمين دعم لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 في اليمن، بقيمة 4.2 مليارات دولار لمساعدة 21.4 مليون شخص محتاج وجائع في اليمن.


وفي المؤتمر تعهد المانحون بتقديم 2.6 مليار دولار (2.14 مليار جنيه إسترليني)، لكن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ، ليز غراندي ، قالت في بيان لها الأربعاء –حصل المصدر أونلاين على نسخة منه -إن أقل من نصف هذا المبلغ تم دفعه حتى الآن.
وأضافت ليز غراندي منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن "نحن في حاجة ماسة إلى الأموال التي تم قطع وعود بتقديمها. يموت الناس عندنا لا تأتي هذه الأموال".


وأكدت الأمم المتحدة أنه إذا لم يتم خلال الأسابيع المقبلة تلقي الأموال التي تم قطع وعود بتقديمها، فإنها ستخفض الحصص الغذائية التي يحصل عليها لـ12 مليون شخص، وسيتم قطع الخدمات عن ما لا يقل عن 2.5مليون طفل يعانون من سوء التغذية، إضافة إلى عدم حصول 19 مليون يمني على الرعاية الصحية بما في ذلك مليون امرأة تعتمد على الأمم المتحدة في مجال الصحة الإنجابية، مشيرة إلى اغلاق برامج المياه النظيفة لخمسة مليون شخص بنهاية أكتوبر القادم وستصبح عشرات الأسر بلا مأوى.


اتهامات للسعودية والإمارات

والشهر الماضي، انتقدت الأمم المتحدة السعودية والإمارات اللتين تقودان التحالف العسكري في اليمن بتقديمهما "نسبة متواضعة" من تعهداتهما والمقدرة بـ مليار ونصف المليار دولار، وفق إحاطة مارك لوكوك مساعدة الإغاثة بالأمم المتحدة.
وقدمت السعودية حتى يوليو الماضي 121.7 مليون دولار، بينما قدمت الإمارات نحو 195 مليوناً وفقا لأرقام الأمم المتحدة في الشهر ذاته.
وقالت صحيفة ديلي تلغر اف في تقرير لجوزي إسنور، مراسلة شؤون الشرق الأوسط، في عدد الجمعة، إن "السعودية والإمارات "ترفضان دفع" المعونات لليمن".


وتقول الصحيفة إن السعودية والإمارات وجهت لهما اتهامات بـ "ترك اليمنيين للموت" بعد أن كشفت الأمم المتحدة إنهما لم تدفعا إلا قدرا يسيرا من 1.2 مليار جنيه استرليني التي تعهدا بها للبلد الذي مزقته الحروب.
وبحسب الصحيفة فأن الأمم المتحدة تقول "متحدثنا أطلعنا على أن ابو ظبي لم تدفع سوى 16 مليون دولار، ودفعت الرياض 127 مليون دولار. عندما لا تأتي النقود، يموت الناس".


كان سفير السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي أكد في يونيو، أن بلاده دفعت أكثر من 400 مليون دولار للأمم المتحدة ومنظمات أخرى هذا للعام 2019م.


الإمارات تزيد عدد الجوعى


تدعي الإمارات أنها تقدم أكبر قدر من المساعدات الإنسانية لليمنيين، لكن اتهام الأمم المتحدة لها، أوقعها في يوليو الماضي في موقف محرج، ما دفع بعثتها للتأكيد بأنها تعمل حالياً مع الأمم المتحدة في ما يتعلق بتفاصيل التزام عام 2019 لتحقيق أقصى إفادة ممكنة للشعب اليمني.
وقبل نحو شهر أصدرت الإمارات تقريراً عن ما قالت إنها أكبر مساعدات تقدمها دولة في العالم.


وزعم التقرير أن أبوظبي قدمت مساعدات لليمن، تقدر ب 5.5 مليار دولار، لكن الأمم المتحدة أكدت في بيانها الأخير أن الإمارات ودول أخرى لم تفِ بالتزاماتها.
تزامن ذلك مع تحذيرات أممية، من تسبب القتال الذي فجرته الإمارات مؤخراً في المناطق المحررة جنوب اليمن، في تصاعد الأزمة الإنسانية وزيادة عدد الجوعى والمشردين، وانهيار ما تبقى من خدمات صحية وتعليمية.


