ترجمة: عربي بوست
تعد التطورات التي باتت الرياض تُحرزها على دفعات صغيرة في ملف حقوق النساء، جزءًا من استراتيجية تتبناها السعودية الجديدة. إذ يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي وجد نفسه عالقاً بالحرب في اليمن وفي قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لإظهار بادرة حسنة بمنحه المرأة السعودية حقوقاً، بحسب وصف مجلة Slate الفرنسية.
إضفاء الشرعية
تقول عالمة الاجتماع الفرنسية الإيرانية أزاده كيان، مؤلفة كتاب «FEMMES ET POUVOIR EN ISLAM» (المرأة والسلطة في الإسلام): «يُعتبَّر هذا الأمر جزءاً من مشروع محمد بن سلمان الذي يعتمد على إظهار الوجه الحديث للنظام السعودي على المستوى الدولي. من أجل هذا، تعيَّن تحسين الوضع القانوني للنساء. فإظهار أننا تقدميين لإضفاء الشرعية، هذا يسير بشكل جيد جداً».
وأضافت كيان أنَّ التقدم في مجال حقوق المرأة في السعودية هو أيضاً جزء من خطة «رؤية 2030» التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عام 2016. فهدف الرياض هو تنويع اقتصادها المعتمد على النفط. مع وضع هذا الأمر في الاعتبار، منذ فبراير/شباط 2018 صار بإمكان المرأة الحصول على تصريح لإنشاء شركة، وهو ما يُعتبر مفاجأة في واحدة من أكثر دول العالم تحفظاً. لكن تسهيل وصول السعوديات إلى سوق العمل يسمح لهن بالاندماج في الاقتصاد؛ ومن ثم «فهي وسيلة تؤمم من خلالها المملكة العمل بتفضيل المواطنين السعوديين على حساب الأجانب».
التنافس مع إيران في حقوق النساء
وبخلاف التحديات المحلية، يُعتبَّر هذا التطور الإيجابي جزءاً من سياق التنافس والتوتر المتزايد مع قوة الأخرى في المنطقة؛ ألا وهي إيران. فمن خلال منح هذه الحقوق للمرأة السعودية، تسعى المملكة إلى التنافس مع عدوتها الشيعية.
تقول المجلة الفرنسية إن المنافسة صعبة؛ لأنَّ الإيرانيات هن أكثر النساء تمتعاً بحياة اجتماعية في الشرق الأوسط: فهن يعملن، ويقدن بحرية، ولهن الحق في التصويت والترشح منذ عام 1963، على عكس السعودية التي بدأت بمنح النساء هذه الحقوق في 2015.
وقالت أزاده: «في إيران يتقدم المجتمع المدني بأشواط على المؤسسات التي تحكمه». ولم يُخفِ الرئيس المعتدل حسن روحاني قط رغبته في منح مزيد من الحرية للشباب والنساء. وكان هذا الأمر جزءاً من وعود حملته الانتخابية، مضيفة: «ترغب حكومة روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في تقديم وجه أكثر ودية وهذا يحدث عن طريق ملف المرأة».
وفي الوقت الذي تواجه فيه السعودية إيران بالفعل في سوريا واليمن، شرعت المملكة الوهابية في سباق من أجل المساواة بين الجنسين وتريد تجسيد الإسلام الإصلاحي المعتدل في مواجهة الجمهورية الإسلامية الشيعية. وفي مقال نُشِر بصحيفة New York Times الأمريكية، قالت الكاتبة الأمريكية الإيرانية رويا حكاكيان: «في هذه المنافسة بين النظامين لتجسيد إسلام الأكثر اعتدالاً، النساء هن المستفيدات».
الانفتاح المجتمعي جزء أصيل من المعركة
في الوقت نفسه، يحاول التحالف الذي شكَّلته السعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل عزل إيران عن الساحة الدولية. إذ ذكر كريستوف عياد، الصحفي الفرنسي بجريدة Le Monde الفرنسية، أنَّه «يتضح من إعادة التشكيل الحالي للشرق الأوسط أنه بمثابة تأسيس محور غير مسبوق بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، التي تجمعهما كراهيتها المشتركة للنظام الإيراني ورغبتهما في تقليص قبضته على المنطقة».
فيما يرى برنارد أوركاد، عالم الجغرافيا الإيراني ومدير الأبحاث الفخري في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أنه إذا كانت دول المنطقة تريد رؤية إيران ضعيفة؛ فذلك لأنَّ صعودها بات يشكل خطراً عليها. ويضيف أنَّ هذه الدول ترى «إذا تركنا المجتمع الإيراني لكي يتطور بطريقة طبيعية، فستصبح إيران قوة ليست عسكرية أو سياسية فحسب، بل مجتمعاً تلعب فيه المرأة دوراً رئيسياً وهذا أمر خطير بالنسبة للأصوليين في المنطقة».
ويقول إنه ففي إيران «ليست القنابل، بل النساء هن اللاتي يغيرن النموذجين الاجتماعي والسياسي. لقد برزن باعتبارهن أكثر المجموعات الاجتماعية نشاطاً وأكثرها استمراراً وثورية».
