ترجمة: عربي بوست
رغم تحوُّل الأنظار عن الحرب في اليمن وتركزها على إيران في أعقاب الهجوم الذي استهدف منشآت أرامكو النفطية في السعودية، تظل حقيقة فشل التحالف الذي شكلته الرياض قبل أكثر من أربع سنوات لإعادة حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وهزيمة انقلاب الحوثيين، ما يطرح تساؤلات حول جدوى استمرار الحرب وكيفية إنهائها.
القصة تناولها موقع لوب لوغ الأمريكي في تقرير بعنوان: «تغيّر موازين القوة في اليمن»، للكاتب عبدالعزيز كيلاني، رئيس تحرير جريدة شرق وغرب الإلكترونية.
خلال الساعات الأولى من صباح 14 سبتمبر/أيلول 2019، كانت شركة النفط السعودية العملاقة «أرامكو» هدفاً لهجومين.قالت وزارة الداخلية السعودية في بيانها: «في الرابعة من صباح يوم السبت، كافحت فرق الأمن الصناعي بشركة أرامكو حريقين في اثنين من مرافق الشركة في بقيق وخريص بعد استهدافهما من قِبَل طائرات بدون طيار… تمكنت الفرق من السيطرة على الحرائق واحتوائها، وبدأت السلطات المعنية في التحقيق».
يُنتج حقل نفط خريص حوالي 1.5 مليون برميل نفط يومياً. بينما يعمل مرفق أرامكو في بقيق على إزالة الشوائب من النفط الخام الحامض لتحويله إلى نفط خام حلو، ويمتلك المرفق القدرة على معالجة حوالي 7 ملايين برميل يومياً. وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إن التأثيرات المركبة لتلك الهجمات أدّت إلى انخفاض إنتاج النفط الخام بحوالي 5.7 مليون برميل يومياً، أي أكثر من نصف الإنتاج الكامل للسعودية.
وأعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم. وقال محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي للحوثيين، لموقع لوب لوغ إن تلك الضربات «تأتي في سياق الحق المشروع للدفاع عن النفس». وأشار إلى أن جماعته سوف تتوقف فوراً عن شن مثل تلك الهجمات بمجرد أن توقف السعودية عدوانها في اليمن.
وقال البخيتي: «يؤكد نجاح العملية والخسائر الهائلة التي عانت منها السعودية على ما ذكرناه في السابق من أننا سوف نتوسع في ضرباتنا إلى العمق السعودي ونستهدف المزيد من المرافق المهمة والحساسة»، وشدد على أن السعودية ليس أمامها خيار آخر سوى أن تراجع سياساتها وأن تجنح نحو السلام.
تطوير قدرات الحوثيين
ويعد هذا الهجوم مثالاً آخر على تغيّر موازين القوة في اليمن. في بداية هذه الحرب في 2015، لم يتصور أحد أن يطوّر الحوثيون قدراتهم لشن هجمات على هذا النطاق الذي شهدناه مؤخراً. في هذه المرحلة، أصبح من الواضح عدم انهيار التحالف الذي تقوده السعودية فحسب، بل طوّر الحوثيون قدراتهم وحسنوها أيضاً.
توقيت هذا الهجوم ليس مفاجئاً.. اعتدنا خلال الصراع الحالي على أن يرد الحوثيون من جانبهم على كل هجمات كبرى يشنّها التحالف. على سبيل المثال، جاء هجوم السبت، 14 سبتمبر/أيلول، بعد أسبوعين فقط من شن التحالف، بقيادة السعودية،هجوماً على مؤسسة تابعة للحوثيين، أسفر عن مقتل 100 شخص.
حتى عندما كان الحوثيون لا يزالون في طور بناء قدراتهم العسكرية، كانوا قادرين على شن هجمات انتقامية. على سبيل المثال، بعد يوم واحد من شن قوات التحالف هجوماً على جنازة في صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 2016، قُتل فيها أكثر من 140 شخصاً وأصيب أكثر من 500، ردّ الحوثيونبإطلاق صاروخ باليستي على قاعدة الملك فهد العسكرية في السعودية. لذا، لن يكون هجومهم الانتقامي مستغرباً في هذه الحالة أيضاً.
