الثأر

"غسل العار"... عندما يحظى القتل بمباركة عربية

العادات والأعراف ومجرد الشك في سلوك النساء، يصل في كثير من المجتمعات العربية إلى حد التباهي بالقتل، تحت ما يسمى بـ"الثأر لشرف العائلة" أو "غسل العار"، ورغم أن الجريمة التي يرتكبها الجاني هي "القتل"، إلا أن مرتكبها يلقى ما يجعله يشعر بأنه "منتصرا".

لعل القضية الأحدث، هي جريمة قتل الفلسطينية، إسراء الغريب، خاصة بعدما أعلنت النيابة العامة الفلسطينية، توقيف 3 أشخاص على خلفية وفاة إسراء، التي تحولت قضيتها إلى رأي عام فلسطيني ودولي، وسط مطالبات بمواجهة مثل هذه الجرائم بالطرق القانونية.

وبحسب بيان النيابة فلا تزال "التحقيقات مستمرة من قبل فريق التحقيق المشكل، من نيابة بيت لحم ونيابة حماية الأسرة من العنف ونيابة الجرائم الإلكترونية".

ورغم التضارب الكبير في أسباب الوفاة إلا أن النيابة الفلسطينية قالت: "إن تقرير الطب الشرعي النهائي لم يصدر بعد، ويتم العمل على إعداده من قبل المختصين".

 

قضية إسراء فتحت الباب لتساؤلات عدة خاصة، بشأن انتصار العادات والتقاليد على القوانين في العديد من الدول العربية، خاصة أن الجاني عادة ما يكون من أفراد عائلة الضحية "المرأة"، بل يتم مباركته على قتله لها.

جرائم الشرف

وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام 2018، قتل أكثر من نصف ضحايا الجرائم على أيدي شركاء أو أقارب من الدرجة الأولى، فيما فشلت الجهود المبذولة لوقف قتل النساء بمبرر صون الشرف.

التقرير أشار إلى أنه من بين نحو 87 ألف امرأة وقعن ضحايا للقتل العمد 2018 في العالم، قتل منهن حوالي 34% على يد شريك مقرب، زوج أو حبيب، وكانت النسبة الأعلى في أفريقيا تليها الأمريكيتين وأوروبا.

وبحسب تقارير عدة للأمم المتحدة، أبرز الدول التي تقع فيها جرائم الشرف هي: مصر، والهند، وإسرائيل، وإيطاليا، والأردن، وباكستان، والمغرب، والسويد، وتركيا، وأوغندا، والعراق، وإيران، وأفغانستان.

تطبيق العادات

وتقول المحامية المصرية دينا المقدم، إن أسباب عدم تطبيق القانون في حالات القتل من هذا النوع، تعود للتغاضي والموافقة الضمنية على الحدث نفسه من قبل أفراد العائلة والمجتمع.

وأضافت المقدم في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك": "الشائع هو تطبيق العادات وليس القانون".

وفيما يتعلق بالناحية القانونية، أوضحت المحامية المصرية "لا وجود لمسمى جريمة شرف في القانون، وأنه لا يمكن الأخذ بأي مبررات لارتكاب جريمة القتل، وأنه يقع تحت طائلة القانون الجنائي فيما يتعلق بنصوص جرائم القتل، وأن العقوبة في مثل هذه الحالات تكون الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام".

وتابعت:

"نحن على يقين لو أن العقوبة طبقت على الأخ أو الأب في أي من الحالات، التي تتكرر ستكون رادعة وتساهم في انخفاض هذه الجرائم بشكل كبير".

وأشارت المحامية المصرية إلى أن المجتمعات الذكورية تعتبر قتل الإناث باسم "الشرف"، من الأعمال البطولية وتعتبرها أوسمة شرف أيضا.

قوانين العقوبات

وتنص المادة 237 من قانون العقوبات المصري على: "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس، بدلا من العقوبات المقررة في المادتين 234 و236"، قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وتعد هذه المادة هي الوحيدة التي تنص على عقوبة مخففة في جريمة القتل".

وفي اليمن، تقول المادة 232 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني: "إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا.. فلا قصاص في ذلك، وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة".

من ناحيتها، قالت حليمة بناوي، عضوة فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، إنه لم تسجل أية حالات في المغرب من "جرائم الشرف" خلال عام 2019، سواء أفصح عنها أو لم يفصح.

وأضافت في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك"، أن "مواجهة هذه الظاهرة يجب أن تكون من خلال تطبيق القوانين والعمل على تفعيل المساواة في الحقوق".

وأشارت إلى ضرورة العمل على التوعية الثقافية والقانونية، وتغيير المفاهيم المجتمعية الخاصة بهذا الفكر.

في بعض الدول، لا توجد أعذار للرجل دون النساء في حال ارتكاب مثل هذه الجرائم.

في المغرب، نصت التعديلات التي أجريت على القانون الجنائي سنة 2003، على نفس أعذار التخفيف للمرأة والرجل في حالة جرائم الشرف.

في الإمارات، أيضا يمنح القانون "المادة 334 من قانون العقوبات" الزوجة عذر التخفيف مساواة بالرجل، "إذا ما فاجأت زوجها حال تلبسه بجريمة الزنا في مسكن الزوجية فقتلته في الحال".

 

الأمر ذاته، ينطبق على البحرين والجزائر، حيث تكفل الدولتان مساواة الرجل والمرأة في أعذار التخفيف.

 

وفي العام 2017 صوت النواب الأردنيون، على تعديلات على المادة 98 من القانون الجنائي. وكانت تنص على أنه "يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بغضب شديد".

مجتمعات عشائرية

ولاحظ تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن جرائم "غسل العار" تنتشر في المجتمعات التي توصف بالعشائرية، أو الموغلة في التقاليد والأعراف، التي لم تدخلها المدنية أو الحضر بصورة أكبر.

ووجدت الدراسة أن بعض المناطق أو البيئات تتمتع دوما بتاريخ في هذا المسلك من جرائم "الشرف"، حتى أن بعضهم يطلق عليه "عرف اجتماعي"، يتم تدعيمه طوال التاريخ بجرائم مماثلة والتي يدعمها في بعض الأحيان رجال الدين في تلك المناطق، ويتم إيجاد مبررات اجتماعية لها.

لذلك وصف التقرير أن الأزمة ليست في جريمة القتل نفسها، بل في سلسلة حلقات الجرائم الأكبر المرتكبة في هذا السياق، بدءا من تبرير تلك الجريمة، حتى داعمي أو الصامتين على مرتكبيها.

وأشارت إلى أن أحد أهم أسباب انتشار تلك الجرائم في تلك المجتمعات، البنية العشائرية المرتكزة على فكرة الذكورية، والتراث العشائري في تلك المناطق المتحيز ضد النساء، وسياسات القهر الاجتماعي التي يتم مباركتها في المجتمع ضد المرأة، والأهم هو انتشار التخلف وغياب الوعي الثقافي والتعليمي.