ترجمة: عربي بوست
يُنظّم المرتزقة الروس المُدجّجون بالسلاح دوريات حراسة لحماية مصنع أسمدة حكومي بالقرب من مدينة حمص، والذي يعتبر منشأة رئيسية في صناعة الفوسفات المهمة في سوريا.
وقد ساهم قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلقاء ثقل روسيا العسكري خلف بشار الأسد في تحويل مسار الحرب السورية المستمرة منذ 8 سنوات لصالح النظام السوري. ويشير مصنع حمص إلى ما تلقته موسكو في مقابل هذا الدعم: موطئ قدم مربح في أحد الموارد السورية الاستراتيجية، كما تقول صحيفة The Financial Times البريطانية.
الفوسفات السورية في جيب بوتين
تشير التقديرات إلى أنَّ سوريا تملك واحداً من أكبر احتياطيات الفوسفات في العالم، وهو عنصر أساسي في مجال صناعة الأسمدة. ويبدو أنَّ شركة يديرها رجل الأعمال الروسي، غينادي تيمشينكو، صديق الرئيس بوتين وأحد أعضاء الزمرة النافذة في روسيا، بصدد تبوّء مركز مهيمن على نحوٍ متزايد في هذا المجال بسوريا.
وقد أفادت وسائل الإعلام السورية المملوكة للنظام في شهر مارس/آذار 2018 أنَّ مجلس الشعب السوري أقرَّ عقد مع شركة روسية مملوكة لتيمشينكو وتُدعى «Stroytransgaz Logistic»، لتشغيل منجم فوسفات بالقرب من مدينة تدمر السورية.
ووفقاً لهذه التقارير الصحفية، تعقد تلك الشركة الروسية أيضاً شراكة مع الشركة العامة للأسمدة المملوكة للدولة في مصنع الأسمدة بالقرب من حمص، وقد حصلت الشركة الروسية هذا العام على عقد يخوّل لها إدارة ميناء طرطوس السوري، الذي تُشحن منه صخور الفوسفات الخام والأسمدة إلى الخارج. ووُعدت إيران، التي قدَّمت أيضاً دعماً عسكرياً إلى نظام الأسد، بموطئ قدم في صناعات رئيسية، من بينها حق تشغيل منجم فوسفات آخر.
روسيا تبيع الفوسفات السوري كعلامة تجارية لبنانية
لا تعد تجارة الفوسفات في سوريا غير قانونية، لكنها مشبوهة. أحد أسباب ذلك، كما يقول رجال الأعمال لصحيفة The Financial Times، أنَّ بعض الأرباح من بيع هذا المورد الحيوي ينتهي بها المطاف في أيدي نظام الأسد، المنبوذ دولياً بسبب ممارساته الوحشية أثناء الحرب السورية، وذلك وفقاً لشروط العقد التي أوردتها وسائل الإعلام السورية المملوكة للدولة.
لا يخضع قطاع صناعة الفوسفات للعقوبات المفروضة من جانب أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة، والتي أضرت بالقطاعات الصناعية الأخرى في البلاد، لاسيما قطاع النفط. لكن الخوف من التعامل مع جهات مفروض عليها عقوبات يؤكد حذر الشركات الأجنبية بوجهٍ عام إزاء الصادرات السورية.
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات أيضاً على تيمشينكو وشركته بسبب تقديم «المساعدة المادية» لمسؤولي الحكومة الروسية عقب غزو موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014. وأثيرت تساؤلات في البرلمان الأوروبي عندما أفادت تقارير العام الماضي عن وصول فوسفات سوريا، الذي بيع بموجب صفقة أبرمتها شركة Stroytransgaz، إلى اليونان.
يقول مسؤولون تنفيذيون في شركات فوسفات أخرى إنَّ الشركات التابعة للشركة الروسية تبيع الفوسفات السوري الخام كعلامة تجارية لبنانية للتحايل على الإحجام الدولي عن التعامل مع سوريا، وذلك على الرغم من عدم وجود مناجم للفوسفات في لبنان. لا يتَّضح المدى الحقيقي لتغيير اسم بلد المنشأ، لكن بيانات صادرة عن الاتحاد الأوروبي تظهر وصول شحنات فوسفات بقيمة 2 مليون يورو (2.1 دولار أمريكي) إلى هولندا من لبنان في عام 2018.
وقال أحد المسؤولين عن إصدار تصاريح البضائع على الحدود السورية إنَّ ثمة تدفقاً منتظماً لشاحنات مُحمَّلة بالفوسفات تدخل إلى لبنان.
وتُظهر وثائق إدارة الجمارك اللبنانية والسورية، التي أطّلعت عليها صحيفة «the Financial Times» البريطانية أنَّ شحنتين حمولتهما حوالي 6000 طن من الأسمدة الفوسفاتية جرى نقلهما من ميناء طرابلس اللبناني في شهري مايو/أيَّار ويونيو/حزيران. ووفقاً لبيانات موقع MarineTraffic»» المعني بتتبع حركة السفن والملاحة حول العالم، رست السفينة الأولى، التي تحمل اسم «رؤوف إتش»، في وقتٍ لاحق في ميناء ني كارفالي اليوناني.
