نشر موقع "لوبلوغ" مقالا للمحللة هنا بورتر، تقول فيه إن المراقبين المستقلين جادلوا منذ وقت طويل بأنه لا يوجد حل عسكري للحرب الدائرة في اليمن، وأن المصالحة السياسية هي وحدها الكفيلة بإنهاء حرب استمرت أربع سنوات ونصف.
وتشير بورتر في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في الأسابيع الأخيرة طفت إلى السطح تصدعات عميقة في التحالف الذي يحارب الحوثيين، ما يجعل احتمال الانتصار ضعيفا، كما أصبح واضحا أن التوصل إلى حل سياسي مقبول للصراع قد يكون بعيد المنال، وأن الحوثيين في وضع يمكنهم من البقاء قوة مهمة في شمال اليمن في المستقبل المنظور، وهذا لا يعني بأن المجموعة التي أصبحنا نعرفها خلال الحرب ستستمر في العمل بالطريقة ذاتها أو التحالفات ذاتها في يمن ما بعد الحرب".
وتقول الكاتبة إنه "حتى وقت قريب، تم تصوير الحوثيين على أنهم مجموعة ثوار غير منظمة، وخبرتهم الوحيدة هي في حرب العصابات، لكن مع مرور كل عام من الصراع أثبت الحوثيون أنهم حاذقون سياسيا يقومون باتخاذ قرارات محسوبة حول الرسائل الموجهة للعامة وفي العلاقات الدبلوماسية، وقد أقام الحوثيون في صنعاء حكومة ظل تشبه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ويسعون بجد لعكس مظهر الشرعية بالاهتمام بالصورة العامة والاجتماع بالدبلوماسيين في أنحاء العالم".
وتفيد بورتر بأن "تاريخ الحركة ودعايتها يشيران إلى أن الحوثيين مجموعة قادرة على التأقلم، وتسعى إلى الشراكة مع خصومها، أحيانا من خلال إلقاء اللوم في أفعال معارضيهم على التدخل الغربي".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الحوثيين قاموا بتطبيق هذه الاستراتيجية خلال حروبهم الست مع حكومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بين عامي 2004 و 2010، حيث يقال إن زعيمهم السابق، حسين الحوثي، كان قد أمر أتباعه بعدم اتهام الحكومة اليمنية بارتكاب أخطاء، وتوجيه اللوم بدلا من ذلك للولايات المتحدة وإسرائيل، وهما البلدان اللذان قال إنهما يتلاعبان في القيادة اليمنية، وقد عبر حسين الحوثي عن هذا الشعور في 2004 في رسالة خطية أرسلها إلى صالح، وتم نشرها في (Yemen Times)، حيث قدم نفسه على أنه شريك للرئيس، وقال: (لا أعمل ضدك وأقدرك كثيرا، لكن ما أفعله هو واجبي الوطني والديني ضد أعداء الإسلام والوطن.. أمريكا وإسرائيل)".
وتجد بورتر أن "هذه المقاربة سهلت التحالف غير المريح بين الحوثيين وعدوهم السابق صالح بعد الإطاحة به في 2012، حيث كان بإمكانهم الادعاء بأن الرئيس السابق لم يعد رهينة في يد الغرب، وهذه الشراكة كانت مهمة جدا للحوثيين عسكريا وسياسيا، حتى بعد أن وصل التحالف إلى نهايته، وانتهى بقيام الحوثيين باغتيال صالح في كانون الأول/ ديسمبر 2017".
وتنوه الكاتبة إلى أن "الحوثيين وظفوا هذا الخطاب ليعطيهم مرونة دبلوماسية، ويترك الأبواب مفتوحة للتحالفات مع الفاعلين الإقليميين، وهناك مؤشرات الآن بأن الحوثيين يتعاونون مع أعضاء التحالف ذاته الذي قضى سنوات وهو يحاول هزيمتهم".
وتبين بورتر أن "الحوثيين يقومون عمليا بتبرئة خصومهم الإقليميين من دورهم في الصراع، من خلال التركيز بشكل متكرر على أن الغرب هو من يقف خلف تدمير اليمن، ففي آخر خطاب له ليشجب الغارة الجوية التي قام بها التحالف في 1 أيلول/ سبتمبر على سجن في ذمار، ألقى الزعيم عبد الملك الحوثي اللوم في التصعيد في الشهر الأخير على (أجندات أجنبية)، موضحا أن أمريكا تؤدي (الدور الرئيسي) في هذه الأحداث، وتجنب الإعلام الحوثي طيلة فترة الصراع وصف التحالف الذي تقوده السعودية بأنه سعودي بحت، لكن بكونه أمريكيا وصهيونيا وبريطانيا أيضا".
