عدنان أبو عامر- عربي بوست
«تصاعد الهجمات الفدائية، واندلاع مظاهرات فلسطينية جماعية»، كانت هذه توقعات ضباط أمنيين فلسطينيين في تقرير استخباراتي رفعوه لرؤسائهم حول الوضع في الضفة الغربية.
التقرير السري الذي كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أثار إنزعاج المسؤولين ودفعهم للتحرك تحسباً من السيناريوهات الخطيرة التي حذر منها التقرير، في وقت تشهد الضفة الغربية تطورات ميدانية متلاحقة، تتعلق أساساً بعودة العمليات الفدائية المسلحة ضد أهداف إسرائيلية.
الوضع في الضفة الغربية.. انتفاضة جديدة في الطريق
وحذر التقرير الأمني الفلسطيني من تدهور الأوضاع الأمنية التي تنذر بتزايد العمليات بالضفة، وصولاً إلى اندلاع انتفاضة، خاصة وأن الوضع على وشك الانفجار.
ولم يعد الجمود السياسي مصدر قلق للقيادة السياسية الفلسطينية في رام الله فحسب، بل أيضاً لرؤساء الأجهزة الأمنية الذين حذروا من تدهور الوضع الأمني، بما يهدد الاستقرار مع استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية.
وأشار التقرير الأمني الفلسطيني الذي كتب قبل أيام فقط من عملية قتل اثنين من المستوطنين الإسرائيليين بمستوطنتي غوش عتصيون ودوليف في أغسطس/آب 2019، إلى تسلسل الهجمات في الأيام الأخيرة في الضفة وشرقي القدس.
جيل جديد من الشباب الغاضب
ويتناول التقرير الذي كتبه كبار الضباط الأمنيين الفلسطينيين إلى من وصفهم جيل الشباب الغاضب، وتتراوح أعمارهم بين 16-25 عاماً، حيث تجري متابعتهم، وماذا يكتبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما يشير إلى حالة الغضب التي تنتابهم نظراً لعدم توفر فرص عمل، والخوف على مستقبلهم.
عبدالله عبدالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، ورئيس اللجنة السياسية في المجلس التشريعي، قال لموقع «عربي بوست» إن «أحداً في المؤسسة الأمنية الفلسطينية أو المستوى السياسي لا يستطيع أن يحدد موعد وكيفية اندلاع الهبة الشعبية بالضفة بسبب الظروف المعيشية الصعبة السائدة فيها، لكن أي حدث ميداني قد يحدث سيعتبر القشة التي قصمت ظهر البعير.
فالأمور محتقنة، والاستفزازات الإسرائيلية تتصاعد، ورد الفعل الشعبي الفلسطيني من الصعب التحكم به، لكن الأوضاع على كل الأحوال لا تبشر بهدوء واستقرار».
وأضاف أن «التقرير الأمني الفلسطيني الذي وصل الصحافة الإسرائيلية يقوم على توصيف حالة ميدانية سائدة في الضفة، ووضع عدة سيناريوهات وردود فعل متوقعة، والخطورة في الأمر أن إسرائيل قد تواصل فرض عقوباتها على السلطة الفلسطينية لما بعد انتخاباتها، وتشكيل الحكومة الجديدة، مما يحمل في طياته بوادر انفجار في أي لحظة».
التقرير يتهم حماس بدعم الشباب الثائرين وحتى فتح تشهد تغييراً داخلياً
تتوقع التقديرات الأمنية الفلسطينية زيادة هجمات إطلاق النار، على غرار ما شهده العام الماضي مثل عملية مستوطنات «عوفرا وغفعات آساف وبركان»، وصولاً إلى إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، فضلاً عن دعم حماس للشبان الفلسطينيين في الضفة، وحثهم على تنفيذ عمليات، بجانب توفر ميول شعبية فلسطينية بتغيير الوضع القائم تجاه إسرائيل لعدم تحقيق أي إنجاز سياسي على مدار العقد الماضي.
ولقد تعالت أيضاً أصوات داخل حركة فتح نحو عودة الكفاح المسلح ضد إسرائيل.
ويعتمد التقرير الأمني الفلسطيني في توقعاته السوداوية على تراكم جملة من الأسباب، من بينها: الأزمة الاقتصادية الفلسطينية، العزلة الدولية، وإحباط جيل الشباب الفلسطيني، الذي يشعر أنه ليس لديه ما يخسره، كما أن السلطة الفلسطينية على وشك الانفجار.
