عبير محسن- المصدر أونلاين
في ليلة من ليالي الحرب كنت ساهرة بقرب والدتي التي تشكو من إسهال حاد وإعياء، لم يخطر ببالي في بادئ الأمر أنها الكوليرا، ذاك المرض الشبح الذي يقض مضجع اليمنيين لأن أمي "مهووسة نظافة" وهو العامل الأول للحماية من هذا المرض - كما عرفنا من حملات التوعية- ولأنها أيضاً تلقت لقاحاً ضد المرض في الحملة التي نفذتها منظمة اليونسف ولكن عندما بدأ الأمر يتفاقم وحالتها تزداد سوءً نقلناها بسرعة إلى أقرب مشفى مع اتخاذ التدابير الإسعافية الأولية.
هذه قصة والدة مها، كما حكتها لـ"المصدر أونلاين" .. كانت محظوظة لأن أهلها يعرفون طرق التصرف في حالة الشك بوجود الإصابة بمرض الكوليرا الذي يحصد أرواح اليمنيين وكان لمدينة صنعاء النصيب الأكبر، تقول والدة مها وهي امرأة ذات تعليم متوسط "لا تصدقوا يا عيالي هذه اللقاحات اسألوا مجرب أنا تلقحت منذ شهر ولكني أصبت بالمرض".
لم يكن هذا الكلام بجديد فقد انتشر في أوساط المواطنين أن هذه اللقاحات كانت أحد أسلحة الحرب التي تأتي بصورة مساعدات من قبل منظمات إنسانية لكن هدفها الأساسي هو إما قتل، أو تشويه اليمنيين أو تسبب لهم العقم ويعتقد كثيرون أن هذه اللقاحات تجرب للمرة الأولى في اليمن وهذا ما يجعلهم يمانعون على أن يكونوا حقل تجارب.
سميرة الرداعي وهي إحدى المتطوعات في حملتي اللقاح اللتين أقيمتا في صنعاء مؤخراً تقول لـ"المصدر أونلاين" "لن تصدقوا القصص التي كُنا نواجهها فقد كان يصفنا البعض بالمرتزقة وأننا نساعد في قتل اليمنيين إنه شعب جاهل وبالتالي يقع ضحية الإشاعات".
ورغم أن كمال الوزيزة، مسؤول في اليونسف، صرح بأن الجولة الثانية من حملة اللقاح الفموي ضد الكوليرا في مديريات السبعين، الوحدة، وشعوب في أمانة العاصمة في الـ 23 من سبتمبر الجاري حققت 93% من التغطية المستهدفة في الثلاث المديريات وأن أكثر من 500 ألف من الأطفال دون سن الـ 15 حصلوا على اللقاح، إلا أن الرداعي أكدت أن نسبة الإقبال في هذه الحملة قليلة جداً بالمقارنة مع الحملة الأولى، والذين تم تلقيحهم قام الفريق ببذل مجهود كبير في إقناعهم، منهم من استجاب بعد تردد ومنهم من رفض رفضاً قاطعاً بحجة أنهم سيصابون بالعقم.
آثار جانبية
يقول المواطن علي أحمد أصبت بوعكة صحية بعد أن تلقيت جرعة من لقاح الكوليرا في الحملة الأولى وأنا في مقر عملي مما اضطر زملائي لأخذي إلى منزلي فوراً بعدها قررت أني لن ألقح زوجتي وأطفالي وكنت أنصح بهذا الشيء كل من يعز عليّ لأني تأكدت بنفسي بأن ما سمعناه عن هذه اللقاحات كان حقيقي ويستحيل أن أعيد الكرة.
يصاحب هذا اللقاح أعراض جانبية قد تصيب البعض لكن لقلة وعي الناس والشك الذي سيطر على قلوبهم جعلهم يصدقون أنه داء ليس دواء.
وتُفيد تقارير بأن الآثار الجانبية التي قد تظهر في أعقاب التطعيم بهذا اللقاح هي نادرة وتشمل، على وجه الخصوص، ظهور أعراض في الجهاز الهضمي كالمغص، الإسهال، الغثيان، التقيؤات والصداع.
