تعهد رئيس الجمهورية الأسبق والمرشح في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس، محمد المنصف المرزوقي (74 سنة)، بمحاسبة الأحزاب التي تحوم حولها شبهة تلقي أموال سياسية فاسدة من رجال أعمال ودول أجنبية في حال فوزه.
وأشار في مقابلة خاصة أجراها لموقع «عربي بوست» يوم الخميس 29 أغسطس/آب 2019، إلى الدعم الإماراتي الذي حصل عليه في وقت سابق الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حينما كان زعيماً للمعارضة.
وقال المرزوقي: «اليوم هناك قناعة بوجود 4 أو 5 أحزاب تونسية تشتغل بالمال الفاسد الداخلي والخارجي وإذا عدت للسلطة سأحاسب كل الذين ضلعوا في هذه العمليات فهذه قضية أمن قومي واستقلال وطني ولن أسمح بحصول ذلك مجدداً في تونس».
وقال «أود أن أذكر أنه في سنة 2013 بعثت دولة الإمارات العربية المتحدة لرئيس حركة نداء تونس آنذاك الباجي قائد السبسي سيارتين مصفحتين، وهذا أعتبره تدخلاً في الشأن التونسي وهذه المعلومة المؤكدة تخفي جبل الجليد».
حرب مقدسة
واعتبر المرشح للانتخابات الرئاسية في تونس التي ستجرى في دورها الأول يوم 15 سبتمبر/أيلول 2019، أنّ منافسه الأبرز في هذا السباق الانتخابي هو المال السياسي الفاسد بالنظر إلى أنّ رجال الأعمال الفاسدين لهم أذرع سياسية وإعلامية في شكل قنوات تلفزية وإذاعات وهذا شيء مخيف.
واعتبر أن هؤلاء يستغلون الديمقراطية لكي يتحركوا بكل حرية.
وشدّد المرزوقي على وجود دول أجنبية أعطت لنفسها حق شنّ ما أسماه «حرباً مقدسة» ضدّ الحرية والديمقراطية في تونس بهدف العودة بها إلى مربع ما قبل الثورة، مؤكداً أنّ هذه الدول هي نفسها التي تقوم بـ»قتل الأبرياء من الشعب اليمني وتسليح الميليشيات في ليبيا».
وأفاد أنّه حينما كان رئيساً للجمهورية في تونس بين 2012 و2014، تحصل على معلومات تفيد بدخول أموال أجنبية إلى تونس عبر أشخاص يدخلون عن طريق شركات طيران معينة.
وقد طلب وقتها من وزير الداخلية لطفي بن جدو أن يقوم ببحث في هذا الموضوع، مستنتجاً أنّ الدولة العميقة آنذاك كانت موجودة في جميع المواقع، وهو ما مكنها من وضع ستار حول هذا الموضوع بالذات.
الزبيدي والجيش
وبخصوص ترشح عبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع التونسي لمدة 6 سنوات بعد الثورة لرئاسة الجمهورية، قال المرزوقي إنّ منافسه لا علاقة له بالجيش التونسي الذي لا خوف منه، فهو «حرفي ومهني»، على حد تعبيره.
وأوضح أنّ المؤسسة العسكرية في تونس لا تتدخل في الشأن السياسي وهي تحترم الشرعية وتكتفي فقط بدور الدفاع عن مؤسسات الدولة والسيادة الوطنية.
وقال المرزوقي إنّه يعرف الجيش التونسي جيداً على اعتبار أنّه كان القائد الأعلى للقوات المسلحة لمدة 3 سنوات، مضيفاً أنّ المؤسسة العسكرية في تونس لا يهمها من يحكم فهي تحترم الديمقراطية.
وقد صرّح له في وقت سابق قائد أركان جيش البرّ في سنة 2013 حينما كانت هناك مخاوف من إمكانية حصول انقلاب أنّه لن يسمح لأي كان بأن يضع ولو إصبعاً واحداً في صلب مؤسسات الدولة التي هي محايدة تجاه الصراع السياسي وتلتزم بالشرعية فقط.
الاختلاف عن مورو
وقال المرزوقي إنّه يختلف اختلافاً جوهرياً عن عبدالفتاح مورو مرشح حركة النهضة الإسلامية التي كانت حليفته في السلطة بين 2012 و2014.
واعتبر نفسه يعيش في مشاكل القرن 21، وأنّ هذا الاختلاف بينه وبين مورو هو في السياسات والتوجهات الكبرى خاصة على مستوى محاربة الفساد والفقر.
وأضاف مرشح حزب الحراك المعارض أنّه لا يوجه أي شيء يجمعه بمورو، فالمرزوقي له توجهات عروبية واشتراكية إن صحّ التعبير، وهو غير معني بالخلافات الإيديولوجية الماضوية التي طبعت القرن 20.
