محمد عابد- عربي21
يعيد الهجوم الحوثي على "أرامكو" السعودية طرح التساؤلات القديمة الحديثة حول أداء منظومتي الرصد والدفاع الجوي لدى المملكة، ونجاعتهما في حماية المواقع ذات الأهمية الاستراتيجية، والأهم من ذلك مستقبل الشركة النفطية العملاقة، الأكبر من نوعها في العالم، والعمود الفقري لاقتصاد البلاد ومحور رؤية ولي العهد محمد بن سلمان التنموية.
واستهدف الهجوم منشأتين نفطيتين كبيرتين بمنطقتي "بقيق" و"خريص"، كما أعلنت الرياض، ما تسبب باشتعال النيران فيهما، قبل أن تكشف تقارير أن المنشأتين تنتجان أغلب نفط المملكة، وأن عمليات إنتاج وتصدير الخام قد تعطلت.
وبعد الإعلان السعودي، تبنت جماعة الحوثي اليمنية المسؤولية عن الهجوم، موضحة أن تنفيذه جرى بواسطة عشر طائرات مسيرة "بعد عملية استخبارية دقيقة ورصد مسبق".
وتقع منشأة "بقيق" على بعد 60 كيلومترا جنوب غرب مقر أرامكو في الظهران بالمنطقة الشرقية، ويوجد بها أكبر معمل لتكرير النفط في العالم، وكثير من موظفي الشركة الغربيين، بحسب تقرير لوكالة "رويترز".
وتعالج المنشأة النفط الخام القادم من حقل الغوار العملاق قبل نقله للتصدير إلى مرفأ رأس تنورة، أكبر منشأة لتحميل النفط في العالم، والجعيمة، كما يصل إنتاجها غربا إلى محطات تصدير على البحر الأحمر.
أما منشأة خريص فتقع على بعد 190 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من الظهران ثاني أكبر حقل نفطي في السعودية.
مستقبل نفط المملكة
في حديث لـ"عربي21"، قال الخبير في قطاع الطاقة، نهاد اسماعيل، إن تعطل إنتاج المملكة وصادراتها مؤقت، ويهدف إلى منع المزيد من المضاعفات والتحقيق بدقة في حجم الأضرار وإجراء خطة للإصلاحات.
ووصف اسماعيل الهجوم بأنه "تطور خطير"، مشيرا إلى أن الأضرار جسيمة ولا يمكن تقدير قيمتها بدقة، مؤكدا أن الأهم يكمن في التأثيرات بعيدة المدى على الشركة العملاقة.
وأضاف أن "عمليات الإنتاج والتصدير ستعود قريبا، ولكن ربما بمستويات تقل بواقع مليونين إلى مليونين ونصف برميل يوميا، وذلك لأيام وربما أسبوعين، قبل العودة إلى المستويات الطبيعية".
وتابع أن أسعار النفط في الأسواق العالمية سترتفع بواقع 10 إلى 15 بالمئة خلال هذه المرحلة، لافتا إلى أن السعودية شهدت حوادث مشابهة سابقا وأن لديها خبرة في التعامل مع حالات الطوارئ.
أما على المدى البعيد، فإن الهجوم يؤثر على خطة طرح 5 بالمئة من أرامكو للتداول، بل وعلى قيمتها السوقية، وهو ما يشكل محورا أساسيا في رؤية ولي عهد البلاد التنموية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن "أسهم الشركة ستصبح أقل جاذبية للمستثمرين، الذين لن يرغبوا بالمخاطرة".
وتابع اسماعيل: "في ظل حالة الحرب والهجمات الحوثية المضادة فإن الحل يكمن بتسوية سياسية تجنب اليمن المزيد من الويلات وتحمي المصالح السعودية ونفطها، طالما أن المملكة عجزت عن الحسم عسكريا طوال السنوات الخمس الماضية".
كما أشار إلى ضرورة أن تشمل تلك التسوية إيران، التي ترعى الجماعة اليمنية، مؤكدا وجود دول عربية على استعداد للعب دور الوساطة.
الفشل الأمني والدفاعي.. مجددا
بدوره، ألقى الخبير العسكري فايز الدويري الضوء على عجز المنظومتين الأمنية والدفاعية بالمملكة، موضحا أن الهجوم هو الثالث من نوعه ضد منشآت نفطية، فضلا عن هجمات شبه يومية على مطارات الجنوب.
وقال الدويري إن المسافة التي قطعتها طائرات الحوثيين تبلغ 1200 كيلومترا، دون أن تكشفها أي منظومة رادار أو تستهدفها أي دفاعات.
وتابع الخبير الاستراتيجي أن تلك الطائرات "بدائية ورخيصة الثمن، ويستغرق سفرها تلك المسافة ساعات عديدة".
وأضاف أن هجمات الحوثيين المستمرة في الجنوب "تبررها طبيعة المنطقة وتحليق الطائرات المسيرة على علو منخفض في الوديان، أما أن تخترق عمق المملكة فهو أمر غير مبرر، لا سيما مع سهولة رصدها ووجود العديد من الطرق لإسقاطها".
وتساءل الدويري عن سبب عدم إقدام المملكة على إعادة تقييم المنظومة الأمنية، وأكد أنه كان من المفترض على مدار السنوات الماضية حماية مثل تلك المنشآت الاستراتيجية، فضلا عن تفعيل وسائل رصد وإسقاط المسيرات.
وختم بالقول إن السعودية تمتلك العديد من المنظومات والأسلحة التي من شأنها تعزيز أمن البلاد ومنشآتها، "ولكن ما فائدة السلاح إن لم يتمتع من يديره بالكفاءة".