إذا كان أي شخص لا يزال لديه انطباع بأن "شمال اليمن" سوف يستسلم قريبا للضغوط العسكرية السعودية المكثفة، فمن المؤكد أن الهجوم الأخير على منشآت "أرامكو" على بعد نحو 200 ميل شرق الرياض حطم هذا الاعتقاد.
وإذا كان ما حدث يشير إلى أي شيء، فإنه يدل على أن الحوثيين، الجماعة القبلية التي تحولت إلى ممارسة السياسة في أعقاب انتفاضة اليمن عام 2011، أصبحت أقوى من ذي قبل.
وقد يجادل المرء بأن "أنصار الله" يتطلعون بالفعل إلى تصعيد الأعمال العدائية، لأن أي خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تضغط بشكل أكبر على المملكة العربية السعودية وتعرضها لمفاجآت جيوسياسية غير سارة، ما يسمح للحوثيين بترسيخ أنفسهم بشكل أعمق داخل نسيج اليمن الاجتماعي والسياسي.
وفي حين أن حرب اليمن والاضطرابات التي سبقتها جلبت مشقة لا يمكن تخيلها لما يقدر بنحو 26 مليون يمني، لكنها سمحت للحوثيين المحرومين من حقوقهم في السابق بتأسيس سلطة في شمال اليمن.
وعلى الرغم من أن هذا الصعود هو بالتحديد ما كانت المملكة تأمل في منعه عن طريق قصف جارتها الفقيرة، كانت الحرب بمثابة "سماد سياسي" عزز مكانة "عبدالملك الحوثي" كقائد للمقاومة ضد الاحتلال السعودي، وتزاداد شعبية "الحوثي" يوما بعد اليوم بسبب تصميمه على الدفاع عن اليمن أمام أي تدخل أجنبي.
وقد مرت 4 أعوام كانت خلالها المجاعة والرعب هما القوت اليومي لليمنيين، ولا يمكن لأحد الدفاع عن 4 أعوام من الحملة الوحشية والبشعة التي سببت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، والأهم من ذلك، أن المملكة وشركاءها الإقليميين قد فشلوا في تحقيق أي من أهدافهم، ما يطرح سؤالا حول جدوى استمرار الحرب.
تحول جيوسياسي
وفي الواقع لم تخدم حرب اليمن إلا في تدمير شبكة هشة ومعقدة بالفعل من التحالفات المتداخلة والمتناقضة في كثير من الأحيان، على الصعيدين المحلي والإقليمي.
وقد بدأت حرب اليمن الآن في إحداث تحول جيوسياسي عميق في المنطقة، ومن حيث المقاصد والأغراض، يبدو أن الجماعات التي تعمل وفق النموذج الثوري الإيراني صارت تفكر فيما وراء مصالحها الأيديولوجية والوطنية المباشرة، وتعمل في تناغم في سياق حركة إقليمية، على نحو مشابه للوحدة العربية.
وبعد أن كانوا وحدهم نسبيا، استفاد "أنصار الله" من دعم العديد من أشقائهم الأيديولوجيين، من لبنان إلى سوريا والعراق وإيران حتى البحرين، وقد اتحدوا جميعا في ما يفهمون أنه كفاح من أجل منع الهيمنة السياسية للسعودية وحلفائها.
تشكل هذه الفصائل مجتمعة اليوم ما يشبه حركة إحياء إسلامية شيعية عربية، يمكن إرجاعها بذورها إلى لحظة سقوط "صدام حسين"، وليس إلى ثورة 1979 الإيرانية، ويعد اليمن اليوم عنصرا شديد الأهمية في هذه الحركة، حيث جلبت مقاومته العنيدة للهجوم العسكري السعودي فرصا غير محدودة للتغيير.
وإذا اعتبر المرء أن هجمات الطائرات بدون طيار الأخيرة ضد السعودية، التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، قد تم شنها في الواقع من المواقع العسكرية الخاصة بالميليشيات المدعومة إيرانيا في العراق، يصبح من الواضح أن اليمن لم يعد يتصرف بمفرده، وأن هذه الفصائل صارت تشكل معا وحدة جديدة أكثر تنظيما في الشرق.