وأوضح أن مثل هذه الخلافات بين الإسلاميين والعلمانيين تجاوزتها الأحداث، مفيداً أنّ علاقاته حالياً مقطوعة مع قيادات حركة النهضة التي يتزعمها راشد الغنوشي، متهماً إياها بالتطبيع مع الثورة المضادة والمنظومة القديمة.
وقال المرزوقي إنّه في الانتخابات سيتوجه لكل أطياف الشعب التونسي وهو يعوّل على الحصول على أصوات من ندموا على التصويت لمنافسه في الانتخابات السابقة الباجي قائد السبسي سنة 2014.
كما أنّه يأمل في الحصول على أصوات المسجلين الجدد في الانتخابات والذين يبلغ عددهم زهاء المليون وسبعمائة ألف مواطن تونسي.
لا مصالحة مع بن علي
وعبّر المرشح للرئاسة التونسية محمد منصف المرزوقي عن رفضه لأيّ شكل من أشكال المصالحة مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي المقيم حالياً بالمملكة العربية السعودية، مشترطاً ضرورة عودته إلى تونس والمثول أمام القضاء والاعتذار للشعب التونسي مع طلب العفو بطريقة علنية.
وقال المرزوقي «وقتها فقط يمكن مناقشة الموضوع»، متعهداً بمواصلة مسار العدالة الانتقالية ومطالباً بن علي بإعادة الأموال المسروقة من الشعب التونسي إلى خزينة الدولة.
واعتبر أنّ من يدعو إلى المصالحة الوطنية الشاملة دون المرور عبر هذه الخطوات هو انتهازي ويود القيام بعملية حقيرة بامتياز الهدف منها كسب أصوات أنصار المنظومة القديمة.
وفي حال فوزه بالرئاسة، وعد المرزوقي بأن يكون «الرئيس القدوة وليس الرئيس القائد»، مؤكداً أنّه سيفتح قصر قرطاج أمام الجميع من تلاميذ ومثقفين ومعارضين.
وأضاف أنّه يريد تجميع الشعب التونسي واستعادة الأموال المنهوبة والاهتمام بالقضايا الاستراتيجية التي تهم مستقبل البلاد.
واعتبر المرزوقي أنّ السنوات الخمس الماضية هي مجرد قوس سيتم إغلاقه، وهي في رأيه أعوام ضائعة دمرت فيها معنويات الشعب التونسي، مشدداً على أنّه سيعمل على إعادة الأمل للمواطنين.
وانتقد تصريحات نجل رئيس الجمهورية الراحل والممثل القانوني لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي الذي صرّح مؤخراً أنّه يملك معلومات استخباراتية على من هم في السلطة اليوم.
وقال إنّ هذه التصريحات تعكس انحطاطاً أخلاقياً وأنّه في تونس اليوم لا توجد أحزاب سياسية بل هناك عصابات سياسية، متهماً رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي سيكون منافساً له في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بوضع خصومه في السجن في إشارة إلى المرشح الرئاسي الآخر وأحد مالكي قناة نسمة الخاصة نبيل القروي الذي تمّ مؤخراً إصدار بطاقة إيداع في السجن ضدّه من قبل القضاء التونسي.
وأضاف محمد منصف المرزوقي: «الشعب سيضع حداً لهذه المهزلة والمأساة».
الجنسية الفرنسية
ونفى المرزوقي نفياً قطعياً حمله للجنسية الفرنسية، مستغرباً كيف يتم حشر اسمه في قائمة المترشحين لرئاسة الجمهورية التونسية الذين لهم جنسية مزدوجة.
وقال المرزوقي إنّه عاش في فرنسا لمدة 25 سنة، وهو متزوج بفرنسية وقد كان بالإمكان أن يتحصل على جنسية هذا البلد لكنه لم يطلبها أبداً.
وأوضح أنّه ليس ضدّ حصول مواطنين تونسيين على جنسيات أخرى، إذ أن بناته يحملن الجنسية الفرنسية وهناك حوالي مليون تونسي يقيمون في الخارج لهم جنسيات أجنبية، وهو لا يفرق بين التونسيات والتونسيين لكنه في المقابل يعتبر أنّ من يطمح لرئاسة الجمهورية في تونس عليه أن يكون تونسياً فقط بجنسية واحدة.
واعتبر أنّه ليس من المعقول أن يخفي رئيس الحكومة يوسف الشاهد جنسيته الفرنسية على الشعب التونسي لمدة 3 سنوات فهذا خداع للتونسيين وفق رأيه.
وتساءل المرزوقي كيف يمكن للتونسيين أن يثقوا في يوسف الشاهد وهو الذي أخفى ذلك على الشعب، لاسيما وأنّ حمل جنسية مزدوجة لأيّ مسؤول رفيع المستوى في الدولة يمكن أن يتسبب في تضارب المصالح وتناقضها.
