يعد الرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك، أول رئيس فرنسي خضع للمحاكمة منذ الحرب العالمية الثانية، إذ أدين عام 2011 بتبديد المال العام، وحكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ.
فمن هو جاك شيراك؟
ولد جاك ريني شيراك عام 1932، وهو ابن مدير مصرف أصبح في مرحلة لاحقا مديرا لشركة داسولت للطائرات.
وخدم شيراك في الجيش الفرنسي في الحرب التي دارت بين الجيش الفرنسي والمقاتلين الجزائريين عام 1954.
وكان معجبا بالجنرال شارل ديغول الذي ألهمه الدخول الحياة العامة، كما تلقى تعليمه في المدرسة الوطنية للإدارة التي كانت مدرسة بارزة في فرنسا، وكان يفكر في اعتناق الفكر الشيوعي والفكر السلمي المناهض للحروب.
وفي الستينيات أصبح شيراك مساعدا لرئيس الوزراء جورج بومبيدو، الذي وضعه على طريق المناصب السياسية العليا وعينه وزيرا بلا حقيبة عام 1967.
وكان رئيس آخر وهو فاليري جيسكار ديستان الذي ولاه رئاسة الوزراء عام 1974، وهو المنصب الذي شغله على مدى عامين قبل أن يستقيل.
وفي عام 1976 أسس شيراك حزبه الخاص، وهو حزب التجمع من أجل الجمهورية، الذي انضم إلى أحزاب أخرى ليشكل حزب الاتحاد لحركة شعبية.
وانقطعت فترة توليه لمنصب رئيس بلدية باريس (1977 - 1995) في الفترة من 1986-1988 عندما عاد لرئاسة الوزراء لمشاركته الشهيرة في إدارة البلاد مع الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، الذي بدا سعيدا بتغيير الحكومة ذات التوجه اليميني كلما سنحت له الفرصة.
وفي عام 1995 مع احتضار ميتران، فاز شيراك بالرئاسة، بعد أن كان ترشح في الانتخابات الرئاسية في عامي 1981 و1988 وخسر في الحالتين.
"بونابرت الحربائي"
وكان أحد الألقاب التي أطلقت على شيراك اسم "بونابرت الحربائي".
وبعد أن كان شيراك مناهضا للاتحاد الأوروبي، أصبح من أشد مؤيدي الوحدة الأوروبية.
وخاض شيراك الانتخابات الرئاسية عام 2002 متخذا منحى يساريا ناعما، ومتعهدا بـ "مداواة الكسر الاجتماعي"، ولكنه لاحقا عين وزير مالية من اليمين "الثاتشري".
وأمر شيراك بإجراء تجارب نووية في المحيط الهادي، ثم أصبح نصيرا للبيئة.
وقال وزير البيئة السابق بريس لالوند "إن شيراك يلتهم أفكار الجميع".
وفي عام 1997 حل شيراك الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) قبل عام من الموعد المحدد لذلك على الرغم من وجود أغلبية يمينية قوية.
وأدى ذلك إلى خسارة مؤيديه الانتخابات، واضطر إلى أن يمضي الخمس سنوات الأخيرة في فترة رئاسته في ما يسمى بـ "تعايش" مع برلمان يسيطر عليه الاشتراكيون.
مسائل مالية
خلال الـ 18 عاما التي شغل فيها شيراك منصب رئيس بلدية باريس، انتشرت اتهامات له ولحاشيته باستخدام أموال المدينة لدفع أموال حزبه (التجمع من أجل الجمهورية).
كما طرح كثير من الأسئلة حول العطلات الفاخرة التي تمضيها أسرة شيراك، والتي كان يدفع قيمتها بالأموال السائلة.
كما أن فترة توليه منصب رئيس بلدية باريس شهدت إنفاقا باذخا من أموال المدينة على الطعام في منزله، حيث بلغت القيمة المنفقة على الأطعمة وشرائها في منزله آلاف الدولارات أسبوعيا.
وقضى حكم للمجلس التشريعي للبلاد عام 1999 بمنح الرئيس حصانة شاملة من القضاء طوال فترة بقائه في منصبه.
وعندما عين شيراك مستشاره القانوني السابق كرئيس للادعاء في باريس، أدانت المعارضة القرار، إذ يعد منصبا رئيسيا في إي إجراء قضائي بسبب الفساد.
ومع تجنب شيراك المقاضاة في بادئ الأمر، أدين رئيس الوزراء السابق، ألان جوبيه، وعدد آخر من حلفاء شيراك المقربين من جمع التمويلات الحزبية بصورة غير قانونية عام 2004. وحكم على جوبيه بالسجن مع إيقاف التنفيذ، ولكنه عاد لاحقا إلى الحياة السياسية كوزير للخارجية.
إرث سياسي
كثر في فرنسا قد يذكرون شيراك كالرجل الذين اختاروه، وبعضهم بتردد شديد، لهزيمة جان ماري لو بان في انتخابات عام 2002، عندما أحرزت سياسية أقصى اليميين تقدما كبيرا أمام الاشتراكي ليونيل جوسبان.
وفي يوليو/تموز 2002 بعيد إعادة انتخابه، استهدف شيراك فيما يبدو أنه محاولة اغتيال بينما كان يستعرض القوات في يوم الباستيل من سيارة مفتوحة. وعلى الرغم من إطلاق رصاصة، كان رد شيراك عندما اطلع على الأمر "حقا!"
وكان واحدا من إصلاحاته الرئاسية تقليص الفترة الرئاسية من سبعة إلى خمسة أعوام، حتى تكون مساوية لفترة البرلمان، على الرغم من أن ذلك كان يعني فترة رئاسية ثانية أقل طولا بالنسبة له.
وفي الخارج، كان ينظر لشيراك على أنه مركز المعارضة لغزو العراق عام 2003 بزعامة الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن ألمانيا كانت أيضا ضد الحرب، إلا أن شيراك كان أكثر وضوحا في معارضته للغزو الأمريكي للعراق وفي تأكيده على أن أي تدخل عسكري دون دعم مجلس الأمن غير قانوني.
وبينما اشتهر الرئيس الذي سبقه فرانسوا ميتران بالمشروعات العامة الضخمة مثل أهرامات متحف اللوفر، فإن المبنى العام الوحيد المرتبط بشيراك كان متحف الفن القبلي، الذي افتتح عام 2006.
واشتهر شيراك بأنه مولع بالنساء، واعترف بذلك علنا عام 2007، قبل انتهاء فترته الرئاسية.
وقال شيراك "أحببت نساء كثيرات، بأكبر حرص وسرية ممكنة".