في شهر يوليو من العام 2017م، تلقت إحدى الأسر اليمنية في محافظة إب (وسط البلاد) خبر مقتل نجلها أثناء مشاركته في جبهات القتال الحوثية، لتدخل الأسرة ومن يعرف القتيل في موجة حزن وألم كبيرة.
اتصال من قيادي حوثي لأحد أشقائه أخبره بأن "شقيقه استشهد وسيتم تشييعه خلال يومين من موعد الإتصال".
كانت تلك المكالمة التي لن ينساها شقيق الشاب القتيل "صدام محمد يحيى عبد الرزاق باعلوي (25 سنة) أحد أبناء مدينة جبلة جنوب غرب مدينة إب.
بعد أربعة أيام من تلقي النبأ الفاجعة وصل جثمان الشاب "صدام باعلوي" إلى مسقط رأسه بمديرية جبلة جنوب غرب مدينة إب وتمت مراسيم التشييع التي تحولها المليشيات إلى مناسبة للإستعراض واستقطاب المزيد من الضحايا وخصوصاً من فئة المراهقين أو الشباب الذين دفعت بهم الحرب إلى رصيف البطالة وأسلمتهم للإحباط.
عقب وصول جثمان الشاب "صدام" حاول إخوانه وأقاربه إلقاء النظرة الأخيرة لشقيقهم غير أن توجيهات المشرف الحوثي وقيادات رفيعة حضرت الجنازة قضت بمنعهم من إلقاء النظرة الأخيرة أو السماح لشقيقاته بأن تشتم رائحة "الشهيد" الذي كان داخل صندوق خشبي عليه شعارات المليشيا وألوانها الخضراء.
تحولت يومها الجنازة إلى حفلة طيش من خلال إطلاق الرصاص الكثيف وغير المسبوق في المنطقة خصوصا وأن الشاب القتيل "صدام" وهو يتيم الأبوين ومسؤولن عن أشقائه الأيتام، كان قد تم استقطابه للإلتحاق بالقتال بناءً على إقناعه بأنه جزء من هذا المشروع،
كان الأشقاء الصغار كل جمعة يذهبون إلى "مقبرة الشهداء" في جبلة والتي تعد المنجز الأوحد في المنطقة للسلطات منذ سيطرة الجماعة على البلاد بالقوة وأعلت حرباً لا تزال نارها تشتعل إلي اليوم، وهناك يقفون على قبر "الصندوق الشهيد" وهناك يسكبون ما تيسر من الدموع والدعوات.
وعلى طريقة الأفلام الهندية، قبل حوالي شهر، حسب المعلومات التي حصل عليها "المصدر أونلاين"، وبينما كان الأيتام المفجوعون بشقيقهم يصبرون أنفسهم بحديث المشرف عن الجنة التي يتنعم فيها صدام، فجأة رن هاتف أحدهم ليتلقى مكالمة من رقم غريب.. رد عليه: أهلا ، من معي..(...) ليعيش لحظتها شعوراً مضطرباً هو خليط من الصدمة والمفاجأة والفرحة، عندما سمع أنه صوت شقيقة الذي يبكيه منذ عامين."أنا صدام..أخوك مالك مفجوع كذا..الو..الو..والصوت يرتفع لتتعاظم على الطرف الأخر مشاعر الحيرة والإرتباك.
نوبة الصمت والدهشة استمرت وهو واقف والهاتف على أذنه ، ثم جثى على ركبتيه والصدمة تخيم عليه وعلى من يراه من الأشقاء والأخوات في البيت وهم يسمعون قليلا من الصوت ويعرفونه جيدا.. إنه "صدام" الشهيد الحي ، فبعد أشهر وسنوات من دفنه واليقين بأنه في رحاب الخالدين لديهم اتضح أنه لا يزال حي يرزق ولم يقتل كما كذبت عليهم مليشيا الحوثي.
توقفت الكلمات وأخرس اللسان وتفجرت الدموع وأجهش الكل بالبكاء والصراخ والفرح، حيث بانت الحقيقة المطمورة منذ سنوات وعاد "صدام" إلى الحياة ليبدأ فصل جديد من الألم والوجع..
سأله أخوه أين أنت، فأوضح لهم أنه أسير لدى قوات الجيش، لكن شقيقه قال له الجماعة قالوا لنا أنك قد "أستشهدت" منذ أكثر من عامين وقد دفناك والكل بحزن ووجع لا يعلمه إلا الله، رد عليه: الحمد لله لم يحصل شئ من هذا وأنا بخير وطمن الجميع.
بعد إنتهاء المكالمة وسريان الفرح ونزول الدموع بغزارة من عيون الجميع، رفع شقيق صدام هاتفه إلى المشرف الحوثي وسأله عن شقيقه فقال له "الله يرحمه قد الخبر عندكم من سنتين وشوي مالك صلي على النبي أو مخزن بقات مش طبيعي" لكن الصدمة جاءت حيث أكد شقيق صدام للمشرف الحوثي تلقيهم اتصالاً هاتفياً منه أخبرهم أنه أسير.
رد المشرف الحوثي بالحمد والثناء وقال له "انتبه أحد يعرف ونحن بنعالج الموضوع والأهم عدم خروج الخبر لوسائل الإعلام "وأكد مرارا وتكرارا على ذلك مطالبا إياهم بكتم الخبر وأن لا يعلم به أحد مهما حصل، كون ذلك يحرجهم بشده امام الناس، حيث كانوا خلال تلك المدة يوهمون ويكذبون على الجميع بإستشهاد صدام والخوف يدب في قلوبهم من انتقام أسرة صدام وتهربهم من سؤال واحد قد ينتابهم وهو جثة من كان ملفوف داخل الصندوق ومن الذي تم دفنه في مقبرة الشهداء حد زعمهم أو كما بات يطلق عليها البعض "مقبرة الصناديق" بعد وصول الخبر إلى بعض أقاربه وأبناء المنطقة.
وتأتي هذه الحادثة بعد أيام من وجع أخر لأسرة أخرى بذات المديرية حيث اتضح بعد مرور ستة أشهر من دفن الشاب "إدريس عبده يحيى قاسم الإدريسي" في منطقة "الوقش" بمديرية جبلة جنوب غرب مدينة إب واتضح بعدها أنه جثمانه قدم مرة أخرى لدفنه مجددا في واحدة من مآسي الحرب.