إسرائيل تتحرك بعد التقرير
وقد أجرى معدو التقرير من عناصر وضباط الأمن الفلسطيني محادثات مع الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، ورصدوا مناقشاتهم على شبكات التواصل، مما جعلهم يتوقعون تقييماً قاتماً بزيادة هجمات إطلاق النار ووضع العبوات الناسفة.
محمود مرداوي، الخبير العسكري الفلسطيني، قال لموقع «عربي بوست» إن «التقرير الأمني الفلسطيني تم تسريبه إلى الصحافة الإسرائيلية بصورة متعمدة من السلطة الفلسطينية، لأنها أرادت إثارة مخاوف إسرائيل من إمكانية اندلاع سلسلة عمليات مقاومة لو استمرت العقوبات الاقتصادية عليها، وأثبت هذا التسريب جدواه بموافقة إسرائيل على إعادة جزء من ضريبة «البلو» الخاصة بالكهرباء بقيمة ملياري شيكل«.
وأشار أن «التقرير الأمني الفلسطيني دقيق، لأنه يعتمد على معلومات أمنية ورصد ومتابعة لعناصر المقاومة في الضفة الغربية، سواء من خلال أفراد الأمن الفلسطيني السبعين ألفاً، أو عناصر فتح، وهذه مصادر توفر معلومات حساسة وغزيرة، تستطيع السلطة الفلسطينية من خلالها استشراف الواقع الأمني في الضفة، وتعتمد عليها إسرائيل في ذلك».
عودة للعمليات المسلحة.. هل أقامت حماس بنية عسكرية في الضفة؟
بالتزامن مع تسريب التقرير الأمني الفلسطيني، عادت العمليات الفدائية المسلحة إلى الضفة الغربية، رغم ما بذلته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية من جهود حثيثة لإحباط أي بنية عسكرية من شأنها عودة الهجمات الفلسطينية، ولذلك سادت أجواء من القلق الأوساط الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية بسبب تلك العمليات، خشية وجود خلايا فلسطينية مسلحة منظمة نائمة تقف خلفها، وإمكانية أن تكون حماس أقامت بنية تحتية عسكرية في الضفة.
حازم قاسم، المتحدث باسم حماس قال لموقع «عربي بوست» إن «السلطة الفلسطينية تحاول تخويف الاحتلال الإسرائيلي من إمكانية انفجار الأوضاع في الضفة الغربية، لدفعه لإعادة إرسال الأموال إليها، وتريد أن تقول أنها القادرة على ضبط الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، ومنع انطلاق انتفاضة جديدة، ومن أجل ذلك يجب استمرار تحويل الأموال إليها، ومن الواضح أن التقرير الأمني الفلسطيني يعزز رؤية جهاز الأمن الإسرائيلي «الشاباك»، الذي يعارض خطوات الحكومة الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية».
وأضاف أن «عمليات المقاومة في الضفة ليس لها مسار ثابت، وشهدت الآونة الأخيرة عدة هجمات مسلحة رغم ملاحقة السلطة لها، واللافت أنه رغم أزمة السلطة مع الحكومة الإسرائيلية على خلفية العقوبات المالية لكن الجهود الأمنية الفلسطينية لم تتوقف لمنع العمليات في الضفة، لكن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من العمليات في الضفة، فهناك شعب ثائر يريد أن يحصل على حريته، عدا عن الاستفزازات الإسرائيلية المستمرة».
وتتحدث لغة الأرقام عن جهود للمقاومة الفلسطينية لا تتوقف في الضفة، باعتراف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي أشارت أنه منذ بداية 2018 أحبط الجيش أكثر من 900 عملية إطلاق نار وخطف جنود وزرع عبوات ناسفة، فيما نفذ الفلسطينيون 12 عملية خلال 2019، فردية وليست منظمة، وسط تراجع للهجمات الفردية.
لا تترك هذه الأرقام شكوكاً كبيرة في أن الضفة باتت تشكل بيئة مستنزفة للمنظومتين الأمنية والعسكرية في إسرائيل، في ظل وجود محاولات من حماس لتجنيد خلايا بهدف تنفيذ هجمات أكثر تخطيطاً وأفضل تنفيذاً.