تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية في اليمن بأنها الأسوأ على الإطلاق في العالم، حيث تعصف المجاعة بأكثر من ثلثي سكان البلاد، جراء الحرب المستمرة منذ اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء، إضافة إلى ما خلفه القتال من عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين وآلاف المؤسسات والمباني والمنشآت المعطلة أو المتوقفة أو المدمرة.
وزاد التمرد الذي قاده المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم الإمارات في شمال اليمن، التحديات الإنسانية التي تواجه المنظمات الأممية في اليمن. أقل من نصف مليون نازح جديد جراء الحرب والتهجير الاجباري في جنوب اليمن، التحقوا بأكثر من ثلاثة مليون نازح في اليمن وفق الأمم المتحدة، يأتي ذلك في ظل تنصل الدول المانحة من تعهداتها المالية المخصصة للإغاثة الإنسانية في اليمن.
مطلع الشهر الجاري، حذرت منظمة الصحة العالمية من وفاة 30 الف مريض بالسرطان، إن لم يتوفر التمويل اللازم لعلاجهم.
وأعلنت الأمم المتحدة في اغسطس، أنه إذا لم تفِ الدول المانحة بالوعود التي أعلنتها، فإنها ستخفض الحصص الغذائية التي يتقدمها لـ12 مليون شخص، وسيتم قطع الخدمات عن ما لا يقل عن 2.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية، إضافة إلى عدم حصول 19 مليون يمني على الرعاية الصحية بما في ذلك مليون امرأة تعتمد على الأمم المتحدة في مجال الصحة الإنجابية، مشيرة إلى إغلاق برامج المياه النظيفة لخمسة مليون شخص بنهاية أكتوبر القادم وستصبح عشرات الأسر بلا مأوى.
مؤتمر المانحين
في فبراير / شباط الماضي، رعت الأمم المتحدة مؤتمراً للمانحين بهدف تأمين دعم لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019 في اليمن، بقيمة 4.2 مليارات دولار لمساعدة 21.4 مليون شخص محتاج وجائع في اليمن.
وفي المؤتمر تعهد المانحون بتقديم 2.62 مليار دولار (2.14 مليار جنيه إسترليني)، لكن نصف هذا المبلغ فقط ما تم تسليمه للأمم المتحدة.
كانت السعودية والإمارات أبرز الدول المتعهدة، لكنها أيضاً أبرز الدول التي لم تفِ بالتعهدات التي أعلنتها في مؤتمر المانحين، حيث تعهدت الدولتان اللتان تخوضان عمليات عسكرية في اليمن منذ أربع سنوات، بتقديم مليار ونصف المليار دولار من إجمالي مليارين وست مائة مليون دولار.
وفي يونيو الماضي وجهت للبلدين انتقادات كبيرة من الأمم المتحدة على خلفية عدم الوفاء بالتعهدات، وقال مارك لوكوك مساعد الأمين العام للشؤون الإغاثية ومنسق الطوارئ، إن السعودية والإمارات "قدمت نسبة متواضعة من تعهداتها".
ورفضت –حينها- السعودية على لسان مندوبها في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، تلك الاتهامات مؤكداً أن بلاده دفعت أكثر من 400 مليون دولار للأمم المتحدة ومنظمات أخرى خلال العام الحالي 2019م.
وذهبت الإمارات إلى إنكار تلك الاتهامات، عبر نشر تقرير صادر عن وزارة التعاون الدولي، قالت فيه إن حجم المساعدات المقدمة لليمن تقدر بـ5.5 مليار دولار، وهو من وجهة نظر مراقبين مبلغ كبير جداً، كان يمكن له أن يغير الوضع الانساني في اليمن لو صدقت الإمارات في ادعائها.
وعود جديدة قديمة
في جلسة لمجلس الأمن بشأن اليمن الأسبوع الماضي، كشف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، عن وعود سعودية إماراتية بالوفاء بتعهدات مالية كان البلدان قد تعهدا بها في مؤتمر المانحين في فبراير الماضي.
