قالت مجلة Foreign Policy الأمريكية إن السياسة التي تنتهجها الإمارات منذ 6 سنوات تفوق قدراتها، الأمر الذي دفعها للتراجع والسير في طريق مغاير بداية من شهر يوليو/تموز الماضي بسبب موقف الكونغرس الأمريكي من الحرب في اليمن.
وبحسب المجلة الأمريكية منذ تسعة أعوام، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة في إبراز نفسها على أنها عنصر فاعل عسكري وسياسي مهم في الشرق الأوسط. وأتاح لها الانقلاب العسكري في مصر في يوليو/تموز عام 2013 فرصة للاضطلاع بدور قيادي حاسم في تشكيل الأحداث في المنطقة، وهي فرصة سعدت باغتنامها.
عقبة كؤود
وفي شهر يوليو/تموز من هذا العام، واجهت استراتيجية الإماراتيين عقبة كؤود. أولاً، أعلنت البلاد انسحابها من حرب اليمن، التي بدأتها مع المملكة العربية السعودية عام 2015، لتقصر تركيزها على الاستقرار ومكافحة الإرهاب. واكتسبت لهجة المسؤولين الإماراتيين أيضاً نبرة تصالحية تجاه إيران. إذ ظهر بجلاء أن الحكومة توقفت عن اتهام طهران بالوقوف وراء الهجوم على أربع ناقلات قبالة ساحل الإمارات، رغم تصريحات الولايات المتحدة والسعودية التي تُحمّلان فيها إيران مسؤولية الهجمات.
عقدت الإمارات وإيران أيضاً اجتماعات رفيعة المستوى نادراً ما تحدث لمناقشة ترسيم الحدود البحرية. وحدث كل هذا في وقت كانت فيه واشنطن تصعّد من ضغوطها على طهران لأقصى درجة وتحشد حلفاءها لفعل الشيء نفسه. وتتعارض هذه التحولات أيضاً مع أولويات الرياض، حليفة أبو ظبي الأقرب، التي تُركت في حرب لا يمكنها الانتصار فيها بمفردها.
لم تقدم الإمارات تفسيراً واضحاً لتحولاتها الجيوسياسية المفاجئة، لكن من المحتمل أنها تنبع من تقييمها لاستراتيجيتها على مدى السنوات الست الماضية والتي تقوم على:
أولاً، كان لبروز الإمارات تأثير في تقليص مكانتها السياسية وتدهور سمعتها في الولايات المتحدة.
ثانياً، أصبحت هذه الاستراتيجية، حتى بالاستناد إلى معاييرها هي، صعبة التنفيذ بدرجة أكبر بكثير مما تخيل الإماراتيون.
ويبدو أن هذا التغيير في السياسة قد نجم عن تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي بإنهاء مشاركة أمريكا في حرب اليمن هذا الربيع. ومُرِّر القرار بنتيجة 54 صوتاً مقابل 46 بدعم من الحزبين، رغم معارضة البيت الأبيض. وعززت الانتكاسات الإقليمية الأخيرة للإمارات إعادة تقييمها لاستراتيجيتها أيضاً.
لا يمكن التغاضي عن خطوة الكونغرس
وبحسب المجلة الأمريكية فإن أي شخص يفهم الإماراتيين ولو قليلاً كان يعلم أن أبو ظبي لن تستخف بخطوة الكونغرس، إذ أنها تعطي الأولوية دوماً لنيل استحسان واشنطن. على سبيل المثال، كان السبب وراء انسحاب الإمارات الرسمي من دعمها لقوات المعارضة السورية في خريف عام 2016 هو مشروع قانون للكونغرس يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومات الأجنبية على أعمال الإرهاب، ويُعرف باسم قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب. ووفقاً لمسؤول إماراتي بارز مشارك في الانسحاب، كان مكمن الخوف هو أن تخضع الإمارات للمساءلة أمام المحاكم الأمريكية على أعمال الإرهاب التي قد يرتكبها حلفاؤها من قوات المعارضة السورية.
لطالما كانت الإمارات متجاوبة مع الرأي العام الأمريكي والنقد المؤسسي، لكنْ ثمة عامل آخر منعها من اتخاذ موقف مبكراً: وهو تحالفها مع السعودية. في وقت سابق من هذا العام، كان بعض كبار المسؤولين الإماراتيين والمصادر المقربة منهم لا يزالون يعتقدون أنهم قادرون على تخطي العاصفة المرتبطة بحرب اليمن وغيرها من التصرفات السعودية المشينة، التي من بينها اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
كانت الإمارات مترددة إزاء التخلي عن السعوديين، خوفاً من مواصلة عملهم على تحقيق مصالحهم الوطنية بطرق تضر بالإماراتيين، مثل إصلاح العلاقات مع خصومها مثل تركيا وقطر. ويظل هذا هو أسوأ سيناريو دبلوماسي من منظور الإمارات.
