روبرت موغابي

"الرب وحده يستطيع إزاحتي من العرش".. "موغابي" المثير للجدل يغادر الحياة

كان موغابي رمزا للتحرير، ومعنيا بأفريقيا، وكرس حياته لتحرير وتمكين شعبه.. فلترقد روحه في سلام أبدي". بهذه العبارات أعلن الرئيس الحالي لزيمبابوي إيميرسون منانغاغوا وفاة رئيس البلاد السابق روبرت موغابي، الذي تربع على العرش أكثر من 37 عاما؛ ليسطر بذلك واحدة من أطول فترات الحكم بالقارة السمراء والعالم.

موغابي -الذي حكم زيمبابوي بقبضة من حديد- توفي اليوم في أحد مستشفيات سنغافورة، حيث كان يعالج من مرض لم يتم الكشف عنه منذ أبريل/نيسان الماضي.

وكان الرئيس الزيمبابوي السابق يتوجه إلى سنغافورة بشكل معتاد لتلقي العلاج خلال فترة حكمه، وأيضا منذ الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 2017، حيث حل محله نائبه السابق منانغاغوا.


موغابي عرف بقبضته الحديدية ونهجه الدموي ضد معارضيه (رويترز)
موغابي عرف بقبضته الحديدية ونهجه الدموي ضد معارضيه (رويترز)


الزعيم "المقاتل"
بعد إعلان نبأ وفاته، انهالت التعازي من الزعماء الأفارقة، فبعثت حكومة جنوب أفريقيا تعازيها في وفاة "مقاتل لا يعرف الخوف من أجل التحرير في عموم أفريقيا". ونعى الرئيس الكيني أوهورو كينياتا "رجلا شجاعا لم يخش قط من القتال من أجل ما كان يؤمن به، حتى لو لم يحظ هذا الأمر بشعبية".

كما قدم خصومه داخل زيمبابوي تعازيهم، وقال ديفيد كولتارت -وهو عضو معارض في البرلمان ومحام حقوقي- "لقد كان أحد عمالقة المشهد في زيمبابوي، وسيكون إرثه الإيجابي الدائم هو دوره في إنهاء حكم الأقلية البيضاء وتوسيع نطاق التعليم الجيد، ليشمل جميع الزيمبابويين".

كما علق الوزير السابق في حكومته جوناثان مويو على نبأ الوفاة قائلا "غيمة سوداء خيمت على زيمبابوي وأَبعد من زيمبابوي"، كما غرد المتحدث باسم الرئيس سابقا جالوسي ماواريري قائلا "يوم أسود".

تحول موغابي منذ توليه الحكم بعد استقلال زيمبابوي عام 1980، من بطل للاستقلال مقرب من الغرب إلى متسلط مارس قمعا دمويا ضد المعارضة السياسية، وتسبب في انهيار مضطرد لاقتصاد بلاده.

تولى الزعيم الأفريقي -الذي قال يوما "الرب وحده يستطيع إزاحتي من الحكم"- رئاسة الحكومة عام 1980، بعد نضال طويل ضد النظام الأبيض برئاسة يان سميث، ثم أصبح في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول 1987 رئيسا للبلاد.

انتهج في بداية حكمه سياسة المصالحة حفاظا على وحدة البلاد؛ مما جلب له ثناء الجميع، لا سيما العواصم الغربية، لكن ما لبث التأييد الغربي أن تبدد وانقلب إلى تنديد نتيجة قمعه الدموي للمعارضة، وما شهده حكمه من أعمال عنف وعمليات تزوير انتخابي وسياسة الإصلاح الزراعي المثيرة للجدل التي باشرها عام 2000.

فقد طُرد آلاف المزارعين البيض من أراضيهم لمصلحة مزارعين سود بأمر منه، وبرّر هذا الإصلاح بالرغبة في تصحيح مظاهر اللامساواة الموروثة من الاستعمار البريطاني.

لكن هذه العملية تمت لمصلحة المقربين من النظام ومزارعين بلا معدات أو تدريب، مما تسبب في انهيار الإنتاج الزراعي في بلد كان يعد مخزن حبوب أفريقيا الجنوبية، مثيرا أزمة كارثية لم ينهض منها اقتصاد زيمبابوي حتى اليوم.


