توصلت دراسة جديدة إلى أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم ارتفع بنحو 60 في المئة في المتوسط على مدى السنوات السبع الأخيرة.
وحللت مؤسسة "غلوبال ويب إندكس" البحثية في لندن بيانات من 45 من أكبر دول العالم في "أسواق الإنترنت"، ورأت أن الوقت الذي يكرسه كل شخص لمواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيقاتها ارتفع من 90 دقيقة يوميا عام 2012 إلى 143 دقيقة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019.
وثمة تفاوت كبير في الاستخدام على المستويين الإقليمي والوطني: ففي أمريكا اللاتينية، حيث أكبر عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي عالميا، يبلغ متوسط الوقت المنقضي يوميا 212 دقيقة.
في المقابل، فإن المعدل الأدنى إقليميا في الوقت المنقضي على وسائل التواصل الاجتماعي هو في أمريكا الشمالية (116 دقيقة).
ويتصدر الفلبينيون قائمة الشعوب التي تقضي أكثر الأوقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بمعدل 241 دقيقة يوميا، مقارنة بـ 45 دقيقة فقط في اليابان.
تراجُع
لكن ربما كان المفاجئ في الأمر أن تحليل بيانات نحو 1.8 مليون شخص كشف عن أن الأوقات المنقضية على وسائل التواصل الاجتماعي ظلت في معدلاتها أو تناقصت في نحو نصف تلك الدول (20 دولة).
وتقول مؤسسة غلوبال ويب إندكس إن البيانات تشير إلى أن "العديد من مستخدمي الإنترنت باتوا ينتبهون إلى الوقت الذي يقضونه على منصات وسائل التواصل الاجتماعي".
ويقول مدير قسم الاتجاهات الرئيسية لدى غلوبال ويب إندكس، تشيس باكل، لبي بي سي: "بات مستخدمو الإنترنت يقضون أكثر من ست ساعات على الشبكة يوميا، وثلث هذا الوقت مكرّس لوسائل التواصل الاجتماعي".
"وبات معدل التصفح اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي موضوعا له أهميته، وتُعدّ المدة التي نقضيها على تلك المنصات يوميا إحدى أهم وسائل قياس هذا النشاط، وقد ساعد التطور الذي تشهده الهواتف الذكية في سهولة رصْد ذلك الأمر".
وبين الدول التي شملتها الدراسة، سجلت تايلاند أكبر تراجُع في معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يوميا؛ حيث هبط من 194 دقيقة العام الماضي إلى 171 دقيقة عام 2019.
وفي فيتنام، هبط الاستخدام اليومي 10 دقائق مقارنة بالعام الماضي.
كما شهدت كل من إندونيسيا وبلجيكا وغانا والولايات المتحدة تراجعا حادا في معدل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يوميا.
غير أن معدل الاستخدام في معظم الدول التي شملتها الدراسة يسجل ارتفاعا. وفي بعض هذه الدول كان هذا الارتفاع ملحوظا.
"تطبيقات رائجة"
يقضي المستخدم العادي في الصين الآن على مواقع التواصل الاجتماعي 139 دقيقة يوميا، بزيادة 19 دقيقة مقارنة بالعام الماضي 2018.
أما في السعودية فقد زاد معدل زمن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي 14 دقيقة، وفي تركيا كانت الزيادة 13 دقيقة.
يقول تشيس باكل: "في آسيا، مشهد وسائل التواصل الاجتماعي مختلف؛ فثمة تطبيقات رائجة جدا تحظى بشعبية، وهي تطبيقات للتواصل الاجتماعي تتجاوز الدور الذي تقوم به هذه المنصات بالمفهوم الغربي. وعبر هذه التطبيقات يتسنى للمستخدمين التواصل مع أصدقائهم والقيام بمهام أخرى كثيرة كدفع فواتير، وحجْز غرف في فنادق، واستدعاء سيارة أجرة، ودفع ثمن سلع في متاجر".
