قبل حوالي ستة أشهر تلقت إحدى الأسر اليمنية في محافظة إب (وسط البلاد)، نبأ مقتل نجلها وهو يقاتل في صفوف الحوثيين بمحافظة صعدة على الحدود اليمنية السعودية.
يومها اختلطت أصوات النواح بأصوات الزغاريد وإطلاق النيران، كمراسيم اعتادت المليشيات على انتهاجها للسطو على حق عائلة القتيل في أن تحزن على فقيدها، بتحويل هذه المأساة إلى مناسبة للاستعراض وتمجيد الموت في سبيل هيمنة المسيرة وطاعة لأمر "السيد".
فقد استقبلت عائلة الشاب "إدريس عبده يحيى قاسم الإدريسي" في منطقة "الوقش" بمديرية جبلة جنوب غرب مدينة إب، صندوقاً خشبياً مغطى بشعار الصرخة الذي ترفعه الجماعة، وكما يحدث في الغالب، لا يسمح لأقارب الضحية بفتح الصندوق أو إلقاء نظرة على الجثمان، "إكراماً للشهيد" كما يزعم مرافقو الجثمان. وذلك لأهداف تبطنها الجماعة وهو إما يكون أشلاء مزقها الطيران أو للتغطية على عدم وجود جثة أصلاً.
انتهى الضجيج وانفض المشيعون وعادت أم وأخوات القتيل ليواجهن وحدهن حزن الموت وألم الفراق..
بهذه اللقطة كان يفترض أن يتم إسدال الستار على شاب يمني ساقته الجماعة إلى المحرقة كما فعلت، ولا تزال، مع آلاف الشباب منذ أكثر من خمس سنوات، إلا أنه وفي زمن العجائب يمكن أن يكون لهذه القصة فصول لاحقة ومتكررة بصورة تثير الاستغراب والدهشة.
أمس الثلاثاء، وحسب سكان تحدثوا لـ"المصدر أونلاين" أنه وبعد مرور حوالي ستة أشهر على استلام العائلة جثمان نجلها، فوجئت العائلة أنها على موعد مع اسقبال موكب الموت الأخضر من جديد، حيث كانت السيارات المغطاة باللون الأخضر تسير باتجاه القرية تتصاعد منها أصوات الزوامل المبشرة بالموت والنار.
وفيما كان أهل القرية ينتظرون وصول ضحية جديد إذا بمسلحي الجماعة يبلغونهم أنهم يحملون جثمان الشاب الذي شيعه الأهالي ودفنوا جثمانه قبل أكثر من ستة أشهر.
ما الذي حدث وكيف يمكن لقتيل واحد أن يكون له جثمانان، وأن يموت مرتين، تكثفت الأسئلة وعمت الحيرة المكان إلا أن المسلحين الذين لا يهتمون كثيراً للمشاعر أوضحوا للجميع أنهم حصلوا مؤخراً على جثمان "إدريس" بعد صفقة تبادل جثامين عقدوها مع قوات الحكومة الشرعية واستردوا بموجبها جثمان إدريس الذي كان مفقوداً.
ماذا عن الجثمان الذي تم تشييعه سابقاً؟ تردد السؤال كثيراً إلا أن المسلحين الذين أوصلوا الجثمان إلى القرية كانوا هذه المرة على عجلة من أمرهم وليس لديهم وقت ولا صلاحيات للرد على مزيد من الأسئلة، باختصار كانت رسالتهم لأهل الميت وأهل قريته "السيد يسلم عليكم ويقول لكم هذه جثة ولدكم الشهيد إدريس وكتب الله أجركم"..
غادر موكب التشييع القرية بعد أن أهالوا التراب على الجثمان الجديد، وأثاروا وراءهم نقعاً من الأسئلة يتصاعد كيف يمكن أن يموت المرء أكثر من مرة ويكون له أكثر من جثمان، إلا أنها أسئلة تثيرها الحرب وكما هو عادة الحرب دائماً أنها لا تقدم إجابات، وليست معنية بتضميد جراح إذ هي على عجلة من أمرها لتنفيذ مهمة فتح جراح جديدة.