وهناك آثار جانبية نادرة تصيب (0,01 – 0,1 %) من الناس مثل فقدان و/أو انعدام الشهية، احتقان في الأنف، سعال، حمّى، ضعف ودوخة.
وكذلك آثار جانبية شديدة الندرة تصيب (أقل من 0,01%) من الناس هي جفاف، تعرُّق، طفوح، آلام في المفاصل، إرهاق، قشعريرة، قلة النوم، إغماء، هبوط في حاسة التذَّوق.
استراتيجيات حرب
قامت اليونسف فيما مضى بحملات توعوية كبيرة لتوضيح ماهية المرض وكيفية الوقاية منه وماهي الإسعافات الأولية في حال تمت الإصابة وقد دربت منظمة اليونيسف والشركاء ما يزيد على 600 متطوع للتوعية بفعالية اللقاح، والتأكيد على أنه مأمون ومجاني. ومن المتطوعين شرطة المرور ومرشدين دينيين وغيرهم من أفراد المجتمع المحلي.
وكان من الغريب أن تنطلي هذه الأفكار على فئة من المتعلمين والمثقفين حيث رفض كثير من هؤلاء لقاح الكوليرا ومنعوا أسرهم منه أيضاً. أحمد سالم وهو موظف حكومي وحاصل على مؤهل علمي قال في حديثه لـ"المصدر أونلاين": لم نسمع من قبل بأن هنالك لقاح لمرض الكوليرا وكنا قد سمعنا عن لقاحات فاسدة نشرتها اليونسف منذ مدة ما يجعلنا متخوفون من هذا الشيء ويقول أن تفشي المرض في مناطق الصراع يعد واحداً من استراجيات الحرب المتبعة منذ الحرب العالمية الأولى والثانية؛ فالكوليرا مرض مفتعل ودواؤه غير مضمون!
سالم يؤمن يقيناً بنظرية المؤامرة ويتصور أنها ألاعيب سياسية وقتل ممنهج لليمنيين بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة في الحرب لكن ما مدى دقة هذه الإشاعات التي يتلقفها المواطن المتعلم ومحدود التعليم.
يقول د. يوسف الحاضري الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في صنعاء (غير معترف بها) إن التضليل بالنشر غير المسؤول لثقافة باطلة خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي يجعلهم يتناقلون أي معلومة دون معرفة أو وعي، يُقال مثلاً أن اللقاح يؤدي إلى العقم ويكون هذا الناقل للمعلومة قد تلقح وهو صغير والآن يملك "درزن " من الأبناء ودون أي إثباتات، في الحصبة مثلاً هنالك 15 ألف حالة إصابة مسجلة في العام 2018 توفي منهم 250 مصاب وهؤلاء لم يتطعموا أليست هذه إثباتات واقعية واضحة.
يضيف الحاضري: جميع اللقاحات آمنه ولا خوف منها وهي ضرورية خاصة في ظل استمرار انتشار الوباء بسبب الحرب، ويضيف إن التمويل هو التزام عالمي لكل الدول بدعم من المنظمات كاليونسف ومنظمة الصحة العالمية وجافا اليابانية وغيرها وتكون عبر وزارة الصحة حيث تديرها وتشرف عليها وتفحصها وتحدد أماكن الأهداف.
ووفق الإحصائيات الأخيرة التي أجرتها وزارة الصحة في حكومة صنعاء (غير معترف بها) فقد بلغ عدد المصابين بالمرض والمشتبه في إصابتهم خلال الأشهر الماضية من العام الجاري 2019 (654747) فرداً وعدد الوفيات (872) أما مجموع حالات الإصابة والإشتباه من العام "2017" فهو 2100000 من المصابين و 3600 من الوفيات، وأكثر المناطق انتشارا لهذا المرض في صنعاء هي "شعوب، السبعين ، الوحدة، وبني الحارث".