ترجمة: عربي بوست
يبدو أن الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن أكثر عمقاً وأخطر مما هو معلن، وربما يكون البيان السعودي شديد اللهجة مقدمة لمواجهة مسلحة من خلال وكلاء كل منهما على الأرض في جنوب اليمن، فهل هذه مقدمات على نشوب حرب جديدة في جنوب اليمن؟
كواليس البيان السعودي
دعت السعودية الانفصاليين الجنوبيين باليمن أمس الخميس 5 سبتمبر/أيلول إلى التخلي عن السيطرة على مدينة عدن وعبرت عن دعمها للحكومة، وفي بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، رفضت المملكة أي ”واقع جديد“ يفرض بالقوة في الجنوب، وقالت إن أي محاولة لزعزعة استقرار اليمن تمثل تهديداً لأمن المملكة ”ستتعامل معه بكل حزم“.
البيان صدر في وقت تستضيف فيه الرياض محادثات بين الجانبين المتقاتلين في جنوب اليمن وهما حكومة الرئيس عبدربه هادي منصور التي شكلت السعودية ما يعرف باسم تحالف دعم الشرعية لإعادته للحكم بعد انقلاب الحوثيين عليه واستيلائهم على الحكم قبل أكثر من أربع سنوات، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه الإمارات والذي انقلب أيضاً على هادي الشهر الماضي واستولت قواته على عدن عاصمة الجنوب والتي كانت حكومة هادي تتخذها عاصمة مؤقتة.
وكالة الأسوشيتد برس الإخبارية الأمريكية نشرت اليوم الجمعة تقريراً بعنوان «التشققات داخل التحالف السعودي الإماراتي تهدد بحرب جديدة في اليمن»، ألقت فيه الضوء على كواليس ما يجري بين عضوي التحالف.
شرط هادي أغضب الإماراتيين
بعد أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، بدأت السعودية والإمارات المباحثات، وأصدرت كلتا الحكومتين بيانين لدعم الوحدة و»الشرعية»، في إشارة إلى وجود أرضية مشتركة بينهما على الأقل.
وركزت المباحثات على تشكيل مجلس وزراء جديد يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي وأحزاباً أخرى وتراجع القوات، ولكن الإشكالية القائمة هي إن كانت الميليشيات سوف تنضم إلى قوات هادي أم تظل مستقلة.
وشهدت الساعات الماضية اجتماعاً بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية والإمارات، والذي أعلنت فيه أبو ظبي رفضها القاطع لعدد من الشروط، وكشف مسؤولون يمنيون عن انعقاد اجتماع سعودي إماراتي بشأن الأحداث في عدن، وتحدثوا عن سر الشرط الذي وضعه هادي وأثار حفيظة ورفض المسؤولين الإماراتيين.
اشترط هادي ضرورة تقديم المجلس الانتقالي الجنوبي وكافة القوات التابعة له في المناطق الجنوبية، الولاء للحكومة الشرعية، وهو ما رفضه المجلس الانتقالي الجنوبي والإمارات.
الخلاف ليس وليد أحداث عدن
تقرير الأسوشيتد برس كشف عن مدى عمق الخلاف بين أبوظبي والرياض وكيف أنه ليس وليد الأحداث الأخيرة في عدن، حيث يبدو أن هناك عاملاً في الخلافات السعودية الإماراتية جاء خلف الكواليس في العام الماضي.
وقال اثنان من كبار المسؤولين اليمنيين للوكالة الأمريكية إن السعودية أجبرت حكومة هادي على قبول الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي أوقفت هجوم الميليشيات المدعومة من الإمارات لاستعادة ميناء الحديدة، وهو أهم ميناء في اليمن، من الحوثيين.
وقال المسؤولان إن السعودية تخشى أن ينضم الميناء المهم على البحر الأحمر إلى منطقة النفوذ الإماراتي المتزايدة إلى جانب الموانئ الجنوبية الرئيسية الأخرى التي تسيطر عليها، ومثل جميع المسؤولين، رفضا الكشف عن هويتهما بسبب العلاقات الحساسة بين الحكومة اليمنية، والإمارات والسعودية.
الإمارات خدعت الجميع
التقرير رصد عودة الأزمة للظهور مجدداً في الصيف، عندما بدأت الإمارات سحب قواتها من اليمن. وقال المسؤولان إنه يبدو جليّاً عدم إبلاغ السعودية بالأمر مسبقاً، ولم تكتشف حكومة هادي ذلك إلا عند اجتماع رئيس الوزراء في شهر يونيو/حزيران مع الشيخ محمد بن زايد، الشخصية الأقوى في الإمارات.