اتهم وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إيران بتنفيذ تلك الهجمات، وهو ما أنكره مسؤولون إيرانيون. وكتب بومبيو على تويتر عقب الهجمات: «تقف إيران وراء ما يقرب من 100 هجوم على السعودية بينما يتظاهر روحاني وظريف بالانخراط في الدبلوماسية. ووسط كل دعوات وقف التصعيد، شنّت إيران الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة العالمية. لا يوجد دليل على أن هذه الهجمات جاءت من اليمن».
ثم أضاف بومبيو في تغريدة لاحقة: «ندعو جميع الدول للإدانة العلنية والقاطعة للهجمات الإيرانية. سوف تعمل الولايات المتحدة مع شركائها وحلفائها لضمان بقاء إمدادات أسواق الطاقة عن مستوى جيد ومحاسبة إيران على عدوانها».
طابع انتقامي للهجمات
وقال صامويل راماني، المعلق السياسي والمرشح لنيل الدكتوراه في العلاقات الدولية من كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد، لموقع لوب لوغ: «كتب وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو تغريدة يقول فيها إن إيران نفذت 100 هجوم على السعودية من بينها هجمات الطائرات بدون طيار التابعة للحوثيين ضد أهداف تضمنت البنية التحتية والمرافق النفطية. على الرغم من أن الحوثيين حلفاء إيران، فإن ربط كل هجوم للحوثيين بإيران يعزز من الرواية المنتشرة في العاصمة واشنطن عن الحرب بالوكالة في اليمن. وتتجاهل أن هجمات الحوثيين بالطائرات بدون طيار غالباً ما تتخذ طابعاً انتقامياً للرد على الغارات الجوية السعودية، وليس بناء على طلب إيران».
ويوم الأحد، 15 سبتمبر/أيلول 2019، أكدّت إدارة ترامب على اتهامها لإيران. قال مسؤولون بالإدارة الأمريكية إن الهجمات جاءت من الاتجاه الغربي-الشمال الغربي، مما يعني العراق أو إيران وليس اليمن. واستشهدوا بصورة قمر صناعي تُظهر 19 نقطة تصادم على المرافق النفطية. ولكن مارك هيرتلنغ، القائد العام السابق للجيش الأمريكي، قال لشبكة CNN إن الصور «لا تُظهر أي شيء، بخلاف دقة جيدة جداً لاستهداف مخازن النفط». وأكد العميد البحري المتقاعد، جون كيربي، على ذلك، وقال: «لا أرى أي شيء في هذه الصور يؤكد على شن الهجوم من أي موقع محدد، ولكني صُدمت من دقة الهجوم. إنه دقيق جداً. وهو ممكن بالتأكيد باستخدام المركبات الجوية غير المأهولة. ولكن مجدداً، لا يثبت لك أي شيء».
وكتب ترامب على تويتر، بعد ساعات من حديثه مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان: «تعرضت إمدادات النفط السعودية للهجوم. هناك سبب يدفعنا للاعتقاد بأننا نعرف الجاني، والإعلان عنه مرهون بالتحقق، ولكننا ننتظر أن نسمع من السعودية من تعتقد أنه وراء هذا الهجوم، وما الشروط التي سنمضي من خلالها قدماً في هذا الأمر».
وقال واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية، إن الهجوم لم يُشن من العراق. وقال الهاشمي لموقع لوب لوغ: «خلال محادثة هاتفية، يوم الإثنين 16 سبتمبر/أيلول 2019، بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، قالت الإدارة الأمريكية إن هذه الطائرات لم تأتِ من العراق. تحاول العراق النأي بنفسها عن التوترات التي تشهدها المنطقة، ولكن الوضع الإقليمي صعب ومعقد».
