ترجمة عربي بوست
قبل أربعة أشهر فقط، ضم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف علناً وليّ عهد الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، إلى «فريق حرف باء» من دعاة الحرب، الذي يضم بالفعل مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. كان الأربعة، وفقاً لما ذكره كبير الدبلوماسيين الإيرانيين، منشغلين بإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإشعال حرب غير ضرورية مع إيران.
شهدت الأشهر الأربعة الماضية سلسلة من التطورات السريعة في الخليج، إذ دفعت المنطقة بأسرها إلى شفا صراع خطير. لكن من المثير للدهشة أن العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة تتحسن، إذ يبدو أن الدولتين تسيران بطريقة أو بأخرى على مسار وقف التصعيد.
الإمارات تلجأ للحذر
في 12 مايو/أيار، جرى تخريب عدة ناقلات نفط بتفجيرات متعددة بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي. وبعد شهر واحد، تعرّضت سفينة متجهة إلى تايوان تحمل نفطاً إماراتياً للهجوم في بحر عُمان. وبينما اتهم مسؤولو الحكومة الأمريكية إيرانَ ووكلاءها، لجأت أبوظبي إلى الحذر وامتنعت عن توجيه أي اتهام لطهران.
قبل أسبوع واحد فقط من الهجوم، أعلنت الإمارات التراجع عن سياستها في اليمن الذي مزقته الحرب، حيث كانت عضواً رئيسياً في التحالف السعودي الذي يقاتل المتمردين الحوثيين. وأصبح النهج الجديد للإمارات في الصراع مع الحوثيين هو«استراتيجية السلام أولاً»، بدلاً من «الاستراتيجية المعتمدة في المقام الأول على النهج العسكري».
هذا يعني تراجعاً دراماتيكياً في حرب طالما انتقدتها الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة. لذلك، يفسّر كثيرون في إيران الاستراتيجية الإماراتية الجديدة على أنها محاولة لتخفيف التوترات مع طهران، كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي.
جاءت الإشارة الأكثر وضوحاً للرغبة في التهدئة في أعقاب إسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار على الخليج في 20 يونيو/حزيران على يد فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بعد انتهاكها المجال الجوي الإيراني. كانت الطائرة بدون طيار قد أقلعت من قاعدة في الإمارات.
في النهاية، لم يرد الرئيس ترامب على الهجوم، قائلاً إنه ألغى خطط توجيه ضربة لإيران؛ ربما يمكن القول إنه في النهاية رد فقط بسلسلة من التغريدات. كل هذا بدوره قد يكون ساعد في أن يعيد المسؤولون الإماراتيون التفكير في سياستهم الخارجية الشاملة. لقد بدأوا في تقييم الضرر الذي قد يلحق بالإمارات في حالة حدوث نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران، مدركين أنهم لا يستطيعون دفع ثمن السياسات التي يتبعها شركاؤهم ويرى كثيرون أنها «غير موثوقة».
هل بدأت أبوظبي بحصد ثمار ما زرعته؟
يقول الموقع الأمريكي: من وجهة نظر المحافظين في إيران، فإن خيبة الأمل الإماراتية البادية تجاه الولايات المتحدة هي دليل على أن «استراتيجية المقاومة» التي طالما طالبوا بها كانت هي الاستراتيجية الصحيحة والتي بدأت تؤتي ثمارها. ومع ذلك، ليس لدى كل النخب السياسية الإيرانية مستوى التفاؤل نفسه.
وقال سيافاش فلاح بور، وهو صحفي متخصص في شؤون العالم العربي لموقع Al-Monitor: «فهم سلوك الإمارات على أنه تراجع ليس سوى فهم ضحل وساذج للوضع. وصلت الإمارات الآن إلى مرحلة تحصد فيها ثمارها من السياسات التي كانت تستثمر فيها بشكل كبير في السنوات الأخيرة».
ومع ذلك، فقد دعمت التطورات الجديدة في العلاقات بين طهران وأبوظبي النظرية القائلة إن الإمارات تسعى إلى تهدئة حقيقية. في أواخر يوليو/تموز، تحدث أمين عام هيئة الصرافين في إيران عن «استعداد» أبداه مصرفان إماراتيان لإجراء معاملات مالية مع إيران.
في خطوة أخرى ملحوظة، وقع قائد خفر السواحل الإماراتي مذكرة تفاهم مع قائد حرس الحدود الإيراني بعد يومين من المناقشات في طهران. تهدف الوثيقة إلى تعزيز أمن الحدود وتحسين التعاون الثنائي.
