التحالف العربي

تداخلات خريطة الحلفاء والخصوم.. أين تلتقي وأين تفترق السعودية مع الإمارات جنوب اليمن؟

عند مدخل مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين جنوبي البلاد، رفع جنود يمضغون القات أسلحتهم الشخصية عاليًا عندما مر قائدهم ،وفي الجهة المقابلة يرفرف، فوق عمود أنارة، علما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقًا ودولة الإمارات التي تدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي التي كانت فرضت سيطرتها على مركز المحافظة الساحلية شرق عدن أواخر أغسطس الماضي.

 

لكن الطريق المؤدي إلى خارج زنجبار العاصمة يحفل بالعديد من المصاعب بالنسبة لقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، فقوات الحكومة المعترف بها دوليًا تتمركز بكثافة في بلدة شقرة الساحلية الواقعة إلى الشرق من زنجبار، وتنتشر قوات موالية للحكومة تحمل علم اليمن الموحد في "قرن الكلاسي" وهو جبل صغير يقع عند مدخل البلدة، وفي سلسلة جبال العرقوب الواقعة على مشارف شقرة من اتجاه المنطقة الوسطى.



والآن فإن إستمرار طرفي الصراع في الدفع بالمزيد من القوات العسكرية عند مناطق التماس بينهما يمكن أن يعيد تقسيم خارطة النفوذ والسيطرة في مدن جنوبي اليمن ويثبت مكاسب الطرفين، لكن في الحالة العامة يبدو أن عملية الحشد العسكري التي تأتي بالتزامن مع تعثر حوار جدة غير المباشر، عامل تحفيز لتجدد عملية الإشتباك في أبين وعدن.


لكن جولة سريعة في طبيعة التحرك الذي تبديه الإمارات يشير إلى عزم الأخيرة مواصلة دعم حلفائها الجنوبيين بغية تثبيت حضورها في ميناء عدن وقرب مضيق باب المندب حتى الرمق الأخير، غير أن السؤال الذي يبحث عن أجابة في الأحداث التي شهدها جنوب اليمن يتعلق بكيف يمكن أن يقرأ الموقف السعودي في ملف الأزمة بين الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي. – لماذا صعّدت الإمارات خطواتها في عدن وكيف تقبلت الرياض الأمر؟ حتى الآن، بعد مضي قرابة الشهر ونصف من الغارة الجوية الإماراتية التي استهدفت وحدات من القوات الحكومية في نقطة العلم (12 كيلو متر شرق عدن)، لا يزال الحديث دائراً في الأوساط اليمنية بشأن ما إذا كانت الضربة الجوية تمت بتنسيق ثنائي بين الرياض وأبو ظبي لتثبيت عملية المقايضة في النفوذ التي بدأت من شبوة، أم أن الأمر مثّل إحدى خطوات فرض الأمر الواقع التي لجأت إليها أبو ظبي للإبقاء على نفوذها في عدن.



تتخذ الإستراتيجة السعودية في اليمن طابعًا حذِراً في المسائل الداخلية اليمنية لكنها في أغلب الخلافات اليمنية الداخلية تبرز كوسيط كما بات واضحاً حتى الآن إذ تضمن بيانان سعوديان أحدهما مشترك مع الإمارات لغة الحياد التي تتخذها السعودية في اليمن إزاء الصراعات الداخلية بغية كسب كل القوى ومحاولة الإستفادة منها ومن قواعدها الشعبية في الحرب ضد الحوثيين، كما أن الرياض تميل كما بدا واضحاً إلى تأجيل البت في تفاصيل الملف اليمني قبل أن تتمكن من شل قدرات الحوثيين الهجومية وتحجيم النفوذ الإيراني قرب حدودها الجنوبية.

 

وتسير الإمارات بشكل معاكس فمنذ الأيام الأولى لبدء عمليات التحالف بدأت الاستراتيجة الإماراتية للتعامل مع القوى المحلية في اليمن تبرز بشكل لافت ولم يحتج اليمنيون في الشمال والجنوب على حد سواء لفترة طويلة حتى يدركوا من هم أصدقاء الإمارات ومن أعداؤها.
والإحتمال الأرجح أن تقف السعودية بإسناد من الولايات المتحدة للتركيز بشكل واضح على كيفية تحجيم الحوثيين وتأجيل القضايا الأخرى، بينما تقف الإمارات ومن خلفها بريطانيا حول مساعي لتمكين "الانتقالي الجنوبي" المتبني لمشروع الإنفصال من إدارة الملف الجنوبي قبيل حسم الحرب مع الحوثيين، ويبدو الأمر متعلقاً باندفاع بريطانيا نحو إعادة إحياء حضورها في الشرق الأوسط عبر الإمارات.

