عندما سحق وزير النفط السعودي الأسبق علي النعيمي أسعار النفط في 2014 بزيادة الإنتاج رغم وفرة المعروض في الأسواق العالمية، وقف رجل واحد في المملكة معترضاً بحزم على هذه الاستراتيجية.
هذا الرجل هو الأمير عبدالعزيز بن سلمان، نجل الملك سلمان، وصاحب الخبرة الواسعة في دهاليز صناعة النفط، الذي وقع عليه الاختيار يوم الأحد ليكون وزير الطاقة السعودي الجديد.
والأمير عبدالعزيز معروف في عالم النفط، لما يبذله من جهد منذ عشرات السنين للمساعدة في تعزيز تخفيضات أوبك الإنتاجية.
وزير مخضرم
ويواجه الأمير، وهو يمسك بأعنة صناعة النفط في المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم خلفاً لخالد الفالح، مطالب متزايدة من الأسرة الحاكمة لرفع أسعار النفط للمساعدة في تخفيف قيود الميزانية وتنفيذ بعض الخطط لتعظيم القيمة من الخصخصة الجزئية المزمعة لشركة أرامكو عملاق الصناعة في الدولة.
وقد اشتهر الأمير عبدالعزيز في أروقة صناعة النفط بأنه مفاوض بارع وله خبرة طويلة في إبرام الاتفاقات داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، كما أن ما يحظى به من احترام بين زملائه من أعضاء أوبك قد يساعده في تنفيذ سياسته.
قالت مصادر في أوبك إنه عندما اتفق أعضاء المنظمة في عام 2016 على خفض الإنتاج، بذل الأمير عبدالعزيز جهداً وراء الكواليس لإقناع وزراء آخرين بالموافقة.
وتوصلت أوبك حينها والمنتجون من غير أعضائها إلى أول اتفاق يجمع الطرفين منذ 2001 للحد من إنتاج النفط في جهد مشترك والتخفيف من حدة الوفرة العالمية بعد تراجع أسعار النفط لفترة تزيد على العامين، الأمر الذي أرهق ميزانيات العديد من الدول.
وقالت المصادر إنه عندما قاومت إيران وهي تحت العقوبات حملة من جانب السعودية وروسيا لزيادة الإنتاج بعد عامين لتلبية دعوات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخفض الأسعار، كان الأمير عبدالعزيز هو الذي ساعد في إقناع وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة بالموافقة وكان يشغل حينذاك منصب وزير الدولة لشؤون الطاقة.
ويتوّج تعيين الأمير وزيراً سلسلة من التغييرات السريعة على مدار عشرة أيام جردت الفالح من سلطاته الواسعة.
وفي فترة من الفترات كان الفالح يعتبر في صناعة النفط ولدى دبلوماسيين أجانب ثالث أقوى رجل في السعودية بعد الملك وولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ إذ كان يشرف على أكثر من نصف الاقتصاد السعودي من خلال وزارته الموسعة التي شملت قطاعَي الطاقة والصناعة.
وتوالى سحب الصلاحيات منه بسرعة. ففي 30 أغسطس/آب تم تجريده من حقيبة وزارة الصناعة وفي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري تم عزله من منصب رئيس شركة أرامكو. وفي الثامن من سبتمبر/أيلول صدر قرار تعيين وزير جديد للطاقة.
السير على نفس النهج
غير أن مسؤولين سعوديين ومحللين يقولون إنه ليس من المتوقع أن يغير الأمير عبدالعزيز الأخ الأكبر غير الشقيق لولي العهد سياسات المملكة فيما يتعلق بالنفط ومنظمة أوبك.
وقال مسؤول سعودي لرويترز: «سيركز على تعزيز العلاقات داخل أوبك ومع المنتجين من خارج أوبك لتقوية استقرار سوق النفط العالمية».
ويرى بسام فتوح رئيس معهد أكسفورد لدراسات الطاقة والذي يحضر بانتظام اجتماعات أوبك أن تعيين الأمير يمثل «استمراراً للسياسة الحالية».
