التحالف الاستراتيجي بين السعودية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان والإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام، ما سيؤدي بالقطع إلى حدوث تغييرات جوهرية في تحالفات المنطقة، فهل «الطلاق» وشيك فعلاً أم أن الخلاف مجرد تبادل أدوار أو اختلاف مؤقت في الرؤى؟ وهل الشرخ إن وُجد مرتبط فقط بالحرب في اليمن أم أن هناك أسباباً أخرى؟ وما النتائج المتوقعة لذلك التفكك؟
ما دور ترامب؟
نبدأ القصة من وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض أو بالأحرى بداية من سعيه لذلك، حيث كانت علاقة سلفه باراك أوباما بالسعودية والإمارات ليست على ما يرام بسبب تعامله مع ملفي إيران والإسلام السياسي، لذلك كان الدعم السعودي الإماراتي لترامب واضحاً ومعلناً.
في هذا السياق، نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية تقريراً حول الشرخ في العلاقة بين السعودية والإمارات بعنوان «لماذا يتفكك التحالف السعودي-الإماراتي: اليمن وإيران وترامب»، بدأته بفقرة معبرة عن الدور الذي لعبه ترامب في تقوية ذلك التحالف.
«لو أن الرئيس ترامب وصل بعد فوات الأوان كي يلعب إشبين العريس في حفل زفاف السعودية والإمارات بغرض السيطرة إقليمياً، فذلك بالتأكيد لأنه كان صديقاً مقرباً للعائلة: وقد لعب التحالف الخليجي دوراً هاماً في حملة ترامب ضد إيران.
«ولكن بعد سنوات من شن حرب لمحاصرة التأثير الإيراني في اليمن، نجد اليوم كلاً من السعودية والإمارات تساندان أطرافاً متحاربة هناك، حيث تثبت الحرب في اليمن كل يوم أنها مغامرة سعودية حساباتها خاطئة وظهرت على السطح خلافات قديمة.
التقرير أضاف: «يأتي الشرخ (بين الرياض وأبوظبي) في توقيت متزامن مع تغيير البيت الأبيض لسياساته وتخفيض دعمه غير المشروط لمغامرات السعودية والرياض للسيطرة إقليمياً، ما فجّر الخلاف بينهما حول كيفية مجابهة إيران وأظهره للعلن.
«وحتى ترامب نفسه، الذي أصبحت علاقته القوية مع ولي العهد السعودي شائكة بالنسبة لحلفاء واشنطن في المنطقة، وجد أن تلك العلاقة أصبحت مدمرة له شخصياً، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان الزواج السعودي الإماراتي في طريقه للانتهاء بالطلاق».
حرب اليمن كشفت المسكوت عنه
يبنى التحالف على أساس أهداف مشتركة ويتم بين أنظمة مستقرة، وواقع الأمر يؤكد أن لا هذا ولا ذاك هو من جمع بين الرياض وأبوظبي في المقام الأول، فإذا كان النظام الإماراتي يتمتع بالاستقرار فالنظام في السعودية وقت حدوث التحالف لم يكن بنفس القدر من الاستقرار، حيث كان الملك سلمان يسعى لتصعيد نجله محمد وسط معارضة معلومة من معظم أمراء الأسرة الحاكمة، وبالتالي كان بحث ولي العهد عن حلفاء يساندونه أمراً حاسماً في إبرام التحالفات.
محمد بن زايد أدخل الإمارات في تحالف دعم الشرعية في اليمن وعينه على أهداف استراتيجية تختلف عن أهداف محمد بن سلمان، وهذا ما اتضح في الأسابيع الأخيرة بإعلان الإمارات سحب قواتها وتغيير الهدف من وجودها ثم الانقلاب تماماً على حكومة الرئيس عبدربه هادي منصور المدعوم من السعودية.
الهجوم العلني الذي شنته حكومة هادي على الإمارات من الأراضي السعودية واتهام أبوظبي بالسعي لتقسيم اليمن ودعم ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني ما كان ليحدث بتلك الصورة دون أوامر من السعودية التي تستضيف حكومة هادي وتتحكم فيها، بحسب تقرير كريستيان ساينس مونيتور.
«هادي يعكس وجهة النظر السعودية بشأن السلوك الإماراتي في اليمن، وكونه يقول إن الإماراتيين لا يفعلون الصواب في جنوب اليمن، فهذا مؤشر على عدم رضا السعوديين عن أفعال أبوظبي هناك،» بحسب هادي حرب مدير البحث والتحليل في المركز العربي بواشنطن للصحيفة الأمريكية.