وكانت مدينة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة جنوبي اليمن، شهدت أوائل أغسطس الجاري، اشتباكات عنيفة بين القوات التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات وقوات الحكومة، وأفضت المواجهات بعد اربعة أيام، إلى سيطرة الانفصاليين على كامل مؤسسات الدولة بما فيها القصر الرئاسي والبنك المركزي اليمني، إضافة إلى انقطاع المياه عن المدينة وتزايد انقطاع الكهرباء.


وتوقعت الأمم المتحدة، على لسان مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ونائبة منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، أورسولا مولر، أن التطورات الاخيرة في عدن قد تتسبب في تدهور العملة اليمنية وانهيارها.
وأضافت مولر في كلمة لها خلال جلسة بشأن اليمن في مجلس الأمن الثلاثاء الماضي أن سعر الصرف حاليا هو 600 ريال للدولار متوقعة انهيار سعر الصرف خلال الفترة المقبلة، مستندة إلى توقعات صندوق النقد الدولي.


واتهمت الحكومة اليمنية الإمارات، بالوقوف خلف الدعم المالي والعسكري والتخطيط والتنفيذ لانقلاب "الانتقالي الجنوبي" في عدن، وأبلغ مندوب اليمن مجلس الأمن يوم الثلاثاء، أن الإمارات دعمت مليشيات الانفصاليين، "تخطيطاً وتنفيذاَ وتمويلاً"، إَضافة إلى اتهامها بحرف مسار عملية التحالف وعرقلة الجهود السعودية لاحتواء الأزمة والانقلاب في عدن.


شعرت الإمارات بالأحراج أمام العالم، بدى ذلك واضحاً في ردها على بيان الحكومة في جلسة أخرى لمجلس الأمن بشأن السلام في الشرق الأوسط، نفى فيها القائم بأعمال البعثة الإماراتية في الأمم المتحدة سعود الشامسي، اتهامات الحكومة اليمنية، واستعرض في بيانه قائمة من الانجازات التي حققتها الإمارات في اليمن، تحت كلمة "نذكر" ومنها تقديم أكبر قدر من المساعدات الإنسانية والمالية والخدمية، فضلاً عن محاربة القاعدة والإرهابيين وتحرير المناطق الجنوبية.


قلق أممي

تصعيد الإمارات، الأخير يفاقم الوضع بشكل كبير، وفق موظف في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية باليمن تحدث لـ"المصدر أونلاين"، شريطة عدم كشف هويته، كونه غير مخول بالحديث.
قال الموظف، إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية ومكاتب الأمم المتحدة الأخرى، تراقب بقلق تطورات الاحداث الأخيرة في أبين وشبوة، وأنهم يرصدون تأثير تلك الاشتباكات على الوضع الانساني في المحافظتين.


وأكد أن مخاوفهم كبيرة، من حدوث انفجار وتصاعد للمواجهات في جنوب اليمن، بين الانتقالي والقوات الحكومية، على غرار الحرب الدائرة في شمال البلاد، محذراً من أن ذلك الانفجار قد يفاقم الأزمة بشكل خطير يفوق قدرة الأمم المتحدة وميزانياتها المخصصة لحالات الطوارئ.


اتهامات الفساد


المواجهات ليست السبب الوحيد للقلق، فحالات الفساد المالي والإداري التي تحكم العملية الاغاثية في اليمن، تدعو للقلق وتثير مخاوف المانحين والمستفيدين والجهات المعنية على حد سوأ.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة اتهامات الفساد للمنظمات الأممية، وقد أقرت الأمم المتحدة مؤخراً، بحادثة فساد مالي وإداري في مكتب منظمة الصحة العالمية باليمن، متعهده بمواصلة مراجعة عملها واستكمال التحقيقات اللازمة.