وقال لوكوك إنه تلقى صباح الإثنين، تأكيداً من السلطات السعودية بأنها تخطط في 25 سبتمبر لتحويل 500 مليون دولار دفعة واحدة تنفيذاً للتعهد الذي قطعته في مؤتمر المانحين لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن في فبراير الماضي.
وأضاف لوكوك في إحاطته، حصل المصدر أونلاين على نسخه نصية باللغة الانجليزية منها، " أرحب بشدة بهذا وأتطلع إلى توقيع الاتفاقات في 25 سبتمبر إلى جانب تحويل الأموال في ذلك اليوم".
وأشار المسؤول الأممي إلى تخصيص الإمارات العربية المتحدة، 200 مليون دولار لخطة الاستجابة، يشمل ذلك 100 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي ومبلغ قدره 100 مليون دولار يتم توجيهه من خلال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وذلك للأولويات العاجلة.
ولم يوضح لوكوك ما إذا كانت الإمارات قد حولت فعلاً المبلغ المالي لحسابات الأمم المتحدة، لكنه أكد أن "عدم وصول هذه المخصصات إلى حسابات الوكالة المصرفية يعني أنها لن تتمكن من إعادة تفعيل برامج التطعيم ومراكز التغذية والوقاية من الكوليرا وغيرها من الأنشطة".
وحذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، من استمرار الأمم المتحدة في إجراءات اغلاق برامجها، مشيراً إلى أن برامج أخرى تستهدف ملايين الأشخاص ستبقى في خطر مهددة بالإغلاق إذا لم تتوفر الأموال التي تعهد بها المانحون.
ووفق إحاطة لوكوك فأن التعهدات السعودية والإماراتية جاءت قبيل جلسة مجلس الأمن، وكما يبدو أن البلدين استبقا أي توبيخ جديد من الأمم المتحدة بخصوص عدم الوفاء بالتعهدات المالية، وبادرا لتقديم تعهدات شفهية، بدفع جزء منها، مع احتمال أن لا يتم الدفع وهو ما يعني توقف الكثير من البرامج التي تنفذها الأمم المتحدة في مختلف المجالات في اليمن.
بيانات وأرقام الأوتشا
بعث "المصدر أونلاين" عدة استفسارات إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية باليمن "أوتشا"، حول التعهدات التي قطعها المانحون في فبراير، والأموال التي تم دفعها من كل دولة حتى منتصف شهر سبتمبر الجاري.
ورد مكتب "أوتشا" على استفسارات الموقع بقائمة "وثيقة" بالتعهدات التي تعهدت بها كل دولة لتمويل العملية الإنسانية، وأحال "المصدر أونلاين" إلى موقع المنظمة على الانترنت والذي يتضمن جدولاً بالأموال التي تم دفعها من كل دولة.
ورفضت المنظمة الأممية الرد على استفسارات الموقع بخصوص مدى التقدم في إقناع المانحين بالوفاء بتعهداتهم، والحجج التي يسوقونها لتبرير تأخر تحويل الأموال التي تعهدوا بها.
وقال فرانسيس سميث مسؤول الشؤون الإنسانية والتقارير في مكتب الأوتشا، إن الدول المانحة هي المعنية بالرد على استفسارات "المصدر أونلاين". موضحاً في رده عبر البريد أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يتابع التعهدات التي تم إعلانها، ولكنه لا يطرح نوع الأسئلة التي يبحث "المصدر أونلاين" عن الإجابة عليها".
ووفق البيانات والمعلومات التي حصل عليها "المصدر أونلاين"، فإن هناك عدة دول لم تفِ بالتزاماتها المالية للأمم المتحدة، فيما قدمت دول أخرى نسبة من تعهداتها، وما زالت الأمم المتحدة تحثها على الوفاء بكامل تعهداتها.
وفيما يلي ينشر المصدر أونلاين قائمة بتعهدات الدول المانحة وما تم الوفاء به حتى الـ17 من سبتمبر الجاري..