تقرير: موقع درج
لا تشكل أحداث عدن في الشهر الأخير نقطة تحول في حرب الخمس السنوات، بقدر ما تثبت خروج الصراعات من الخفاء إلى العلن، وهذه الصراعات انعكست بشكل معارك دموية شرسة.
يمكن التركيز على ثلاث تحولات رئيسية تلقي الضوء على حقيقة الصراع. التحول الأول، تغير الموقف الدولي والأممي من الحرب، من كونها حرباً بين الشرعية والانقلاب، يقف المجتمع الدولي فيها إلى جانب الشرعية، إلى كونها صراعاً بين أطراف تتساوى في انتهاكها حقوق الإنسان يقف المجتمع الدولي فيه على مسافة متساوية من الجميع.
التحول الثاني، اقتناع أطراف التحالف العربي بصعوبة الحسم العسكري وهزيمة الحوثي في الشمال، بخاصة بعد تعاظم قدراته العسكرية. أدى هذا إلى اختلاف في وجهتي النظر الإماراتية والسعودية بخصوص إدارة الحرب. ففي حين تميل الإمارات إلى زرع ميليشيات محلية وتيارات سياسية موالية لها، بشكل يضمن لها الانسحاب مع استمرار نفوذها وتحكمها في الملف اليمني، ترى السعودية أن الانسحاب خطير وأن لا حل أمامها إلا الاستمرار في الحرب، مهما كانت تداعياتها.
التحول الثالث هو اقتناع الرئيس عبد ربه منصور هادي والشرعية اليمنية بصعوبة العودة إلى صنعاء في الأمد القريب، وبالتالي تحويل قواتهما وجهودهما الحربية إلى جبهات الجنوب والشرق (مأرب، شبوه، عدن، حضرموت).
أما الأمم المتحدة فتراجعت إلى خلفية المشهد لتبتعد كثيراً من الجانب السياسي للصراع، وتركز على الجانب الإنساني وحسب، من خلال ملف الحديدة واتفاقية ستوكهولم.
لهذا كان رد فعل المبعوث الأممي حول أحداث عدن الساخنة بارداً، ولم تخرج بياناته عن تأكيد أهمية وقف إطلاق النار وإحياء الاتفاق حول الحديدة والتركيز على البعد الإنساني للصراع وأهمية استمرار تدفق المساعدات والمواد الغذائية للمواطنين عبر الموانئ الرئيسية.
مع مأزق تجمد الاهتمام الأممي والسعودي على ما يحدث في الشمال فقط، ونجاح الحوثيين في حسم جبهات الشمال بمعظمها وتجميدها لمصلحتها، لم يكن أمام القوى المتصارعة غير نقل بعض نيران المعركة إلى الجنوب، بخاصة بعد إيقاف القتال في الحديدة.
يكاد الصراع في الجنوب ينحصر بين ثلاث قوى رئيسية. المجلس الانتقالي الجنوبي حاملاً شعار استعادة دولة الجنوب وإنهاء الوحدة مع الشمال وهو التيار الأقوى الذي يملك حالياً “الأرض والجمهور”، والدعم المالي والعسكري السخي من الإمارات، من جهة، وتيار الحكومة الشرعية ممثلة بهادي وتيار ثالث فقد الكثير من قواه هو تيار “حزب الإصلاح” والجنرال علي محسن عبر التشكيلات العسكرية الصغيرة، التي ما زالت صامدة في شبوه وحضرموت.
في حين لا تملك قوات علي محسن والإصلاح المحدودة فرصاً كبيرة للصراع، يظل المشهد محصوراً في الصراع الجنوبي – الجنوبي بين محوري قبائل الضالع – لحج وقبائل أبين – شبوه.
ظن المجلس الانتقالي الجنوبي، وغالبية أعضائه من مناطق الضالع – لحج، أنه قادر على حسم الصراع في الجنوب وفرض نفسه سلطةَ أمر واقع مثلما فعل الحوثيون في الشمال. وقد ساعد انتصاره السهل في عدن وأبين الأسبوع قبل الماضي، على تضخيم أوهام النصر السريع والتمثيل الحصري للجنوب.
لكن المفاجأة أنه انكسر على أبواب محافظة شبوه (الخصم التاريخي لمحور الضالع – لحج) وتراجعت قواته، ليعود الصراع مرة أخرى إلى أحياء عدن نفسها.
ما يحدث في عدن لا علاقة له بالوحدة ولا بالشمال، فقد رسخت سنوات الحرب واقعين منفصلين ومسارين مختلفين للشمال والجنوب.
لا تزال محافظات الجنوب منقسمة بين محوري الصراع التاريخي الذي يقف فيه هادي وقواته ضمن محور أبين – شبوه. أما عدن فهي مكمن الخطورة واحتمالات الانفجار الدموي، فمعسكرات الفريقين متجاورة داخلها، ما ينذر بانفجار صراع قد يعيد إلى الأذهان رعب مجزرة 1986. وأحياء عدن نفسها مقسومة بين قوات الفريقين، والاعتقالات تتم وفق المناطق، إذ تعتقل قوات المجلس الجنوبي أبناء أبين وشبوه داخل أماكن سيطرتها، فيما تعتقل قوات هادي بدورها أبناء الضالع ولحج ضمن مناطق سيطرتها.
مع مأزق تجمد الاهتمام الأممي والسعودي على ما يحدث في الشمال فقط، ونجاح الحوثيين في حسم جبهات الشمال بمعظمها وتجميدها لمصلحتها، لم يكن أمام القوى المتصارعة غير نقل بعض نيران المعركة إلى الجنوب، بخاصة بعد إيقاف القتال في الحديدة.
انكسار زحف المجلس الانتقالي الجنوبي على أبواب شبوه كانت له أسباب أخرى، من ضمنها أن شبوه شهدت السنوات الماضية عملية تجنيد لمشايخ مناهضين لوجود السعودية والإمارات في اليمن، وبدعم خفي يقال إن عمان وقطر تلعبان أدواراً رئيسية فيه.
تبدو شبوه حالة صراع معقدة، تتركّز فيها أهم منابع النفط والغاز، وتحرص القوى على الحضور فيها عبر دعم المشايخ المحليين. لهذا توجد في أرض شبوه مراكز القوى بما فيها “المؤتمر والإصلاح” والحوثي والسعودية والإمارات وقطر وعمان!
انطلاقاً من عدن نفسها، يخرج خلاف هادي مع الإمارات إلى العلن، وتقول الإمارات إن وجودها في اليمن جاء استجابة لطلب السعودية، وليست له علاقة بشرعية هادي من عدمها.
ليس هذا فصلاً جديداً في حرب عبثية، بقدر ما هو خروج الصراعات الخفية إلى العلن. النقطة الأكثر وضوحاً أن الصراع لم يعد حول استعادة الشرعية ولا حول تحرير الشمال من الانقلاب، إنه صراع وجود وهو صراع وحدهم اليمنيون يدفعون ثمنه!