وقلل ترامب، الذي جعل تخفيض الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط إحدى أولوياته، من نبرة خطاب إدارته بحلول يوم الاثنين، 16 سبتمبر/أيلول 2019. وعلى الرغم من قوله إن إيران قد تكون مسؤولة عن الهجوم، فقد ذكر أنه لا يريد حرباً وبدا أنه يلقي عبء الرد على السعودية. وقال ترامب: «هذا لم يكن هجوماً علينا. ولكننا بكل تأكيد سوف نساعد السعوديين». بينما ذكرت صحيفة Wall Street Journal أن المسؤولين السعوديين قالوا إنهم لم يتوصلوا بعد إلى نفس النتيجة التي تقول إن الهجمات شُنّت من إيران، وقالوا إن المعلومات التي نشرها مسؤولون أمريكيون ليست نهائية». سواء كان السعوديون يصدقون تلك المزاعم أم لا، يبدو أنهم أيضاً مترددون في خوض صراع عسكري مباشر مع إيران.
في يوم الإثنين، 16 سبتمبر/أيلول 2019، أعلن الحوثيون، مجدداً، مسؤوليتهم عن الهجوم. ووفقاً لوكالة Reuters، قال يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، عبر تويتر، إن الهجوم على حقول أرامكو في بقيق وخريص في المنطقة الشرقية من المملكة نُفّذ بواسطة طائرات بدون طيار تعمل بمحركات عادية ونفاثة. وقال أيضاً إن حقول النفط ما زالت مستهدفة وقد تتعرض للهجوم «في أي لحظة».
تحوُّل خطير في مجرى الحرب
خلال الشهور القليلة الماضية، بات الحوثيون أنجح في الوصول إلى أهدافهم داخل عمق السعودية، بما في ذلك المطارات. ومع ذلك، تظل هناك بعض الشكوك حول قدرتهم على تنفيذ تلك الهجمات على موقعين سعوديين، على بعد أكثر من 1,000 كيلومتر من العاصمة اليمنية صنعاء. ولكن أوضحمحققو الأمم المتحدة أن الطائرات بدون طيار الجديدة للمتمردين الحوثيين من طراز UAV-X يصل مداها إلى 1,500 كيلومتر، مما يعني أن ذلك الهجوم قد يكون في نطاق قدرات وإمكانات الحوثيين.
وبالرغم من الزيادة الهائلة في النفقات الدفاعية، يعاني السعوديون من أجل هزيمة الحوثيين وحماية أنفسهم من هجمات الحوثيين. في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، كتببروس ريدل، الزميل البارز في مؤسسة بروكينغز، أنه في عصر الرئيس أوباما، أنفقت السعودية أكثر من 110 مليارات دولار على الأسلحة الأمريكية؛ طائرات، ومروحيات، وصواريخ دفاع جوي. وقال إن هذه الصفقات «كانت الأكبر في التاريخ الأمريكي». وفي عام 2017، تشير أنباء إلى إنفاق السعودية 69.4 مليار دولار على جيشها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن السعودية سوف تشتري الدرع الصاروخية الأمريكية من تطوير شركة Lockheed Martin مقابل 15 مليار دولار.
وبالرغم من تلك النفقات الضخمة وفشلها الواضح في تحويل دفة الأمور في اليمن، تستمر الرياض في حربها بدلاً من الإقرار بفشلها في تحقيق أهدافها العسكرية. لقد أصبح جليّاً أن الحل السياسي فقط هو ما يمكنه حل الصراع اليمني. قال إبراهيم جلال، الباحث اليمني في شؤون الأمن والصراع والدفاع، لموقع LobeLog: «بالنظر إلى عدم قدرة القوات اليمنية المدعومة من التحالف أو الحوثيين من تحقيق انتصار عسكري صريح منذ مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في 207، أعتقد أن السؤال ينبغي ألا يكون حول إمكانية كسب الحرب الدائرة في اليمن عسكرياً. ينبغي أن يكون السؤال: كيف ستبدو التسوية السياسية الشاملة على الصعيد الوطني (التي تضع حداً للحرب وتمهد الطريق للمصالحة الوطنية والسلام المستدام)؟