على الرغم من كل التعقيدات التي رافقت الحالة اليمنية طيلة السنوات الماضية، إلا أنها ظلّت تتمايز عن الحالة السورية بأوجه عدة، من بينها انحسار عدد اللاعبين الدوليين قياساً بما هي عليه الحال في الوضع السوري الذي تتكلم فيه المأساة كل اللغات. لكن الخشية الآن تتمثل في أن هذه الميزة اليمنية معرّضة للتلاشي بعدما فتح القصف الإماراتي لتشيكلات من جيش الشرعية، الأسبوع الماضي، كوة للتدخل الجديد ولو من باب الإدانة في بداية الأمر كما فعل الروس أخيراً. فقد ظلّ الدب في سبات طويل منشغلاً عن الأحداث في اليمن، ومتورطاً في سورية، إلى أن جاءت حادثة القصف الإماراتي فعبّر عن أسفه لذلك القصف. وهو التصريح الذي قوبل بترحاب كبير من قبل ناشطي الشرعية رغم ما يكتنف توقيته من مفارقات وألغاز.
ومن تلك المفارقات التي صاحبت إطلالة الكرملين على اليمن، أنها تمت بالتزامن مع جملة لقاءات عقدها نائب وزير الخارجية الروسي، ممثل بلاده في الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، مع ممثلين لكيانات معارضة للشرعية، وهي الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي، في أبوظبي. لا تبدو التفاتة موسكو للشأن اليمني في هذا الظرف باعثةً على الطمأنينة، بل هي على العكس من ذلك، كونها تزامنت مع تصعيد أبوظبي ووكلائها في الجنوب اليمني، الذي ظل قرابة عقدين يدور في فلك المعسكر السوفييتي، وبالتالي فإن هذه الالتفاتة ربما لا تخلو من أجندات غامضة بأثر رجعي. وكان لافتاً في هذا السياق، خروج التغطية الإعلامية لقناة "روسيا اليوم" عن حدود المواقف الروسية الرسمية المؤيدة لوحدة اليمن، فقد صبّت التغطية لصالح المجلس الانتقالي، ما دعا وزارة الإعلام اليمنية لاستنكار ذلك الأسلوب والتلويح بسحب ترخيص عمل القناة في اليمن.
ولدى النظر إلى هذا الوجود الروسي المفاجئ في المشهد اليمني وكذلك بيان أبوظبي عقب القصف متضمناً الدعوة لتحالف دولي لمواجهة "الإرهاب في اليمن"، يبدو الأمر مدعاةً للقلق أكثر، لا سيما وسط تسريبات وتقارير تتحدث عن أن التقارب الأخير بين الإمارات وإيران تمّ بوساطة روسية. لا ينقص اليمن البتة، مزيد من اللاعبين الدوليين بمبررات أمنية؛ إذ لم تجن البلاد، من مصادرة القرار المحلي لصالح الخارج وتعدد القوى الفاعل في بلد يحتل موقعاً استراتيجياً بالعالم، سوى الوضع المأساوي الذي آل إليه اليوم، والمطلوب من المجتمع الدولي بما في ذلك روسيا، هو العمل الجاد لدعم سلامٍ عادل وشامل، يحفظ وحدة وأمن واستقرار البلاد.
* المصدر : العربي الجديد