 

والآن يبدو الموقف السعودي يدور صوب فرضية رئيسية تعد الأقرب بناءً على طبيعة التحرك السعودي والرسائل التي سعت من خلال بيانات أصدرتها الأسابيع الماضية، إلى توصيلها لطرفي النزاع.

 

تتجه الفرضية نحو ما يمكن اعتباره خطوة وقائية قامت بها الإمارات العربية للمتحدة للإبقاء على حضورها في عدن بعد أن بدأت الحكومة مساعي لتعزيز حضورها في عدن بدعم سعودي وبناء قوات محلية مدعومة سعوديًا في محافظات جنوب اليمن، ما أدى إلى إعلان قيادة "الإنتقالي الجنوبي" النفير العام لإسقاط الحكومة لكن الهدف لم يكن الحكومة التي لم تكن موجودة بالفعل آنذاك، بل قوات الحماية الرئاسية التي تتهمها أبو ظبي وحلفاؤها المحليين بالإرهاب، وهي ذات التهمة التي تلصقها الإمارات بالإجمال على القوات التابعة للرئيس هادي وحكومته.

 

كان مسؤولون سعوديون بارزون قد التقوا وزير الداخلية اليمني قبيل سيطرة التشكيلات المسلحة المدعومة من الإمارات والتابعة لـ"الإنتقالي الجنوبي" على مدينة عدن وبحسب مصادر مقربة من الوزير الميسري قالت آنذاك إن اللقاء تضمن وعوداً سعودية بدعم الأجهزة الحكومية في المدينة وتشكيل غرفة عمليات أمنية موحدة لمواجهة خلل تداخل الصلاحيات وتردي الأمن في المدينة.

 

بالتزامن بدأت ملامح التفاتة سعودية صوب محافظات الجنوب لاسيما عدن، إذ أرسلت السعودية قوات عسكرية إلى أبين كانت ترابط قرب حدودها وبالمقابل دعمت إنشاء لواء حديث في مديرية لودر شمالي شرق أبين، وإذا لم يكن هذا التحرك السعودي صوب عدن يتضمن حضورا مباشراً للرياض فإنه لن يخرج عن مسعى سعودي لإيجاد توازن قوى بين القوات الحكومية من جهة والمجلس الإنتقالي الجنوبي من جهة أخرى، ومن جانب فإن مفتاح الدخول السعودي لجنوب اليمن كان سيأتي عبر إعادة تفعيل فرضية الحرب ضد الحوثيين في المناطق المتبقية في الجنوب عبر إنشاء قوات من السلفيين والمقاتلين الموالين للرئيس هادي.

 

فطنت أبو ظبي للتحرك الحكومي المتزامن مع الدعم السعودي الذي أرادت من خلاله الرياض تحسين صورتها أمام القوى الكبرى التي تعتقد أن وجود حكومة شرعية ضعيفة في اليمن يعطي الحوثيين بعض الدعم في مناطق سيطرتهم وهو ما مثل أحد دوافع التحرك السعودي.

 

لكن قراءة الرياض للوضع جنوبًا لم تكن جيدة كما أنها أتت متأخرة كثيرًا إذ بات المجلس الانتقالي الجنوبي أقوى خلال الثلاثة أعوام الأخيرة التي تمكن فيها وبدعم إماراتي من بناء قوته وتعزيز سيطرته على الأرض، وهي ذات الفترة التي شهدت بالتوازي تراجع أداء الحكومة الشرعية، المغيبة في الرياض، وباتت أقل حضوراً في المحافظات الجنوبية خصوصاً في المجالين السياسي والعسكري.