الإماراتيون لم يركنوا للدفاع عن أنفسهم بل ردّوا بعنف موجهين اتهامات بالفساد وسوء الإدارة والخيانة لهادي وحكومته وانطلقت حرب كلامية عبر تويتر بين أبوظبي التي دشن مواطنوها حملة «أعيدوا جنودنا الشجعان للوطن»، وبالطبع حقيقة وجود «جيش» من المغردين في الإمارات والسعودية معلومة للجميع ووقوع الحرب الكلامية بين الطرفين أمر ملموس وواضح.
الخلاف حقيقي وليس تبادل أدوار؟
في مقال له بموقع ميدل إيست آي، نشر الصحفي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست مقالاً بعنوان: «حين يدبّ الشقاق بين الإمارات والسعودية«، تناول فيه أسباب الخلاف الحالي وتعمق في جذوره، مركزاً على التغييرات الأخيرة في اليمن والمنطقة بشكل عام وانعكاساتها على التحالف بينهما.
«الجديد نسبياً في العلاقة بين السعودية والإمارات هو الثقة التي يبديها الإماراتيون في سعيهم لتحقيق استراتيجياتهم في اليمن التي تتعارض بشكل واضح مع سياسات الرياض، وقد كتب هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن السعودية والإمارات قد تحمّلتا عقوداً من العداوة التي تسببت فيها النزاعات البحرية والبرية والتنافس بين آل زايد وآل سعود.
ويضيف خشان أنه «حين ظهرت الإمارات في حيز الوجود في ديسمبر/كانون الأول عام 1971، حققت الرياض هدفها بإقصاء قطر والبحرين من الدولة الفيدرالية الجديدة، وقد أجبر الضغط الهائل الذي بذلته السعودية الإمارات على توقيع اتفاقية جدة عام 1974 التي بموجبها تنازلت عن خور العديد الذي يربط الإمارات بقطر».
ويضيف الخشان: «رفضت الرياض الاعتراف باستقلال الإمارات حتى وقع رئيسها زايد بن سلطان المعاهدة تحت ضغط، رغم أن الإمارات لم تصدّق حتى الآن عليها، وحين وصل خليفة بن زايد إلى منصب رئيس الإمارات عام 2004، زار الرياض وطالب بإلغاء المعاهدة، مستفيداً من أزمة متفجرة بين البلدين استمرت 6 سنوات لتنتهي».
وحين وصل ولي العهد السعودي الشاب المتعطش إلى السلطة الأمير محمد بن سلمان إلى سدة الحكم، لم يتأخر ولي عهد أبوظبي العجوز المحنك محمد بن زايد في انتهاز هذه الفرصة، وكان بن زايد وسفيره في الولايات المتحدة يوسف العتيبة، هما من مهّدا الطريق لبن سلمان ليصل إلى البيت الأبيض، كما سجلت في تقارير سابقة.
وليس المقصود من هذا الكلام إعفاء ولي عهد السعودية من مسؤوليته عن الرعب الذي يزرعه في بلاده، والاعتقالات والتعذيب والتنكيل بمعارضيه وبمنافسيه داخل الأسرة الملكية على حد سواء، تحت ستار «التحديث ومحاربة الفساد».
غير أن كون محمد بن سلمان محاطاً حالياً برجال يدينون بالولاء في المقام الأول لولي عهد أبوظبي، أمرٌ لم يفت سائر أفراد الأسرة الحاكمة، وحتى مع وجود أمير سهل الانقياد لأبوظبي يحكم زمامه بالكامل على الأسرة الحاكمة والمملكة، فإن الإماراتيين يراقبون عن كثب ما يدور في الرياض ويرصدون أقل قدرٍ من الانحراف عن النهج المتشدد.
خضوع سعودي مُهين
في تقرير شهري نشره مركز الإمارات للسياسات، المقرب من أجهزة المخابرات الإماراتية، ورد أن السعودية باتت خاضعة بشكل خوّار للسعوديين فيما يخص السياسة الأمريكية المتأرجحة حول إيران.
ويذكر التقرير أنه بالرغم من أن السعودية حققت نجاحاً في استضافة ثلاث قمم أثناء شهر مايو/أيار، كانت هناك درجة من اللبس في حساباتها فيما يتعلق بإيران. وكان هذا بسبب اعتماد الرياض على الموقف الأمريكي.