وقال الشيخ محمد إن سمعة الإمارات تضررت بسبب حرب اليمن وألقى اللوم على حزب الإصلاح. ولاحقاً، أعلنت الإمارات أن سحب قواتها يهدف إلى تعزيز مباحثات السلام مع الحوثيين.
وحذرت الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس هادي في تقرير داخلي، حصلت عليه الوكالة، من تخطيط المجلس الانتقالي الجنوبي للانقلاب في الجنوب، وذكرت إنها تتابع تلك المخططات منذ شهر أبريل/نيسان، وذكر التقرير أن قادة الميليشيات التقوا بمسؤولين إماراتيين لوضع الخطط.
وفي شهر يونيو/حزيران، وفقاً للمسؤولين، وصلت شحنات إماراتية جديدة من العربات المدرعة والأسلحة والذخيرة إلى الميليشيات في عدن. وأكّد المسؤولون الإماراتيون لحكومة هادي إن هذه الأسلحة مخصصة للصفوف الأمامية في قتال الحوثيين، وقال أحد المسؤولين: «لقد خُدعنا جميعاً».
التحضير لحرب جديدة
هاجمت الميليشيات المدعومة إماراتياً قوات هادي في عدن 7 أغسطس/آب، وطاردتهم لأيام في حرب شوارع، واستولى رجال الميليشيات على قواعد تابعة لهادي في أنحاء المدينة، ونهبوا القصر الرئاسي وسرعان ما انتقلت مطاردتهم للقوات الحكومية إلى مدن الجنوب الأخرى.
غير أنهم تمادوا كثيراً عندما حاولوا الاستيلاء على مدينة عتق، مركز محافظة شبوة. تعد مدينة عتق مدينة استراتيجية تمنحهم القدرة على الوصول لحقول النفط في الجنوب والصحراء القريبة من الحدود السعودية في الشمال.
وقال زعماء القبائل المحلية واثنان من كبار السياسيين إن السعودية سارعت بإمداد قوات هادي بالأسلحة والعربات المدرعة ومنعت الإماراتيين من ضربهم جوّاً.
تراجعت الميليشيات. وبدأت قوات هادي هجوماً مضاداً بتقدمها إلى بوابات عدن، برغم التحذيرات السعودية الخاصة بعدم التصعيد عن طريق دخول المدينة أو الوصول إلى مطارها، وهناك، شنت الإمارات هجوماً جويّاً عليهم، في 29 أغسطس/آب، أسفر عن مقتل 30 مقاتلاً على الأقل بخلاف الخسائر في المركبات.
وقالت الإمارات إنها قصفت «الإرهابيين» الذي هاجموا قوات التحالف، مما أغضب هادي والمسؤولين في حكومته، وقال نائب وزير الخارجية محمد الحضرمي: «فهل يعني هذا أن هادي إرهابي؟ هل يعني هذا أن جيش هادي إرهابي؟».
وقالت حكومة هادي إنها لن تتحدث إلى المجلس الانتقالي الجنوبي حتى ينسحب من عدن، وعارض مسؤولو المجلس الانتقالي الجنوبي انضمامهم إلى الحكومة مع حزب الإصلاح. ونظّم المجلس الانتقالي الجنوبي، يوم الخميس 5 سبتمبر/أيلول، تجمّعاً جماهيرياً حاشداً، الأحدث في سلسلة من التجمعات الجماهيرية، في شوارع عدن لإظهار الدعم الشعبي الذي يحظى به المجلس، وظهر بعض المتظاهرين يحملون الأعلام الإماراتية.
وعلى حد قول العديد من المسؤولين اليمنيين، يستعد كلا الجانبين لتجدد الاشتباكات، إذ أرسلت الإمارات دبابات وصواريخ وذخيرة للميليشيات التابعة لها في عدن، بينما أعادت السعودية إمداد قوات هادي بالأسلحة.
وقد تؤدي هذه الدوامة الجديدة من العنف إلى تقسيم الجنوب إلى مقاطعات، تهيمن فيها القوات الموالية للإمارات على عدن والمحافظات المجاورة، بينما يسيطر معسكر هادي على البقية.
إذ قال عديد من السياسيين اليمنيين الذين تحدثوا إلى الوكالة إن القيادة السعودية تبدو منقسمة، ومتفاجئة من التحركات الإماراتية، ولكنها مترددة في الانفصال عن حليفتها من أجل معركة صريحة في الجنوب.
فيما وصف الكاتب السعودي سليمان العقيلي الغارات الجوية الإماراتية بـ»جرح عميق»، محذراً على قناة اليمن اليوم: «لن ننسى هذا الشأن بسهولة».