 

أنتبهت أبو ظبي لمحاولات الحكومة استعادة حضورها في عدن، والذي أتى على وقع دفعة سعودية، لكن مقتل القيادي في الحزام الأمني التابع للإنتقالي، العميد منير اليافعي (أبو اليمامة) مثل تبدلاً بالغًا في نطاق السيطرة والنفوذ جنوبي اليمن، ويمكن القول إن الإمارات وحلفاؤها أستثمروا جيداً حادثة مقتل اليافعي لتضع الإمارات حليفتها السعودية أمام خطوة الأمر الواقع بعدما وظفت خطوات رد الفعل الشعبية الجنوبية بشقيه العسكري والإجتماعي على حادثة مقتل اليافعي في سياق التحشيد ضد ما تقول دوائر في المجلس الانتقالي الجنوبي، إنها قوات حزب الإصلاح، في إشارة إلى قوات الحكومة الشرعية وتحديداً ألوية الحماية الرئاسية التي يقودها نجل هادي.


طيلة أيام الصراع لم يخرج بيان سعودي حازم ضد طرفي النزاع في عدن لكن رجال الإعلام في المملكة أظهروا انقسامًا ما بين مؤيد للحكومة وآخر مساند للمجلس الانتقالي الجنوبي وهذا الانقسام هو تذكير بإن الرد السعودي على الصراع كان من المتوقع إن يتضمن الدعوة لوقف الإقتتال والذهاب لحوار وهذا تبيان فعلي للموقف السعودي الذي بدا متماهيًا مع خطوة الأمر الواقع.



وحتى الآن في الجانب السياسي تحاول السعودية إيجاد صيغة عمل مشترك لإحتواء القوى اليمنية المتنازعة مع الحكومة وهي المجلس الانتقالي الجنوبي وجناح حزب المؤتمر التابع للرئيس السابق علي عبدالله صالح وهما مدعومان من الإمارات، بحيث يمنح المجلس الانتقالي حقائب وزارية في تشكيلة حكومية جديدة مع إعطاء حزب المؤتمر حقائب وزارية أخرى إلى جانب تعيين نائبي رئيس وزراء أحدهما من الانتقالي وآخر من المؤتمر على أن يكون رئيس الوزراء مرشحًا من قبل الرئيس عبد ربة منصور هادي.


لكن الجانب العسكري يبدو مُغلمًا بالعديد من المصاعب إذ يواصل كلا الطرفين تعزيز قواته قرب مناطق الإشتباك إلى جانب صعوبة تراجع أحدهما عن المكاسب التي تحصل عليها إبان الصراع الأخير.


لكن توقف طرفي المواجهة في الجنوب عند نقاط معينة والحشد باتجاهها يمكن قراءته في إطار مساعي كل منهما للحفاظ على مكاسبه والتوقف عندها وفق الضغوط التي تفرضها الرياض على الجانبين لإيقاف أي محاولة للتقدم صوب منطقة نفوذ الآخر، على أن يتضح الأمر وما إذا كان يمثل ترتيباً طويل الأمد أم خطوة مؤقتة لحلحة الصراع.


كما أن الأمر كذلك يحتمل التمهيد لعملية تقسيم منطقة الجنوب اليمني إلى إقليمين يضم الأول المحافظات الجنوبية الشرقية حضرموت وشبوة والمهرة إلى جانب جزيرة سقطرى وأجزاء من محافظة أبين مقابل إقليم آخر يضم عدن ولحج والضالع واجزاء من أبين غير أنه حتى الآن لا يبدو الأمر أكيدًا إذ ستصبح الإحتمالية أكبر لتوسع الصراع مع تداخل عملية النفوذ في المحافظات الشرقية التي تخضع أجزاء منها للإمارات وتخضع أخرى للحكومة مع حضور سعودي.


* هل تختلف السعودية مع الإمارات وماهي دوافع الخلاف وأسبابه؟


بشكل عام أصبحت السعودية تشعر بأن فرضية محاربة الحوثيين التي كانت سببًا رئيسيًا في إطلاقها للعمليات الجوية ضد حلفاء إيران المحليين لم تعد بذات الفاعلية كما كانت في البداية مع بروز ملف الصراع بين الإمارات والحكومة اليمنية من جهة وبين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية إلى جانب تسبب الأحداث الأخيرة في إعادة جانب من خطاب الصراع التقليدي القديم في الجنوب بين محافظة أبين التي ينتمي لها الرئيس اليمني عبدربة منصور هادي وعدد من قادة الجيش والحكومة من جانب، وقادة في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ينتمي غالبيتهم لمحافظتي الضالع ولحج من جانب آخر.



