إلى أي مدى تؤثر التشكيلة الهجينة لمنظومة الحكم السودانية الانتقالية على آلية صناعة القرار بها؟ وهل تمثل مرآة للصراع الإقليمي حول النفوذ بالبلد الغني بالثروات الطبيعية؟ أم سبيلا لضمان سياسة مستقلة متوازنة تنأى بالبلاد عن الاستقطاب بين المعسكر الذي تقوده السعودية وذلك الذي تقوده تركيا؟.
تصدرت الأسئلة السابقة اهتمامات مراقبي الشأن السوداني خلال الأيام الماضية، بعد الإعلان عن تشكيلة أوّل حكومة انتقالية بـ18 وزيراً بينهم نساء، وهي إحدى أكبر نتائج الاتفاق التاريخي الذي وُقع يوم 17 أغسطس/آب الماضي بين المجلس العسكري الانتقالي والحركة الاحتجاجية المدنية.
وعزز من إلحاح التساؤلات أن معطيات الماضي لا تحمل إجابة قاطعة لها، إذ إن نظام الرئيس السوداني السابق "عمر البشير" احتفظ بمصالح قوية مع الطرفين المتصارعين بالإقليم حتى اقتلاعه من الحكم.
كما أن معطيات الحاضر تنطوي على "الشق المدني" بحكومة "عبدالله حمدوك"، الذي تتقاطع مصالحه مع دول مثل تركيا وقطر ودول الاتحاد الأوربي، بما لا يتيح للمجلس العسكري ذلك الانقياد الأعمى للسعودية على الطريقة التي أظهرها نائب رئيس المجلس "محمد حمدان دقلو"، المعروف باسم "حميدتي"، قبل تشكيل الحكومة.
فقوات الدعم السريع، التي يرأسها "حميدتي"، تمثل إحدى أكبر الروابط بين المجلس العسكري من جانب والسعودية والإمارات من جانب آخر، إذ تحارب في اليمن إلى جانب قوات "التحالف العربي"، ويرفض عسكر السودان كل الدعوات التي تطالبهم بسحبها.
وتمنح الإمارات والسعودية أموالا ضخمة لـ"السودان الجديد"، إذ أعلنت الرياض رسمياً عن حزمة مساعدات مشتركة بينها وبين أبوظبي، موجهة إلى السودان، بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي، منها 500 مليون كوديعة في البنك المركزي السوداني، كما دعت أبوظبي "حمدوك" إلى زيارتها.
وفي المقابل، ترى تركيا في السودان نافذة حيوية لمصالحها بالقارة الأفريقية، من خلال الاستثمارات المتعددة، التي سبق للرئيس "رجب طيب أردوغان" أن أعلن نية بلاده رفع حجمها إلى 10 مليارات دولار، فضلا عن تسلّم أنقرة لإدارة جزيرة سواكن السودانية لأجل غير محدود في عهد "البشير".
ومن هنا يرى المحلل السياسي "خالد الأعيسر" أن المعسكر الذي تقوده السعودية، ويضم الإمارات ومصر، لديه مصالح استراتيجية مع قيادات الجيش السوداني "الذي حاول الالتفاف على الثورة"، لكن طبيعة "الحكومة الهجينة" باتت تمنع العسكريين من الانفراد بقرار العلاقات الخارجية، وفقا لما أورده موقع DW عربية.
ولذا فإن السودان مطالب باستمرار علاقته مع تركيا وقطر والسعودية والإمارات ومصر في إطار سياسة متوازنة تنأى بالبلاد عن الاستقطاب الإقليمي والدولي، في تكرار لنهج الخرطوم خلال فترة السبعينيات، عندما بنت علاقاتها مع الخارج على أساس التعامل المتساوي والمصلحة المتبادلة، برأي "الأعيسر".
لكن المحلل السياسي "المنتصر أحمد" يرى أن طبيعة الحكم الهجين في السودان لن يفضي إلى توازن واستقلال القرار بالضرورة، خاصة إذا سعت الحكومة ككل إلى "إرضاء كافة الأطراف المتصارعة حول السودان، ما عدا السودانيين" حسب تعبيره.
ويستدل "أحمد" على ذلك بأن مجموعة الدول التي تسمي نفسها بـ"أصدقاء السودان" حرصت على أن تكون مآلات الثورة على ما هو عليه الآن، في إشارة إلى ممثلي عدة دول اجتمعوا في برلين للتداول حول مستقبل السودان، ومنها السعودية والإمارات وقطر ومصر.
وأشار إلى أن إدارة عملية التفاوض السياسي بالسودان لم تستطع النأي عن القوى الإقليمية الراغبة في خلق "استقرار أمني" يخدم مصالحها الخاصة بغض النظر عن ثمن ذلك.
وإزاء هكذا احتمال، يرى "الأعيسر" أن الرهان الأول يعتمد على الشارع السوداني، الذي بات يفرض أجنداته على القوى العسكرية والمدنية، وهو أمر غير مسبوق في السياسة السودانية، التي أضحت محكومة برغبات شريحة من الشباب اليقظ.
وعبرت وزيرة خارجية السودان "أسماء محمد عبدالله" عن هذه الرغبات دبلوماسيا، عندما صرحت لقناة "الجزيرة" بأن بلادها تنتظر الدعم المعنوي من الدول العربية، وترحب بأيّ دعم مالي عربي "غير مشروط".. لكن هل ستصمد هكذا سياسية أمام الإغراءات المالية في ظرف السودان الحساس؟ اختبار المستقبل يحمل الإجابة.