ترجمة: عربي بوست
الخلافات بين السعودية والإمارات لم تعد خفية ويبدو أنها تتسع، وانعكس ذلك على حدوث تباعد واضح بين الحليفين في ملف آخر وهو الملف السوري، أبرز المستفيدين من هذا التباعد هو الدب الروسي الذي يتسلل بينهما بهدوء، مكتسباً أرضية جيوسياسية مهمة في منطقة الخليج.
موقع لوب لوغ الأمريكي تناول القصة بالتفصيل في تقرير بعنوان: «روسيا تستغل التباعد بين السعودية والإمارات»، ألقى الضوء على استراتيجية روسيا الحالية والمستقبلية، أعده صمويل راماني باحث دكتوراه بقسم السياسة والعلاقات الدولية في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد.
زيارة تاريخية للسعودية
في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل، سيجري الرئيس الروسي فلاديمير زيارته الأولى للمملكة العربية السعودية منذ عام 2007. وتؤكِّد هذه الزيارة بروز روسيا بصفتها أحد أصحاب المصالح الجيوسياسية الرئيسيين في شبه الجزيرة العربية، وتعطي موسكو فرصةً لتوطيد شراكتها مع المملكة العربية السعودية في قضايا متنوعة بين أمن الطاقة وانعدام الاستقرار في شمال إفريقيا. غير أنَّ هذه الزيارة تأتي في وقتٍ يواجه فيه التحالف السعودي-الإماراتي توترات، إذ تُسلِّح كلتا الدولتين فصيلين متناحرين في اليمن، وتتبع سياساتٍ متناقضة تجاه إيران.
وبينما تأمل الولايات المتحدة أن تحل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلافاتهما، ويمثِّلا جبهةً موحدة ضد إيران، فإنَّ روسيا تعتبر التباعد المتزايد بين أجندتي السياسة الخارجية السعودية والإماراتية فرصةً جيوسياسية. ونظراً إلى أنَّ سياسات الإمارات تجاه اليمن وسوريا وإيران لا تحظى بدعمٍ من الرياض أو واشنطن، تحاول روسيا استغلال النقاط المشتركة بينها وبين الإمارات في هذه الجبهات لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وأبوظبي. هذا ويتزامن تودُّد روسيا إلى الإمارات العربية المتحدة مع إبدائها إشاراتٍ استرضائية موازية تجاه المملكة العربية السعودية، وهو ما يضمن استمرار تحسُّن العلاقات بين موسكو والرياض، وإمكانية استفادة روسيا من أي تقاربٍ بين السعودية والإمارات في المستقبل.
روسيا وملف اليمن
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ روسيا تلتزم سياسة عدم الانحياز الاستراتيجي في اليمن منذ بدء التدخل العسكري بقيادة السعودية في عام 2015، ولم تغيِّر هذا النهج في ظل التطورات الأخيرة. وفي الوقت نفسه، تقاربت سياسة روسيا في اليمن من سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة هناك بالأشهر الأخيرة، في الوقت الذي أقامت فيه موسكو علاقات أوثق مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
ففي مارس/آذار الماضي، كانت وزارة الخارجية الروسية أول من وجَّه دعوةً رسمية إلى المجلس الانتقالي الجنوبي لزيارة موسكو. وفي بيانٍ صدر في 10 أغسطس/آب الماضي، رفض نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، إدانة استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن أو تأكيد أهمية الوحدة اليمنية، مثلما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد استيلاء المجلس على عدن.
طموحات روسية في جنوب اليمن
ويُمكن القول إنَّ الإشارات الروسية الاسترضائية تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي تهدف إلى تعزيز علاقة موسكو بالإمارات العربية المتحدة. إذ ذكر كيريل سيمينوف، وهو محللٌ عسكري يقيم بموسكو، أنَّ تقارب روسيا من المجلس الانتقالي الجنوبي يعكس الأهمية المتزايدة لدولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها شريكةً لروسيا، وأنَّ وجود شركات روسية عسكرية خاصة في جنوب اليمن -حسبما ذكرت بعض التقارير- يوضِّح إمكانية التعاون المستمر بين روسيا والإمارات العربية المتحدة.
ونظراً إلى أنَّ روسيا قد يكون لديها بعض الاهتمام بإنشاء قاعدة بَحرية أو عدة قواعد بحرية في جنوب اليمن، فوجود علاقة قوية بينها وبين الإمارات العربية المتحدة من شأنه أن يمنع أي احتكاكاتٍ محتملة قد تنشأ بسبب دخولها منطقة نفوذ أبوظبي. وصحيحٌ أنَّ روسيا من المستبعد أن تدعم استقلال جنوب اليمن دعماً مباشراً، لأنَّ ذلك سيخلق خلافات حادة بينها وبين المملكة العربية السعودية، يمكن أن تعتبر موسكو تسهيل ضم المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مفاوضات السلام التي تتوسط فيها الأمم المتحدة وسيلةً للتودُّد إلى الإمارات العربية المتحدة، دون تعريض استراتيجيتها المتوازنة في المنطقة للخطر.
الإمارات والملف السوري
وفي سوريا، ترى روسيا أنَّ قرار الإمارات العربية المتحدة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد يُعَد بادرةً إيجابية تُبشِّر بتعزيز التعاون. وكان بعض المحللين البارزين، مثل ألكسندر أكسينينوك نائب رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي، يأملون في البداية أن يُسفر هذا التحوُّل في سياسة الإمارات العربية المتحدة إلى تطبيع علاقات سوريا مع دول عربية أخرى، وتعديل موقف المملكة العربية السعودية من الأسد. ولكن نظراً إلى أنَّ هذه التغييرات الشاملة في نهج العالم العربي تجاه سوريا لم تنته بعد، فإنَّ روسيا تعيد توجيه تركيزها بعيداً عن السياق الإقليمي وتوجِّهه نحو تعزيز تعاونها مع الإمارات العربية المتحدة في سوريا.