والآن فإن أحد أسباب ما يمكن اعتباره خلافًا سعوديًا إماراتيًا يتعلق بتسبب الأخيرة في بعض المشاكل والحرج للرياض، إذ أدت التدخلات الإماراتية في عدن وعرقلة عمل الحكومة ومنع مسؤولين يمنيين من مزاولة أعمالهم من المدينة إلى قلق سعودي بالغ من تضرر تحالف محاربة الحوثيين لأن الصراع الآن أنتقل من مواجهة الحوثيين إلى داخل منظومة التحالف نفسها بين الحكومة اليمنية والإمارات وفي هذه الحالة لن يمثل الموقف السعودي، إذا ما كان مؤيدًا للإمارات، أي قوة تذكر لأنه سيرفع من كلفة الملاحقة القانونية للرياض وسيجرد التحالف من الغطاء الشرعي لتدخله.



تعتقد الرياض أن استمرارية الصراع في جنوب اليمن سيمنح الحوثيين حيزًا للتحرك ومهاجمتها مع انشغال جزء كبير من قوات الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي بالصراع مع بعضها البعض، كما أن مخاوف السعودية تتعلق بإمكانية أن يؤدي صراع الحكومة مع المجلس الانتقالي إلى تراجع المواجهة في المناطق الملاصقة لحدودها الجنوبية ما يجعلها هدفًا مباشرًا لهجمات الحوثيين، مع توقع أن تنسحب بعض الوحدات العسكرية التابعة لطرفي النزاع إلى مواقع المواجهات في الجنوب.


وليس هذا فحسب هو ما يقلق السعودية لكن الحديث أكثر يتركز حول ما يمكن أن يصدر من مواقف من القواعد الشعبية للفريق المهزوم في حالة تجدد الصراع بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي وهذه يمكن قراءتها في اتجاهين.


الأول هو أن جزءً من الصراع يتركز في صراع تقليدي حول السيطرة والنفوذ بين مناطق الجنوب وهو يمثل تجديداً لجولات الصراع الأهلية الجنوبية ودوافع الثأر التي تحضر للمرة الثالثة عقب المجزرة التي شهدتها عدن في 13 يناير 1986 وحرب صيف العام 1994 التي كان جزء منها يدور حول عملية انتقام للجناح الجنوبي العسكري المهزوم في ال13 من يناير.


الآن مع أن المواجهات تدور بين حكومة شرعية ومجلس انتقالي جنوبي، تصنفه الحكومة كمليشيات متمردة، لكن لاتزآل آثار الصراع المناطقي حاضرة إذ تضم جبهة الحكومة عدداً كبيراً من الوزراء والقادة العسكريين الذين ينتمون لمحافظتي أبين وشبوة بينما تخضع القيادة الرئيسية للمجلس الانتقالي الجنوبي بشكل رئيسي لنفوذ وسيطرة محافظتي لحج والضالع وبالتالي تدرك السعودية أن خيارات المهزوم ستكون محدودة لكنه ربما يلجأ للتحالف مع الآخر وهذا قد يشكل متاعب كبيرة للتحالف بقيادة السعودية لأن كِلا منطقتي الصراع في الجنوب تمثلان ثقلاً عسكرياً وإجتماعياً كبيراً وهو أمر سيتم استخدامه لاحقًا ضد الحضور الخليجي.


في حين يمثل الإتجاه الثاني من الصراع، نزاعاً بين قوات قامت بانقلاب على حكومة شرعية معترف بها دوليًا وهو أمر يضع التحالف قبل الحكومة في إحراج كبير أمام المجتمع الدولي وفي موقف صعب أمام قواعد كبيرة من اليمنيين المؤيدين للوحدة في الشمال والجنوب معًا، ومع أنه لا ردود فعل قوية أتخذتها الحكومة أو القوى المحلية والقبلية الموالية لها حتى الآن إزاء طرد الحكومة من عدن لكن فيما إذا تجدد الصراع وأدى هذا لهزيمة قوات الحكومة فسيتزايد الضغط على السعودية لا سيما من المحافظات اليمنية المجاورة حيث من الممكن أن تؤدي أي خسارة للحكومة لتبدل تحالفات بعض رجال القبائل وهو ما قد يحفز لتحركات أوسع في مناطق أخرى الأمر الذي سيمثل خدمة مباشرة للحوثيين وضرب لمصالح السعودية والإمارات معًا.