وتُظهر وثائق الشحن الخاصة بالسفينة الثانية، «تيناسيتي»، أنَّها فرَّغت حمولتها أيضاً في ميناء ني كارفالي. إذ يوجد العديد من مصانع الأسمدة في البلديات المحيطة بمدينة كافالا اليونانية.
ولم تستجب شركة Cedar Marine Services»»، وهي الشركة اللبنانية المسؤولة عن إدارة السفينة «رؤوف إتش»، لطلب الصحيفة البريطانية من أجل التعليق. وتعذَّر الوصول إلى الشركة المسؤولة عن السفينة «تيناسيتي» من أجل التعليق. ومن جانبها، أبلغت مصلحة الإحصاء الوطني اليونانية صحيفة Financial Times أنَّها ستبحث عن البيانات المُتعلّقة بواردات الفوسفات والأسمدة، ثم توقفت عن الرد على رسائل الصحيفة.
عشرات العقود حازت عليها روسيا في سوريا
على الرغم من العقبات، زادت صادرات سوريا من الفوسفات هذا العام. ووفقاً لبيانات شركة «CRU» المعنية بدراسة حركة الأسواق والسلع التجارية، بلغ حجم صادرات سوريا من الفوسفات 460 ألف طن هذا العام ، مقارنةً بـ 328 ألف طن في عام 2018. وقد لا تشمل هذه البيانات إجمالي حجم الصادرات. إذ بلغ إجمالي صادرات الفوسفات 3.1 مليون طن في عام 2010، لكن هذا الرقم انخفض تدريجياً ليصل إلى صفر في عام 2016 مع احتدام الحرب السورية.
وقال أشخاص على دراية بهذا القطاع إنَّ الصادرات الحالية تأتي من المخزون السوري من الفوسفات، ولم تبدأ بعد أية عمليات تنقيب واستخراج جديدة. يبدو أنَّ شركة «Stroytransgaz» الروسية حصلت على حقوق استخراج الفوسفات السوري، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت قد بدأت بالفعل في عمليات التنقيب.
فازت الشركة الروسية بعشرات العقود لمشاريع بنى تحتية في مجالي الطاقة واللوجستيات في روسيا ودول أخرى تربطها علاقات قوية مع موسكو. غينادي تيمشينكو هو صديق قديم وزميل تدريب لبوتين في لعبة الجودو. وعمل الثنائي معاً خلال عمل بوتين في بلدية مدينة سانت بطرسبرغ في تسعينيات القرن الماضي.
روسيا تدير ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً
يشير محلّلون ومسؤولون تنفيذوين في مجال صناعة الأسمدة إلى أنّ علاقات تيمشينكو بالكرملين وحقيقة أنَّ اسمه موجود بالفعل على قائمة العقوبات الأمريكية تجعله رجل صناعة استثنائياً لديه القدرة والاستعداد لإدارة على المشاركة الروسية في صناعة الفوسفات السورية. وقال أحدهم: «إنه عمل بسيط بالنسبة له بفضل التكلفة المنخفضة والسوق المتوفر».
وأكَّدت شركة «Stroytransgaz» لصحيفة Financial Times أنَّه «ليس لديها شيء للتعليق عليه وأنَّ شركاتها الفرعية ليس لديها أي عقود في سوريا»، وذلك على الرغم من أنَّ وسائل الإعلام التابعة للدولة السورية قد أفادت في أبريل/نيسان أنَّ فرع الهندسة والبناء التابع للشركة الروسية وقَّع عقد استثماري لإدارة ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً.
ومع ذلك، أكَّد أحد ممثّلي الشركة في مكتبها بدمشق في شهر يوليو/تموز أنَّهم عملوا لدى شركة «Stroytransgaz» الروسية لكنه لم يستجب لطلبات إدلاء مزيد من التعليقات. ولم تعلّق الشركة على سبب وجود أحد موظفيها في دمشق إذا لم يكن لديها عقود في سوريا. ورفضت أيضاً التعليق على سبب تحدث مسؤولي الدولة السورية عن إبرام عقود مع الشركة. وقد أزيلت بيانات كافة بيانات الاتصال الخاصة بالشركة من على موقعها الإلكتروني منذ تواصل Financial Times مع مكتب دمشق.
بدأت صفقة الشراكة بين الشركة الروسية والشركة العامة للأسمدة السورية في مصنع حمص في شهر أبريل/نيسان، على الرغم من أنَّها كانت بداية صعبة. إذ تظاهر العمال بسبب تدني الأجور، وحدثت مشادة بين المديرين المشاركين في الإدارة نتج عنها انسحاب أحد المديرين السوريين من المصنع. قال أحد موظفي الشركة العامة للأسمدة: «نحن نتجادل دائماً حول من يملك القرار النهائي -الروس أم السوريون».