ويتابع: "في الصين، يهيمن تطبيق 'وي تشات' على فضاء التواصل الاجتماعي، ويواصل التطبيق استقطاب المزيد والمزيد من الأنشطة، مما يعزز تمسك المستهلكين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوفاء بمتطلبات احتياجاتهم اليومية."
التراكيب السكانية
يبدو ارتفاع مدة الوقت المنقضي على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبطا بتراكيب سكانية بعينها، لا سيما الفئات العمرية بين 16 و24 عاما.
وتقضي هذه الفئات أوقاتا أكثر من غيرها يوميا على الإنترنت - وبحسب مؤسسة غلوبال ويب إندكس، فإن هذه الفئات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي يوميا بمعدل 180 دقيقة على الأقل عام 2018.
وكلما كانت الفئة العمرية للسكان في دولة ما أصغر، زاد معدل الوقت المنقضي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تلك الدولة، ولهذا فإن دول الأسواق الناشئة تتصدر هذا المضمار.
يقول باكل: "لا يزال الشباب يمثلون الفئة الأعلى بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالفئات الأخرى. والواقع أنهم سيظلون كذلك".
مصلحة المستخدم
يحذر الخبراء من أن قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي على الشاشات مرتبط بسلسلة من مشكلات الصحة النفسية.
تقول آشلي وليامز، الباحثة في كلية هارفارد للأعمال: "بحسب الدراسة فإن الأشخاص الذين يقضون وقتا أطول في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هم أقل سعادة، وإن الاستخدام المفرط لهذه التقنية يمكن أن يورث مشكلات، قد تصل في بعض الحالات إلى الاكتئاب، وعمل حوادث، بل وحتى الموت".
وقد تمخضت هذه المخاطر المحتملة عن إطلاق تغييرات سلوكية، فضلا عن صعود نجم تطبيقات رقمية معنيّة بخير وسلامة المستخدم، كتلك التي تحدّ من وقت التصفح أو تتتبّع مساره.
وأظهرت دراسة غلوبال ويب إندكس أن "مدمني" استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر ميلا إلى استخدام هذه التطبيقات الجديدة، بمن فيهم فئة الشباب.
وقال باكلي: "هذه التقنيات الرقمية المتطورة تساعد المستخدمين في تنظيم أوقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعترف أكثر من ثلثي الفئة العمرية من 16 إلى 24 عاما بوجودهم بشكل متواصل على الإنترنت، بينما يقول أكثر من ثلث هذه الفئة إن التقنيات تزيد تعقيدات الحياة. وثمة وعي واضح لا يزال قائما بتأثير التطور التكنولوجي على حياتهم".
حوالي 30 في المئة من المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما أظهروا (أكثر من أي فئة عمرية أخرى) ميلا إلى استخدام التطبيقات المعنية بسلامة المستخدم، بحسب دراسة غلوبال ويب إندكس.
الوقت المثالي؟
لا يوجد وقت مثالي رسمي للبقاء متصلا بمواقع التواصل الاجتماعي.
وللمرة الأولى، أصدرت منظمة الصحة العالمية في أبريل/نيسان الماضي أولى توصياتها الخاصة بقضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي والنظر في الشاشات، واستهدفت المنظمة الأطفال دون سن الخامسة.
وكشفت دراسة أجريت في جامعة بنسلفانيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن أن قَصْر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على 30 دقيقة في اليوم أثمر عن "تراجع ملحوظ في معدلات الشعور بالوحدة والاكتئاب" في مجموعة من 143 طالبا شملتهم الدراسة.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن المسألة أكثر تعقيدا.
يقول أندي شيبيلسكي، الباحث في معهد أكسفورد للإنترنت: "وسائل التواصل الاجتماعي متنوعة تنوعا هائلا؛ فثمة مواقع مختلفة تطرح موضوعات مختلفة، مما يجعل من الصعب التعميم بشأن آثار وسائل التواصل الاجتماعي".