«أصبح الموقف السعودي قوياً ومتيناً حين استخدمت الولايات المتحدة لغة قوية ضد إيران. ومع ذلك، خفتت اللهجة السعودية حين أولى الأمريكيون تأكيداً للدبلوماسية.. وحينها اتخذت السعودية موقفاً حاداً في إدانة وتهديد إيران، كما تبين أثناء القمتين».
هذه اللهجة التي يستخدمها التقرير |تشير إلى أن القيادة في الإمارات فطنت للضعف السعودي، وباتت تحتقره».
مقامرة إماراتية محفوفة بالمخاطر
غير أن الإمارات تخوض مقامرة خطيرة مع محمد بن سلمان، ففي ظل وصاية محمد بن زايد على محمد بن سلمان، بدأ الأخير في تأسيس روابط مباشرة مع إسرائيل وخرج النهج المعتاد بتجاهله الفلسطينيين.
وكذلك فإن تجاهله لاحتلال كشمير يأتي مصاحباً لسياسته تجاه فلسطين. فقد سبق أن قال إن الفلسطينيين ينبغي عليهم أن يتعلموا كيف يكونوا «إسرائيليين جيدين».
درّب ولي عهد أبوظبي تلميذه السعودي على تجاهل مشاعر المسلمين وتجاهل التراث السعودي، غير أن تلك الملفات أثقل من أن تتجاهلها الدولة السعودية، كما أن ثمن تجاهلها سيكون باهظاً على العالمين العربي والإسلامي. وهذا الثمن لن تسدده مؤسسة تجارية صغيرة مثل الإمارات العربية المتحدة، وإنما ستسدده دولة مثل السعودية، التي يزداد ضعفها عاماً بعد عام في ظل هذا الحكم الغاشم.
وبمجرد أن تفطن الولايات المتحدة إلى أن محمد بن سلمان يمثل خسارة كاملة لمصالحها الاستراتيجية والعسكرية في الخليج، سيكون أمره قد انتهى. ويرى بعض السعوديين المقربين من الأسرة الحاكمة أن هذا يمكن أن يحدث قبل أن يصبح محمد بن سلمان ملكاً. وحينها ستخسر كل الرهانات الإماراتية.
وبالتالي فإن العداوات القديمة بين الرياض وأبوظبي يمكن أن تعود كما كانت بصورة أقرب مما يتخيل محمد بن زايد.
التحول في سياسة ترامب تجاه السعودية وتحول الرياض إلى «علامة تجارية سامة» بعد جريمة مقتل المعارض جمال خاشقجي، كان له دور هام أيضاً في عمل أبوظبي بهدوء على وضع مسافة بينها وبين السعودية أو بالأحرى ولي العهد محمد بن سلمان، حتى لا تتعرض سمعتها للخطر.
«من مصلحة الإمارات أن تتجنب نوعية الضرر للسمعة الذي تعاني منه السعودية في واشنطن ولندن نتيجة لمقتل خاشقجي والحرب الأهلية في اليمن،» كما قال المحلل كافيرو لكريستيان ساينس مونيتور.
كيف ستتأثر التوازنات في المنطقة؟
الواضح إذن أن الطلاق بين أبوظبي والرياض ربما يكون مسألة وقت، فرغم صدور بيان مشترك بينهما في الساعات الأولى من فجر اليوم الإثنين 26 أغسطس/آب يرفض الإساءة للدور الإماراتي في اليمن، إلا أن ضاحي خلفان نسف رسالة البيان التصالحية في تغريدات له واصلت نفس نسق الهجوم على حكومة هادي والتحالف لوجود عناصر من حزب الإصلاح اليمني.
هذا الطلاق، إن تم بالفعل، ستكون له آثار ضخمة على ملف التعامل مع إيران وملف التعامل مع الإسلام السياسي في المنطقة وأيضاً ملف الحصار على قطر، فالتحالف الإماراتي السعودي يدعم الأنظمة المعادية للديمقراطية في المنطقة العربية والحجة هي «محاربة الإرهاب»، لكن اختلافهما حول دور حزب الإصلاح في اليمن وكذلك طريقة التعامل مع إيران على الأرجح سيؤدي إلى إعادة ترتيب الأوراق في جميع الملفات.
محمد بن سلمان على الأرجح لن يقف مكتوف الأيدي إذا ما وصلت الأمور مع أبوظبي للطلاق العلني، ومع سماته الشخصية واندفاعه وتهوره، من يدري ما قد يقدم عليه في تلك الحالة؟