نساء إيران يردن تغييرات جوهرية أيضاً
ويعود برنارد بذاكرته إلى ثورة 1979 التي أدت إلى سقوط النظام الملكي في إيران قائلاً إنه سرعان ما خرجت النساء إلى الشوارع «لقد رأيتهن، هؤلاء النساء يرتدين الشادور الأسود في الشوارع ويصرخن: يسقط الشاه! كما وصلن إلى الحياة السياسية».
وحتى اليوم، تقاتل الإيرانيات من أجل الحصول على الحقوق، فالإصلاحات التي تبنتها الدولة على مر السنين هي نتيجة لهذه المطالب. وتقول الحركة النسائية الإيرانية «Bidarzani» أو «بيدارزني»، المعنية بتوعية الإيرانيين بأهمية المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، إنَّ «التغييرات التي شهدتها السلطة في السعودية مؤخراً، هي في الواقع قناع لإيهامنا باحترام حقوق الإنسان. هذه التطورات التي تأتي من أعلى الطبقات تمسّ الطبقات المتميزة، ولا تمثل تغييرات جوهرية».
وتضم المؤلفة الإيرانية أزاده صوتها إلى تلك الحركة، فبالنسبة لها محمد بن سلمان «يريد أن يكون السياسي الذي يحمل لواء مطالب النساء. إنه يعطي ضمانات على الحرية لإظهار تقدمه أمام صانعي القرار الدوليين، لكنه في الوقت نفسه يعذب نشطاء حقوق المرأة. بمعنى آخر، يؤكد أن الإصلاحات تتم كما أريد، والآخرون يتبعونه وفي حال الرفض فالقمع هو الرد».
تقول المؤلفة إن هناك فارقاً كبيراً بين السعودية وإيران الشيعية، حيث تخوض النساء الحياة السياسية، وحيث تؤدي التفسيرات المتعددة للإسلام حتماً إلى وجود أصوات معارضة في داخل النظام. وتضف أزاده: «عندما يقرر بن سلمان أمراً ما، فرجال الدين سيمتثلون. وفي إيران، شدد وزير الرياضة على أن النساء يمكن أن يدخلن الملاعب وفي الوقت نفسه يعلن «آية الله» النقيض تماما لتلك التصريحات».
رهان خطير للسعودية
يقول برنارد: «محمد بن سلمان يفعل ما قام به الشاه في الستينيات». بخلاف الصورة التي يبنيها، فليس أمام ولي العهد أي خيار «فإيران ونساؤها البالغ عددهن 40 مليوناً منهن من التحقن بالمدارس ونسبتهن 95٪ واللاتي التحقن بوظائف».
ومن جهتها قالت أزاده إن هذه الإصلاحات يمكن أن تتحول في النهاية ضد الرياض. في الواقع، بمجرد حصول النساء على الاستقلال المالي بفضل تصاريح العمل، يمكن للمرأة السعودية رفع سقف المطالب. وتضيف: «هي قنبلة موقوتة للعلماء السعوديين. الخطر هو أن هناك 100.000 امرأة في شوارع جدة. لأنه من خلال تعليم النساء، تتفتح آفاقهن والوعي لديهن وهو ما يمكن أن يقوض النظام الاجتماعي والسياسي».
النساء هن المستفيدات من هذا التنافس
الاحتمال الآخر هو رؤية طهران تتنازل عن بعض القضايا، وتمهد الطريق لمزيد من الحرية للمرأة الإيرانية، على عكس ما تريده الرياض. وتقول إحدى الإيرانيات: «إذا رأت حكومتنا أنها متأخرة، فربما قد تمنح المرأة مزيداً من الحقوق».
في حين تقول أخرى: «إذا رأى النظام وجود ميزة أو خلص إلى أن غياب هذه الحقوق يسبب له مشكلات على الصعيد الدولي، فربما يمنح بعض الحقوق للنساء».
وفي الوقت نفسه، نجحت الرياض في كسب نقاط على حساب جارتها: هذه التطورات في المملكة الوهابية تؤجج ضغائن الشعب الإيراني تجاه قادته. وتقول سيدة إيرانية: «إننا نتراجع إلى وضع مشابه لوضعهم بينما يعتلون مكاننا في المقدمة».
وتضيف أخرى: «عندما نرى أن سيدة عربية تحصل أكثر فأكثر على حقوق في بلد إسلامي، فإننا ندرك أن النظام الإيراني صارم للغاية ويدفعنا إلى المزيد من المطالبات».
وتقول أزاده: «عندما سمح محمد بن سلمان للنساء بدخول الملاعب أو المشاركة في الحفلات الموسيقية، فإن ذلك يسبب الغيرة بين الشباب في إيران. وبالنسبة للروح القومية الإيرانية، فمن غير المحتمل أن نرى أن العرب أكثر تقدمية منا».
على الرغم من هذا الاستياء، لا تنخدع كثيرات من الإيرانيات، إذ تقول الحركة النسائية: «نحن على يقين من أن الأشخاص الذين يتابعون الأخبار سيجدون أن هذه الإصلاحات التي تأتي من جهات عليا لا تخلق بالفعل تغييرات في حياة النساء في السعودية».
بالنسبة لسيدة أخرى: «فإن هذه التغييرات تهم البرجوازية السعودية فقط، نحن متخلفون كثيراً عن العديد من دول العالم ، لكننا أكثر تقدماً منهم».