غريس زوجة موغابي الثانية كشفت في السنوات الأخيرة عن طموحاتها لخلافة زوجها في رئاسة البلاد (رويترز)
غريس زوجة موغابي الثانية كشفت في السنوات الأخيرة عن طموحاتها لخلافة زوجها في رئاسة البلاد (رويترز)

السيدة الأولى
بعد وفاته زوجته الأولى سالي عام 1992 بمرض السرطان، تورطت زوجته الثانية غريس –التي كان يكبرها بأربعين سنة- في عدة فضائح خارج البلاد، وتحديدا في سنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ، وآخرها في جنوب أفريقيا، عندما اعتدت في أغسطس/آب 2017 بالضرب على عارضة أزياء شابة.

كما ظلت غريس -بعيدا عن دورها كسيدة زيمبابوي الأولى، تدير عدة شركات تعدين فاشلة، وتمتلك مزارع ألبان أقامتها في خمس أراض زراعية كانت مملوكة في السابق لمزارعين بيض.

وفي عام 2014، بدأت تكشف عن طموحها لخلافة زوجها في رئاسة الدولة، فأصبحت رئيسة للمكتب السياسي للحزب الوطني الأفريقي الحاكم، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة زيمبابوي، رغم أنها سجلت اسمها لنيل الدرجة قبل فترة وجيزة.

وتحولت زيمبابوي خلال حكم موغابي إلى دولة منبوذة، ابتعد عنها العديد من المستثمرين الدوليين والدائنين.

وبعد انتخابه رئيسا للجمهورية عام 1987، أعيد انتخابه عام 1990، ثم أعيد انتخابه عام 1996 وعام 2002 وفي عام 2008، وفي أغسطس/آب 2013 أعيد انتخابه لولاية سابعة.

اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مقاطعة مراسم تنصيبه عقب فوزه المثير للجدل في الانتخابات الرئاسية، كما حمّلته بريطانيا مسؤولية أعمال العنف التي يتعرض لها زعماء المعارضة في بلاده.

وفي الثالث من أغسطس/آب 2013 تم إعلان فوز موغابي بالانتخابات الرئاسية في بلاده رسميا بنسبة 61% من الأصوات، في حين ذهب 34% منها إلى منافسه مورغان تسفانغيراي.


إيميرسون منانغاغوا خلف موغابي في الحكم في 2017 بعد استقالة الأخير إثر انقلاب قاده الجيش (غيتي)
إيميرسون منانغاغوا خلف موغابي في الحكم في 2017 بعد استقالة الأخير إثر انقلاب قاده الجيش (غيتي)


اتهامات بالعنصرية
وقامت لندن إثر ذلك بإقرار عقوبات ضد زيمبابوي، في إطار مجموعة الكومنولث وبتأييد أميركي وأسترالي، غير أن الدول الأفريقية العضو في المجموعة رفضت القرار البريطاني، وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2003 علقت عضوية زيمبابوي في الكومنولث.

وفي عام 2003 أقر الكونغرس الأميركي عقوبات ضد حكومة موغابي، واتهمها بالعنصرية. ومنذ عام 2002 اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بمنع موغابي من أن يحل بأي دولة من دول الاتحاد.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أُرغم موغابي على الاستقالة إثر انقلاب قام به الجيش بدعم من حزبه "الاتحاد الوطني الأفريقي في زيمبابوي -الجبهة الوطنية" (زانو)، تاركا البلاد تتخبط في أزمة اقتصادية حادة لا تزال تتفاقم.

وقام خلال السنوات الأخيرة بزيارات كثيرة أحيطت بالتكتم إلى سنغافورة ودبي وأماكن أخرى من أجل الخضوع "لفحوصات طبية روتينية"، وصفت بأنها "زيارات خاصة"، بحسب البيانات الرسمية، قبل أن تعلن اليوم وفاته عن عمر ناهز 95 عاما.

المصدر : الجزيرة + وكالات