وتقول الكاتبة: "كما فعلوا مع الرئيس علي عبد الله صالح، يصر الحوثيون على أن السعودية والإمارات تتصرفان فقط بناء على أوامر من أمريكا، ملمحين إلى أن جيرانهم العرب ليسوا خبثاء لكن يتم استغلالهم، وبعد قرار الإمارات الأخير بسحب معظم قواتها من اليمن، قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام بأن الحوثيين توقفوا عن شن غارات جوية على الإمارات، وأضاف أنهم (يشجعون ويثمنون) الرسالة الإماراتية، التي دعت إلى تسوية سياسية للصراع".
وتذكر بورتر أن الحوثيين قالوا صراحة بأنهم مستعدون لفتح حوار مع كل من الإمارات والسعودية، مشيرة إلى أن نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، تحدث في تموز/ يوليو عن قنوات دبلوماسية موجودة فعلا بين الحوثيين والإمارات.
وتقول الكاتبة: "الآن قد تتوفر الفرصة للحوثيين للقيام بمحادثات مباشرة مع الطرف الذي يدعون أنه المبغض الأكبر لهم، فبحسب ما نقلته (وول ستريت جورنال) الأسبوع الماضي عن مصادر مجهولة، فإن إدارة ترامب تسعى لفتح مفاوضات مع الحوثيين لإنهاء الحرب، وكما أشار عدد من السفراء الأمريكيين السابقين لليمن، فإن هذه ستكون المرة الأولى التي يتم فيها فتح مثل هذا الحوار".
وتؤكد بورتر أنه "تم الاتصال بعدد من المسؤولين الحوثيين، بما في ذلك وزارة الشؤون الخارجية التابعة لهم، للتعليق على هذا الخبر، لكنهم رفضوا، مشيرين إلى حساسية هذا الموضوع؛ وذلك لاحتمال حوار مع الدبلوماسيين الأمريكيين".
وتفيد الكاتبة بأنه "قليلا ما يتطرق المحللون إلى إمكانية التواصل أو التعاون بين الحوثيين وأعضاء التحالف؛ وذلك لأن المحللين يركزون على دعم المجموعة الحالي من إيران، الذي عادة ما يتم تأكيده، والمبالغة فيه".
وتستدرك بورتر بأنه "ليس من المحتمل أن يبقى الحوثيون مرتبطين بشكل وثيق مع الجمهورية الإسلامية بعد أن ينتهي الصراع الحالي، فالحوثيون بالتأكيد يفهمون أن السعودية والإمارات، وليس إيران، هما من ستمولان إعادة بناء اليمن ما بعد الحرب، وأن البلدين سيكون لهما نفوذ سياسي أكبر من إمكانيات إيران".
وتشير الكاتبة إلى أن "إيران لا تميل للحفاظ على المستوى ذاته من الدعم للحوثيين بعد انتهاء الحرب، فاستثمار طهران في صنعاء ليس كاستثمارها في بيروت ودمشق، حيث لإيران مصالح طويلة الأمد وحساسة، ومن المقبول على نطاق واسع بأن اليمن ببساطة ليس على رأس أولويات إيران، وأن الدعم البسيط الذي تقدمه إيران للحوثيين مفيد فقط ما دامت هذه المجموعة شوكة في خاصرة السعودية، ومن الصعب رؤية ما هو المحفز بالنسبة لإيران المتعثرة ماليا بأن تستمر في استثمارها في اليمن إن انتهى الصراع المسلح بين الحوثيين وبين المملكة، ناهيك عن زيادته".
وتقول بورتر: "قد يحتج البعض بأن اشتراك الحوثيين وإيران في المذهب الشيعي يضمن تحالفا دائما بين الطرفين، وهذه النظرة تتغاضى ليس فقط عن الاختلاف بين الزيدية الحوثية والإثنا عشرية الإيرانية، بل إنها أيضا تهمل أن العقيدة السياسية الثورية وليست الدينية هي التي وثقت العلاقة بين الطرفين إلى الآن، فتوقف عسكرة الصراع لن يخلق مساحة للمزيد من النفوذ الإيراني، إنما سيفعل العكس تماما".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "قد يكون أمرا بغيضا أن نعترف باحتمال أن يخرج الحوثيون من هذا الصراع بكونهم أقوى طرف سياسي فاعل في شمال اليمن، فقد ارتكبوا الكثير من الجرائم الفظيعة وانتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن خطابهم يقوم على نظرية المؤامرة ومعاد للسامية، والحوثيون مجموعة فاسدة ومسلحة، لكنهم يتوقون إلى الاعتراف السياسي بهم من جيرانهم والجهات الإقليمية الفاعلة، وهم مستعدون للتضحية لتحقيق هذا الأمر، وإنهاء هذا الصراع العسكري الدولي قد يساعدهم على تبني مقاربات أخرى وإقامة تحالفات جديدة، والتعاون مع خصومهم السابقين، وقد يكون هذا هو الأمل الأفضل لتغيير تصرفاتهم بعد أن فشلت الحرب والدبلوماسية إلى الآن في تحقيق ذلك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)