نشرت صحيفة ألمانية تقريرا لها تناولت فيه السياسة الخارجية لدولة الإمارات ودورها في الأزمات التي تعصف بعدد من الدول العربية، ورأت فيه أن "الإمارات لم تترك صراعا في المنطقة العربية إلا وانخرطت فيه متحولة بذلك من دولة رائدة إلى بؤرة مشاكل".
ويرى محرر الشؤون السياسية في صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية، راينر هيرمان، أن "نتائج هذه الصرعات ستعود بالسلب على الدولة الثرية والمتواضعة من حيث المساحة"، على حد تعبيره.
واستدل على ذلك، "بما أعلنته الإمارات عن انسحابها من المشهد في اليمن أو –كما أعلنت رسميا- إعادة تموضع قواتها".
وأضاف: "في ليبيا ما زال خليفة حفتر المدعوم من قبل الإمارات يراوح على أبواب العاصمة الليبية. وفي السودان ما زالت راية المتظاهرين ترفرف في وجه حلفاء الإمارات من العسكر"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذه الأزمات أخذت وقتا زمنيا طويلا بخلاف تقديرات أصحاب القرار في أبو ظبي، كما ازدادت معها التكاليف المادية والسياسية التي تدفعها الإمارات نتيجة هذه التدخلات.
وأوضح أنه "على الصعيد الداخلي لدولة الإمارات ارتفع ما يعرف بـ "القمع المالي" المرتبط بسعر الفائدة، وسط تراجع شعبية الإمارات على الصعيد الدولي".
واستعرض الكاتب الألماني "الحالة التي كانت تمثلها الإمارات منذ تأسيسها عام 1971، باعتبارها دولة ليبرالية جاذبة للعيش فيها، وأنها كانت في عهد مؤسسها الشيخ زايد بلدا "للفرص" وأنها كانت "المجتمع الأكثر ليبرالية، وكان الحفاظ على التوازن السمة المهيمنة، داخليا وخارجيا".
واستدرك بقوله: "أما اليوم فتريد الإمارات تحت القيادة الجديدة وعلى رأسها محمد بن زايد أن تصبح أشبه بشرطي في المنطقة العربية. وفي الداخل صار القمع هو الصبغة التي حلت محل الانفتاح السابق".
وأشار إلى ثلاثة عوامل لعبت دورا في تحولات الدولة الإماراتية، أولها: "الغزو العراقي للكويت"، ومن هنا "بدأت الإمارات بإيلاء التسلح اهتماما خاصا، تزامن ذلك مع صعود محمد بن زايد صاحب الخلفية العسكرية والذي تخرج عام 1979 من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، ليصبح ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات".
وثاني هذه العوامل "بدأت الإمارات بملاحقة الإخوان المسلمين، الأمر الذي كان مسكوتا عنهم فترة طويلة خاصة بعد النجاحات التي حققتها الجماعة في برلمانات الكويت والبحرين".
والعامل الثالث "تمثل في سقوط أنظمة حليفة للإمارات في المنطقة عقب ما عُرف بالربيع العربي في العام 2011".
وكنتيجة لهذه العوامل، أوضح هيرمان أن "الإمارات العربية المتحدة ظهرت إلى جانب المملكة العربية السعودية كشرطي في المنطقة والمسؤول عن بقاء الحال على ما هو عليه. وأصبحت الدولتان بإمكانياتهما العسكرية والمالية الضخمة قائدتين للثورات المضادة".
وأضاف: "أحد الأهداف كان الحيلولة دون تنظيم انتخابات، كذلك كان من الأهداف القضاء على الحركات الإسلامية التي كان من الممكن أن تفوز في انتخابات حرة. والعمل على رفع مستوى التسلح خاصة بفضل الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا كان له الفضل في تقديم الإمارات كجبهة قوية في الأزمة مع إيران".
وكإشارة إلى "إخفاقات الإمارات في الصراعات التي أدارتها"، أكد الكاتب أنها "بنت طموحات أكبر من قدراتها ومواردها بكثير".
ولفت إلى أن "الهدف الرئيسي من تدخل الإمارات في اليمن هو طرد جماعة أنصار الله الحوثية الموالية لإيران وتقطيع أوصال جماعة الإخوان المسلمين". لكن "الإمارات اضطرت في نهاية المطاف إلى التراجع عن هذا النهج. خاصة مع ازدياد نظرة الازدراء إليها كقوة احتلال". وأنها "اضطرت إلى تبني استراتيجية جديدة ربما يسهل معها السيطرة على الموقف فصارت تسوق لانفصال الجنوب، مستغلة بذلك ميليشيات يمنية مناصرة لها".
وتابع: "كان للإمارات الدور الأكبر في الحصار المفروض على قطر. لكنه أيضا فشل وانقلب على قطر قوة داخلية وخارجية ولم ينل من الحدث المرتقب في عام 2022 والمتمثل في تنظيم بطولة العالم لكرة القدم".
وأكمل: "مليارات الدولارات التي ضختها الإمارات إلى مصر بهدف تثبيت دعائم الحكم لنظام السيسي هناك، ما زالت لم تأت أكلها بعد. فالنظام لم يتمكن من إيجاد فرص عمل مستدامة للمصريين الذين يزداد عددهم بمليونين ونصف المليون نسمة كل عام. علاوة على القمع والاضطهاد المتزايدين في مصر".
وأشار إلى أن الثنائي الإماراتي السعودي "فقد بريقه"، محملا إياهم المسؤولية عن إشعال فتيل الحرب في اليمن، والتسبب فيها ب" أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث".
ومن العوامل التي أدت بالإطاحة بصورة التحالف الإماراتي السعودي " الجريمة البشعة التي أودت بحياة الصحفي السعودي جمال خاشقجي والتي لا تزال أصابع الاتهام فيها تشير إلى محمد بن سلمان، والخروقات التي تشهدها السعودية في مجال حقوق الإنسان كلها ترتبط بشكل أو بآخر بمحمد بن سلمان" على حد تعبير الكاتب.
وختم بقوله: "لم تعد الإمارات ذلك البلد الذي كان يُضرب فيه المثل. فقد أصبح الشغل الشاغل لقادة البلد الوقوف في وجه تغيير فات أوانه في الدول العربية. وهو الأمر الذي سترتد نتائجه في وقت ما على منفذه".