مكاسب الإمارات الاستراتيجية
وفي السياق نفسه، يعتبر الإماراتيون تحالفهم الوثيق مع السعودية منذ عام 2015، ضد جماعة الإخوان المسلمين ودول مثل تركيا وقطر، أكبر مكاسبهم الاستراتيجية في السنوات الأخيرة. ولم تعتمد أبو ظبي جميع مواقف الرياض؛ ففي سوريا، على سبيل المثال، كانت الإمارات أول مؤيدة سابقة للمعارضة تُعيد إقامة علاقات دبلوماسية مع النظام، حتى في ظل دعم السعودية لسياسة الولايات المتحدة المتمثلة في زيادة الضغط الاقتصادي على دمشق لمنعها من السيطرة على شرق سوريا.
لكن رغم هذه الاختلافات، ظلت علاقة أبو ظبي والرياض وثيقة، وعملتا معاً على إعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية في المنطقة، وتجنبتا إظهار خلافاتهما علناً.
تحاول الإمارات الآن استعادة حسن سمعتها في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية من خلال تصوير نفسها على أنها دولة صغيرة تسعى لتحقيق الاستقرار والازدهار من خلال القوة الناعمة والتعاملات الاقتصادية، وتعارض بالتالي جميع أشكال الحروب في الشرق الأوسط. ويتناقض هذا الخطاب مع تصرفاتها على مدى السنوات الست الماضية، إذ حاول الإماراتيون -وفشلوا- عكس آثار الربيع العربي بأي وسيلة ممكنة.
خسرت سمعتها وأهدافها أيضاً
وبهذا المعنى، فإن تحوّل سياسة الإماراتيين ليس مدفوعاً فقط بمحاولتها استعادة سمعتها، بل تدفعه أيضاً إخفاقات سياستها التي جلبتها لنفسها. إذ يبدو أن الإماراتيين يشعرون بالإحباط بسبب عدم قدرتهم على تكرار دعمهم الناجح للانقلاب الذي أطاح الرئيس المنتخب ديمقراطياً في مصر عام 2013. وترى الإمارات أن إطاحة الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وحملة القمع التي تلت ذلك على التنظيم الإسلامي كان نجاحاً ساحقاً. وكانت هذه بداية سقوط الجماعات الإسلامية في أنحاء المنطقة، في انتكاسة لصعودهم بعد الانتفاضات العربية عام 2011. لكن الإمارات حققت نجاحاً محدوداً في أماكن أخرى منذ ذلك الحين، لا سيما في ليبيا واليمن وتونس.
في أبريل/نيسان، على سبيل المثال، شن خليفة حفتر، أحد قادة الحرب الليبيين والحليف المقرب من الإمارات، هجوماً للاستيلاء على مدينة طرابلس، العاصمة التي تسيطر عليها حكومة معترف بها دولياً. وكان يُنظر لهذه المحاولة على أنها مقامرة تدعمها أبو ظبي لطرد الإسلاميين من العاصمة وتثبيت زعيم استبدادي في ليبيا. وأتت تلك المقامرة بنتائج عكسية، وفشلت الحملة التي استمرت عدة أشهر فشلاً ذريعاً حتى الآن. وفي اليمن، في الوقت نفسه، حاول حتى السعوديون إقناع الإماراتيين بالعمل مع حزب الإصلاح اليمني الذي يهيمن عليه الإسلاميون، وهي محاولة أدت إلى لقاءات مهينة بين قادة الحزب والحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، الذي جعل من سحق الإخوان المسلمين في كل مكان هدف حياته.
متاعب السيسي
بل وأصبح أقرب حليفين للإمارات -مصر والسعودية- مصدراً للمتاعب. إذ ثبت أن الرئيس المصري بعد الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، يعتمد بصورة مفرطة على أموال الخليج دون أي قدرة على تقديم مقابل. إذ عارض المساهمة بقوات في حرب اليمن ورفض لاحقاً الاشتراك في «الناتو العربي»، وهو مُقترح تعاون عسكري من المرجح أن تقوده إما السعودية أو الإمارات. وفشل الحاكم الفعلي للسعودية، محمد بن سلمان، في الترويج لنفسه في الغرب على أنه مصلح، وثبت أن قتل خاشقجي يضر بسمعة أي شخص يرتبط به. وأخيراً، جعل السعوديون والإماراتيون من أنفسهم مسألة يختلف عليها الحزبان في الولايات المتحدة، بدعمهم السافر للرئيس الأمريكي.
قد لا ينهي الموقف الجديد للإمارات دعمها لوكلائها في المنطقة، ولكنه قد يغير ديناميكيات علاقتها مع السعودية. لقد اعتقدتا أنهما معاً قادرتان على إقامة نظام إقليمي جديد في صورتهما الاستبدادية، لكن يبدو أن هذا الحلم قد انتهى. ويبدو أن الاثنتين لا تزالان مصممتين على إخفاء خلافاتهما الحقيقية في الوقت الحالي. لكن قد لا يكون ذلك ممكناً في اليمن، الذي قد يقنع انسحاب الإمارات منه السعودية بتبني سياسات أكثر عدوانية، ومخالفة للمصالح الإماراتية. كانت حرب اليمن سبباً في التقريب بين البلدين أكثر من أي قضية أخرى في المنطقة. والآن، قد تصبح سبباً للتفريق بينهما.