كتب: نبيل سبيع
كان الحاكم قبل ثورة 26 سبتمبر يدعي أنه يستمد حقه في الحكم من الله. وكان يدعي أنه منزه ومقدس فوق النقد وفوق البشر. وكان ملكاً على حياة الناس ورقابهم. وكان يدعي الأفضلية المطلقة على سائر اليمنيين في النسب والإنتماء والحق الإلهي الحصري له وعائلته وسلالته في الحكم. ويجعل الناس ينحنون أمامه ويقبلون يديه وركبتيه وحتى رجليه. وكانوا يطلقون عليه "سيدنا ومولانا الإمام". ولا يجوز لأحد أن يعترض عليه أو ينتقده أو يفكر حتى مجرد تفكير بمطالبته بمغادرة السلطة. وكانت "الدولة" ملكية ومسجلةً حتى في إسمها الرسمي بإسم عائلته!
جاءت ثورة 26 سبتمبر، وغيرت هذا الواقع الإمامي المزري المهيمن على حياة ورقاب الناس وعلى إسم ومعنى البلد. ونزعت القدسية عن الحاكم "الإمام".
وأتت برؤساء جمهورية مختلفين، كانوا مختلفين بقدر اختلاف وجهات نظرنا فيهم، لكنهم كانوا يتشابهون جميعا في أنهم لم يكونوا يدعون الحق الإلهي في الحكم ولا يدعون القدسية الإلهية، ولا يدعون لأسرهم عرقا نقيا مميزا عن سائر عروق الناس، وأنهم كانوا رؤساء جمهورية وبعضهم كانوا أبناء فلاحين بسطاء، ولم تكن الدولة مسجلةً باسم عائلاتهم في إسمها الرسمي. وكان الناس يجرؤون في عهدهم الجمهوري على مطالبتهم بمغادرة السلطة وعدم تمكين أبنائهم وأقربائهم من السلطة.
هذا وحده سبب كافٍ لإعتبار ثورة 26 سبتمبر عظيمة.
وهناك طبعا أسباب أخرى كثيرة لاعتبار ثورة 26 سبتمبر عظيمة (يعرفها الكثير كي لا أقول الجميع، وسأحاول تناولها في منشورات لاحقة)، لكني أكتفي هنا بهذا السبب: أن ثورة 26 سبتمبر أسقطت القدسية عن الحاكم الذي يستمد حقه في الحكم من الله مباشرة ويستحوذ عليه باسم الله شخصيا، وأسقطت حقه في الاستحواذ العائلي والسلالي على الحكم والسلطة والوظيفة العامة، أسقطت كل هذا، وأسقطته.
إذا لم يكن هذا سببا كافيا في نظرك للإحتفال بهذه الثورة، فهيا تفضّل يا عزيزي!
ها قد عاد إلينا الإمام!
ها قد داهمنا ما هو أسوأ من الإمام وهو عبدالملك الحوثي!
اذهب وبايعه!
أو عليك أن تقوم ضده كما قام ضد الإمام ثوار سبتمبر!
لا مناص!
حتى إذا كانت ثورة 26 سبتمبر قد فشلت كما تظن، وهذا غير صحيح، فإنها قد أصبحت أمامنا ثورةً علينا أن ننجزها اليوم أو غدا أو حتى بعد خمسين عام بعد أن أصبح أمامنا ما هو أسوأ من الإمام.
وإذا لم ننجح نحن، فعلى أبنائنا أن يفعلوا ذلك!
ثورة 26 سبتمبر لم تعد وراءنا يا عزيزي قدرما أصبحت أمامنا.
ولهذا علينا أن نحتفل بها كل يوم وكل عام لأنه حتى أبناؤنا عليهم أن يحتفلوا بها.