وقال فتوح: «الأمير كان أحد العاملين الأساسيين في تشكيل السياسة السعودية في مجال النفط وفي أوبك منذ سنوات عديدة».
وأضاف أن الأمير كان طرفاً أساسياً في السياسة النفطية الداخلية منذ إصلاحات تسعير الطاقة في المملكة والطاقة المتجددة ورفع كفاءة استهلاك الطاقة.
وقال جاري روس، أحد الخبراء المخضرمين من متابعي أوبك ومؤسس شركة بلاك جولد انفستورز، إنه قابل الأمير عبدالعزيز أول مرة في أوائل الثمانينيات.
أول أفراد الأسرة الحاكمة
قال روس: «ما من أحد في المملكة يعلم عن النفط أكثر من الأمير عبدالعزيز»، مضيفاً أنه يعتقد أن الوزير الجديد سيلتزم بتخفيضات الإنتاج لتعظيم إيرادات المملكة.
وقالت أمريتا سين، الشريكة المؤسسة لشركة إنرجي آسبكتس التي تتابع سياسات أوبك عن كثب: «لا أتوقع أي تغيير في السياسة. فالهدف هو تحقيق أسعار أعلى والطرح العام الأولي لأرامكو».
خرج تعيين الأمير وزيراً للطاقة عما جرى عليه العرف منذ فترة طويلة أن يتولى الوزارة خبراء في صناعة النفط، وألا يشرف أي من أعضاء الأسرة الحاكمة على حقيبة الطاقة بالمملكة.
فقد تولى منصب وزير النفط خمسة وزراء في السعودية منذ عام 1960 لم يكن أي منهم من أمراء الأسرة الحاكمة.
قالت مصادر سعودية ودبلوماسيون إن الرأي السائد كان أن أسرة آل سعود الحاكمة تعتبر حقيبة النفط ذات أهمية خاصة، وأن تولي أحد الأمراء الإشراف عليها قد يخل بالتوازن الدقيق داخل الأسرة، ويجازف برهن السياسة النفطية بالأهواء السياسية للأمراء.
تكنوقراط ملكي
ويقول بعض العالمين ببواطن الصناعة إن خبرة الأمير الطويلة تغلبت على ما كان يعتبر استحالة تعيين أمير في المنصب.
وقال السفير الأمريكي السابق تشاس فريمان إن الأمير يمثل ظاهرة جديدة سماها «التكنوقراط الملكي».
وقال فريمان في وصف الأمير: «ذكي عالمي الأفق وخبير في عمل الوزارة التي شكل فيها حياته المهنية. أخيراً يمكن لعبدالعزيز بن سلمان أن يتولى المنصب الذي ظل يعد نفسه له طويلاً».
التحق الأمير عبدالعزيز (59 عاماً) بالوزارة في العام 1987 وعمل عن كثب مع وزير النفط السابق هشام الناظر ثم مع النعيمي نائباً له لسنوات.
وبخلاف تحقيق إيرادات إضافية للميزانية من خلال أسعار النفط الأعلى سيتعين على الوزير الجديد تعزيز العلاقات مع روسيا غير العضو في أوبك، والتي كانت طرفاً أساسياً في صياغة اتفاق مع المنتجين من خارج المنظمة.
وقد تطورت العلاقات بين السعودية وروسيا منذ 2016 بعد أن شكلت أوبك وعدد من الدول المنتجة غير الأعضاء فيها تحالفا أُطلق عليه اسم أوبك+.
وقال مصدران بصناعة الطاقة الروسية إنهما لا يتوقعان تغييرا في التعاون لأن الجانبين يحققان الاستفادة.
وقالت مصادر في المنظمة إن الأمير عبدالعزيز كان له دور أساسي في إضفاء الصفة الرسمية على ميثاق للتعاون في الأمد البعيد بين مصدري النفط من أعضاء أوبك ومن خارجها وقَّعه الطرفان في يونيو/حزيران الماضي.
كما كان للأمير عبدالعزيز دور مباشر في المحادثات مع الولايات المتحدة لجلب التكنولوجيا النووية إلى السعودية.