احتلت صور الاجتماعات عناوين الصحف الإيرانية وأثارت مناقشات جديدة بين المراقبين حول تحول موقف الإمارات تجاه طهران، في حين اختار المسؤولون الإيرانيون التعامل مع هذه المسألة بقدر من الحذر.
دبلوماسي إيراني: الإمارات اتخذت تدابير جنّبتها التورط في حرب معنا
وقال دبلوماسي إيراني رفيع المستوى -طلب عدم الكشف عن هويته- لموقع Al-Monitor: «جرى اكتشاف علامات أولية تشير إلى حدوث تغيير في سلوك الإمارات. من وجهة نظرنا، فإن هذه في معظمها تدابير تكتيكية تتبناها الإمارات في محاولة لتجنب الضرر من (تورطها) في الصراع في اليمن، خاصة من حرب الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى السياق الأكبر للحرب الأمريكية الإيرانية المحتملة».
في وقت سابق من هذا الشهر، قال عبدالقادر فقيهي، رئيس رابطة التجار الإيرانيين في الإمارات، في مقابلة إنه على الرغم من الضغوط الناجمة عن العقوبات الأمريكية، قررت الإمارات تسهيل إجراءات الحصول على تأشيرة العمل، وكذلك طلبات الحسابات المصرفية المقدمة من المواطنين الإيرانيين إلى البنوك الإماراتية. وأضاف أن التأشيرات الإيرانية منتهية الصلاحية يمكن تمديدها بناءً على تقدير السلطات الإماراتية.
السعودية والإمارات على خلاف بشأن إيران
خلال زيارته للرياض في 10 أغسطس/آب الماضي، أعلن ولي عهد الإمارات أن بلاده والسعودية اتفقتا على القتال إلى جانب بعضهما البعض على خط المواجهة المشترك، وسوف «نواجه بحزم وبقوة أي وجميع القوى التي تهدد سلامة وأمن المنطقة». ومع ذلك، أثارت التطورات الأخيرة الأخرى تكهنات بأن السعودية والإمارات يمكن أن تكونا على خلاف بشأن إيران.
وقال فلابور: «اختلاف الرأي بين السعوديين والإماراتيين (حول إيران) حقيقي. في توتراتها مع إيران، تسعى السعودية إلى مواجهة جيوسياسية وأبعد من ذلك، في حين أن أبوظبي تحاول على مدى سنوات إرسال رسالة مفادها أنها لا تشارك الرياض نهجها تجاه طهران. ويبدو أن هذه الإشارة قد وردت وقبلتها دائرة القيادة في إيران».
يقول موقع المونيتور: «بغض النظر عن الكلمات المستخدمة لوصف النهج الإماراتي، فإن الرأي العام الإيراني يدرك تحول نهج الإمارات، سواء كان تراجعاً أم تدبيراً تكتيكياً «قصير الأجل».
وقال كامران كرامي، الخبير في السياسة العربية في طهران: «يمكن النظر إلى نية الإمارات في التهدئة مع إيران في إطار حالة طوارئ إقليمية. فالمخاوف من امتداد الأزمة إلى الإمارات بسبب ضعف العمق الاستراتيجي للبلاد، والاختلافات بين بعض الإمارات نفسها مثل دبي مع أبوظبي حول نهج المغامرة الأخير -التي تهدد الرخاء والاستقرار الاقتصاديين للإمارات- والشكوك حول قابلية تطبيق سياسة «الضغط الأقصى» الأمريكية ضد إيران، وأخيراً المخاوف بشأن نطاق الهجمات الصاروخية الإيرانية التي تُجيد أهدافها داخل الأراضي الإماراتية، يمكن النظر إليها كلها على أنها التفسيرات الرئيسية وراء تراجع نهج الحكومة الإماراتية وبن زايد على وجه الخصوص».
يمكن أن تكشف الخطوات التالية للإمارات ما إذا كانت تجري تحولاً حقيقياً في سياستها الخارجية ونهجها الأمني تجاه طهران أو ما إذا كان التحول مجرد تكتيك مؤقت للحذر يهدف إلى إبقاء نيران النزاعات العسكرية الوشيكة بعيدة عن حدودها. في كلتا الحالتين، تراقب طهران عن كثب وحذر أدنى تحركات جارتها في الخليج.