جاء ذلك بعد كشف وكالة أمريكية تورط مسؤولي المنظمة في فساد لصالح الحوثيين، وتقديم مساعدات لمشاريع وهمية وتوظيف عاملين غير مؤهلين بمرتبات كبيرة، إضافة إلى التواطؤ مع الحوثيين وتوظيف عائلاتهم، إضافة إلى تسريب معلومات قوافل المساعدات ما سهل استيلاء الحوثيين على الكثير من الشحنات الصحية والادوية والمعدات.


وأِشار التقرير ذاته، إلى استغلال قيادات الحوثيين لسيارات اليونيسف واستخدامها في تنقلاتهم تجنباً لقصف طائرات التحالف، وهي المنظمة التي يتهمها المعلمون بحرمان الألاف منهم من الحوافز المالية المقدمة لهم في مناطق سيطرة الحوثيين، تنفيذا لتعليمات الجماعة.
وعلق الصحفي السعودي بدر القحطاني على دعوة الأمم المتحدة المانحين للوفاء بالتزاماتهم بالقول "للتذكير: أين نتائج تحقيقات شبه الفساد وتواطؤ مسؤولين أممين وموظفين مع الحوثيين ونهب ملايين الدولارات من المساعدات؟".


وأضاف في تغريدة أخرى، "أيضا يموت الناس عندما يتم نهب الأموال واستخدامها في تربية كلاب أحد المسؤولين الأممين".
علق ناشطون وإعلاميون من منظمي حملة #وين_الفلوس مطالبين الأمم المتحدة بكشف نتائج تحقيقاتها السابقة، في حوادث الفساد في منظماتها ومحاسبة المتورطين، والتعاون مع الحكومة اليمنية، قبل مطالبة المانحين بالوفاء بالتزاماتهم، مشيرين إلى استمرار حالات فساد نهب للمساعدات في ظل عدم الشفافية وتحول العمل الاغاثي إلى استرزاق لصالح نافذين وجهات أممية تستغل الأزمات للكسب الشخصي.


وكانت الحكومة اليمنية أكدت في تصريحات وبيانات من وزارات التربية والتخطيط واللجنة العليا للإغاثة، وجود نهب وفساد في المنظمات العاملة في اليمن، مطالبة بالشفافية واطلاع الحكومة على البيانات المالية والتنسيق معها في البرامج المستقبلية، وكشف نتائج التحقيقات، متوعدة باتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة نهب المساعدات وفساد المنظمات.


"المصدر أونلاين" يعيد نشر قائمة بتعهدات المانحين للمساعدات الانسانية باليمن وفق بيانات الأمم المتحدة:-
السعودية 750 مليون دولار
الإمارات 750 مليون دولار
بريطانيا 261 مليون دولار
الكويت 250 مليون دولار
الاتحاد الأوروبي 184 مليون دولار
ألمانيا 114 مليون دولار
اليابان 52 مليون دولار
الولايات المتحدة 23 مليون دولار
الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ 31 مليون دولار
السويد 27 مليون دولار
النرويج 17 مليون دولار
الدنمارك 17 مليون دولار
هولندا 15 مليون دولار
سويسرا 13 مليون دولار
فرنسا 10 مليون دولار
بلجيكا 9 مليون دولار
استراليا 7 مليون دولار
ايرلندا 5 مليون دولار
إيطاليا 5 مليون دولار
فنلندا 4 مليون دولار
كوريا 4 مليون دولار
لوكسمبرغ 2 مليون دولار
التشيك 800 ألف دولار
اسبانيا 500 ألف دولار
ايسلندا 500 ألف دولار
بولندا 500 ألف دولار
ليختنشتاين 200 ألف دولار
موناكوا 100 ألف دولار
سلوفاكيا 100 ألف دولار
ماليزيا 100 ألف دولار
بلغاريا 75 ألف دولار
قبرص 75 ألف دولار
إستونيا 75 ألف دولار
مالطا 75 ألف دولار
سلوفينيا 34 ألف دولار
ليتوانيا 23 ألف دولار
الفلبين 10 ألف دولار