مراكش 2
وبخصوص سياسته الخارجية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية، قال محمد منصف المرزوقي إنّ تونس لن تتدخل في شؤون الدول الأخرى طالما لم يتم التدخل في شؤونها، وإنّ مصالحها أساساً مع بلدان أوروبا والفضاء المغاربي والإفريقي، متعهداً بإحداث نقلة نوعية في اتحاد المغرب العربي فيما يشبه قمة جديدة أطلق عليها تسمية مراكش 2.
ووعد المرزوقي بالدفاع عن كرامة واستقلال بلده تونس، مشدداً على أنّ موضوع إعادة العلاقات مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد ليس له أهمية حالياً.
وأضاف أنّ علاقته بنظام عبدالفتاح السياسي في مصر تتسم لا بالحرب ولا بالسلم، فموضوع العلاقات المصرية – التونسية ليس مهماً ولا يستحق الأولوية، مؤكداً أنه يتمنى أن يتم احترام الحريات وحقوق الإنسان في هذا البلد.
وقال المرزوقي إنّه يأمل في أن يتخلص الوطن العربي من المآسي من خلال تكوين قواعد اشتباك متحضرة، فهو سعيد أنّه في بلده تونس حينما خرج من السلطة كان مرفوع الرأس ولم يسجن ولم يلاحقه أحد، والشرطة اليوم هي التي تحميه كرئيس سابق وأحد المترشحين للانتخابات الرئاسية المرتقبة.
أسف على مرسي وإعجاب بالجزائر
وأعرب في نفس الوقت عن أسفه لما حصل للرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي يكن له الكثير من الاحترام بعد أن ظلم وعذّب تعذيباً شديداً في السجن الانفرادي من قبل النظام السياسي في مصر لمدة 6 سنوات، وهو ما جعله يبكي يوم سمع نبأ وفاته.
واعتبر أنّ الحراك الشعبي المتواصل في الجزائر والسودان خلال الأشهر الأخيرة هو عبارة عن موجة ثانية من البراكين العربية التي انفجرت لأسباب موضوعية بسبب الضغط المسلط على الشعوب من الفساد والاستبداد والظلم.
وحذر بقية الحكام العرب من أن يلاقوا نفس مصير الرئيس السوداني عمر البشير الذي يمثل اليوم أمام القضاء، داعياً إلى تكريس الحريات فعهد التحكم في الشعوب إلى ما لا نهاية قد انتهى بالنسبة للمرزوقي.
وأفاد محمد منصف المرزوقي أن الحكومة الجزائرية في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة كانت ضدّه وضد الثورة التونسية وضدّ الربيع العربي، معرباً عن سعادته لما يحصل اليوم في الجزائر وإعجابه بالشعب الجزائري الذي لم يقم بنفس الخطأ الذي ارتكبه الشعب التونسي بعد أن رفض التعويل على النظام القديم لبناء النظام الجديد.
وتوقع المرزوقي أن يكون النظام الجديد في الجزائر قريباً من الأفكار التي يدافع عنها وهو ما سيمثل سنداً له في حال ما فاز بالرئاسة في تونس من إعادة بناء اتحاد المغرب العربي على شاكلة الاتحاد الأوروبي وهو ما سيخدم مصلحة تونس اقتصادياً.
وفي علاقته بالشأن الليبي، قال المرزوقي إنّ ليبيا اليوم مستباحة من قبل دولة الإمارات، متوجهاً بالتحية للشعب الليبي إزاء صموده. كما توجه بالتحية للحكومة الشرعية، مؤكداً أنّه سيدعم أي تفاهم يحصل بين الليبيين وحدهم وهو يدعم الشرعية في الوقت الحالي.
وشدّد المرزوقي على أنّه في حال وصول المشير خليفة حفتر إلى السلطة في إطار اتفاق ليبي- ليبي من خلال شرعية جديدة، فآنذاك لن يكون له أي مشكلة، معتبراً أنّ الأخير هو حالياً ضدّ الشرعية وبالتالي لا سبيل للتعامل معه.
صفقة القرن
وقد أكّد المرزوقي في حديثه لـ «عربي بوست» أنّه لن يقبل أي تطبيع مع إسرائيل في حال فوزه برئاسة الجمهورية في تونس حتّى إن سلطت عليه ضغوط من قبل الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب.
وأوضح أن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة إليه وللشعب التونسي أيضاً، مضيفاً أنّه يوم يعقد اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل وقتها فقط سيقول أهل مكة أدرى بشعابها.
وقال المرزوقي إنّه لا يمكن أن يقبل بصفقة القرن طالما أن الشعب الفلسطيني رافض لها، متعهداً بأن لن يكون هناك أي شكل من أشكال التطبيع في عهد حكمه.
وأضاف المرزوقي أنّ استقباله لقادة حركة حماس الفلسطينية حينما كان رئيساً للجمهورية كلفه الإزاحة من السلطة، وهو الذي ركب البحر دعماً للقضية الفلسطينية، وهو أيضاً الرئيس العربي الوحيد الذي اعتقلته إسرائيل وقد حاول سنة 2014 استنفار العرب دفاعاً عن غزة.