توقيت حساس
ويعد جلب الحرب إلى الداخل السعودي تحديا لسلامة أراضي المملكة ومصالح شركائها الأجانب. وتمر السعودية، الحليف التكتيكي للولايات المتحدة، بمرحلة انتقالية حساسة من جانبها، حيث يتطلع ولي العهد "محمد سلمان" إلى قمع العناصر الأكثر راديكالية داخل النظام، لإحداث التقدم الاجتماعي والإصلاحات الاقتصادية التي تمس الحاجة إليها.
ولا يمكن أن تكون الاضطرابات خيارا جيدا للمملكة في مثل هذا التوقيت.
وكانت الشكوك حول تورط العراق في اليمن، ومخزون الصواريخ الجديد لدى "وحدات الحشد الشعبي" قد دفعت (إسرائيل) إلى استهداف العديد من قواعد الميليشيا المدعومة إيرانيا، وهي خطوة تهدف إلى خفض مستوى قدرة الميليشيا على العمل ضد تل أبيب، في الوقت الذي ارتفعت فيه التوترات إلى حد كبير في الخليج العربي.
وأكد مسؤولون أمريكيون أن (إسرائيل) كانت وراء سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت قواعد ومستودعات الذخيرة التابعة لوحدات الحشد الشعبي العراقية في يوليو/تموز، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 22 أغسطس/آب.
وتدفع الشراكات الجديدة اليمن الآن إلى قلب العاصفة الجيوسياسية الأوسع، مع كل التعقيدات التي يجلبها ذلك.
ولم تكن حرب اليمن تتعلق فقط بطموحات الرئيس "عبدربه منصور هادي" الفاشلة، أو حتى التهديد الذي تمثله القاعدة. واليوم، قد تؤدي أي خطوة خاطئة إلى سقوط أحجار الدومينو الإقليمية، ما يؤدي إلى انهيار التوازن الإقليمي المؤقت.
ومن المفارقات أن الخوف من تحالف الحوثيين مع إيران هو الذي دفع السعودية لشن حرب لن يمكنها الفوز بها، وهو ما عزز في النهاية نفوذ ما يعرف بـ"محور الممانعة" الذي ترعاه إيران وأعطاه المزيد من الشرعية السياسية والأخلاقية.
وفي حين أن إيران لديها الرغبة في استخدام الوكلاء لإضعاف موقف المملكة في اليمن إلى حد كبير، لكنها قد تكون في حاجة للنظر في اتجاه آخر؛ حيث يطور العراق طموحاته المستقلة عن إيران.
وأكثر من ذلك، قد يكون لدى الحوثيين طموحات لم نتمكن من فهمها بعد، وتشير همسات حديثة العهد في صنعاء إلى رغبة جديدة في استعادة المحافظات التي خسرها اليمن من قبل لصالح السعودية عام 1934، وهي "عسير" و"جيزان" و"نجران".
وإلى الجنوب، تزيد الأجندات المحلية والإقليمية المتنافسة من حدة الصراع المشتعل بالفعل في اليمن، وبينما تقف الحركة الانفصالية الجنوبية في معارضة مباشرة لحكومة "هادي"، المدعومة من الأمم المتحدة، تتطلع فصائل أخرى في محافظتي "حضرموت" و"المهرة" إلى تأمين تحالف مع سلطنة عمان، لدعم مطالباتها بالاستقلال الإقليمي.
وفي حين أنه من المستحيل تقريبا في هذه المرحلة التنبؤ بنتيجة حرب اليمن، فمن الواضح بشكل صارخ أن الأمة المنكوبة بالحرب سوف تحدد مستقبل المنطقة، وكيف يتم ترجمة ديناميات القوة المتغيرة فيها.
المصدر | كاثرين شاكدام - نيو إيسترن أوتلوك