ففي 31 يناير/كانون الثاني الماضي، شارك نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، في محادثات مع مستشار الأمن القومي الإماراتي الأمير طحنون بن زايد آل نهيان، حول الوضع شمال شرقي سوريا، وهو ما أعاد تأكيد الرغبة المشتركة بين موسكو وأبوظبي في احتواء النفوذ التركي بهذه المنطقة. وكذلك يعد تمويل عملية إعادة الإعمار التي يقودها الأسد من مجالات التعاون المهمة الأخرى بين روسيا والإمارات العربية المتحدة في سوريا.
ولذلك، أشادت وسائل إعلامية روسية بقرار قادة الأعمال الإماراتيين السفر إلى معرض دمشق التجاري في 30 أغسطس/آب الماضي، رغم التحذيرات الأمريكية. وفي ظل استمرار رغبة الإمارات العربية المتحدة في التصرُّف بصورةٍ مستقلة عن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في سوريا، يمكن أن توجه روسيا دعوةً إلى أبوظبي للمشاركة في محادثات أستانا المستقبلية بصفتها مراقباً، وهو ما سيؤكد مكانة الحَكَم الدبلوماسي التي تحظى بها روسيا في الشرق الأوسط.
ملف أمن الخليج
وبالنسبة لأمن الخليج، فروسيا تتعامل معه بحذرٍ أكبر من الحذر في تعاملها مع قضية اليمن أو سوريا، في ظل وجود اختلافات أساسية بين موسكو وأبوظبي بشأن دور إيران في الشؤون الإقليمية. ومع ذلك، تنظر روسيا إلى نهج الإمارات العربية المتحدة الأشد حذراً في التعامل الدبلوماسي مع إيران، والذي تجلَّى في عدم رغبتها في إلقاء اللوم على طهران في الهجمات التي وقعت على ناقلة النفط بميناء الفجيرة الإماراتي في مايو/أيار الماضي وحوار الأمن البحري الأخير مع إيران، بنظرة تفاؤل.
وهذه النظرة الإيجابية إلى جهود الإمارات العربية المتحدة الرامية إلى تخفيف حدة التوترات مع إيران أسهمت في زيادة الاجتماعات الدبلوماسية بين روسيا والإمارات العربية المتحدة حول أمن الخليج. ففي 26 يونيو/حزيران الماضي، سافر وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى موسكو، ثمَّ ردَّت الإمارات الدعوة الروسية في 1 سبتمبر/أيلول الجاري، حين التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في دبي. وفي كلا الاجتماعين، نوقشت استراتيجيات تخفيف حدة التوتر بالخليج.
وتكشف هذه الجهود الدبلوماسية الروسية كذلك عن رغبة موسكو في إقناع الإمارات بمزايا خطتها الأمنية الجماعية في الخليج. وهذه الخطة المقترحة تؤكِّد الحاجة إلى التشاور العالمي مع الأطراف المعنية، وتدعو إلى زيادة مشاركة مجلس الأمن في قضايا الأمن الإقليمي. لكنَّ الإمارات العربية المتحدة من المستبعد أن توافق على هذه الخطة المقترحة على المدى القصير، إذ تظل أبوظبي ملتزمةً استراتيجية الضغط الأقصى التي تنتهجها إدارة ترامب تجاه إيران. ولكن في ظل تفاقم خطر وقوع مواجهة عَرَضية بين الإمارات وإيران، تأمل روسيا أن تسفر نقاط الضعف الاقتصادية لدى الإمارات عن دفعها إلى عدم التصعيد وتقريبها إلى رؤية موسكو للأمن الإقليمي.
استمرار التباعد من مصلحة روسيا
وفي الوقت الحالي، يعد السيناريو الأمثل من وجهة نظر روسيا هو «استمرار التباعد» بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بقدرٍ يجعل أبوظبي تواصل سياستها الخارجية المستقلة، لكن لا يصل إلى حدوث شقاقٍ مباشر صريح بينهما.
ومع ذلك، تأمل روسيا أن تؤثِّر الإمارات العربية المتحدة في سياسات المملكة العربية السعودية تأثيراً يعود بالنفع على مصالح موسكو في نهاية المطاف، وأن تعيد الرياض وأبوظبي ترتيب سياساتهما. ويُمكن القول إنَّ إيمان روسيا بإمكانية تحقيق هذا السيناريو ينبع من الطريقة التي تنظر بها موسكو إلى ديناميات القوة الكلية في الخليج. إذ قال أندريه كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، إنَّ دور الهيمنة الإقليمية في الخليج «مشتركٌ» بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكنَّ أبوظبي هي التي تضع «الأيديولوجية السياسية والرؤية الاستراتيجية» لذلك التحالف.
وفي الوقت الذي تتخذ فيه روسيا خطواتٍ علنية لتعزيز شراكتها مع الرياض في هذه الفترة التي تشهد تباعداً بين الإمارات والسعودية، مثل التفاوض على اتفاق بشأن صادرات القمح وتعزيز الثقة علناً في اتفاق «أوبك بلس» الذي يهدف إلى استقرار أسعار النفط، تأمل موسكو أن تُسهِم إعادة التقارب بين السعودية والإمارات بالمستقبل في توطيد علاقة روسيا مع السعودية على المدى البعيد. وإذا تحققت هذه النتيجة، واستطاعت روسيا الحفاظ على سياستها المتوازنة بين إيران والسعودية والإمارات وقطر، رغم صعوبة تحقيق ذلك، فسيستمر نفوذ موسكو بالخليج سنواتٍ قادمة.