الوسيط الذي يخشى أن تدهسه الأفيال.. هكذا حافظت عُمان على دور «المُيسِّر»

ترجمة: عربي بوست

في منطقة مشتعلة بالأزمات والصراعات المسلحة تقف سلطنة عمان في منطقة خاصة بها بعيدة تماماً عن الانحياز لطرف على حساب الآخر، ما سر هذه السياسة العمانية؟ وكيف حافظت عليها طوال سنوات طويلة من الصراعات في منطقة الخليج؟

موقع ميدل إيست آي البريطاني رصد قصة الدبلوماسية الناعمة للسلطنة في تقرير بعنوان «جميع الأطراف ستخسر: عمان تتمسَّك بالحلول الدبلوماسية خوفاً من اندلاع حرب جديدة في الخليج».

طوال تاريخها الحديث، عادةً ما تدعو سلطنة عمان إلى الحوار والتعاون والاستقرار الإقليمي، وفي أعقاب الهجمات التي وقعت على منشآتٍ نفطية في المملكة العربية السعودية في وقتٍ سابق من الشهر الماضي سبتمبر/أيلول، والتي قال الكثيرون إنَّ إيران هي التي تقف وراءها مع أنَّ المتمردين الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عنها، أكَّدت السلطنة العمانية مرةً أخرى السمة المميزة لسياستها الخارجية: أداء دور المُيسِّر. 

هجمات أرامكو تصعيد غير ضروري

إذ قال وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، في مقابلةٍ مع موقع Al-Monitor يوم السبت الماضي 28 سبتمبر/أيلول: «هناك العديد من الأصوات التي تقول إن حلَّ هذه الأزمة سيتحقق باستخدام الدبلوماسية»، وذلك بعدما قال لصحيفة Times of Oman في وقتٍ سابق إنَّ الهجمات كانت «تصعيداً غير ضروري».

استهداف أرامكو أثر بشكل كبير على إنتاج السعودية من النفط/ رويترز

وأضاف: «أعرب الطرفان، أو حتى كل الأطراف، بطريقةٍ أو بأخرى عن رغبتهما في اللجوء إلى الدبلوماسية، سواءٌ الدبلوماسية العلنية أو الدبلوماسية خلف الأبواب (المغلقة). وهذه بوادر جيدة»، وأردف: «عمان ستُقدِّم المساعدة. نحن لا نؤدي دور الوسيط، بل نختار لأنفسنا دور المُيسِّر».

ومن جانبه، ذكر الصحفي العماني فهد المقرشي أنَّ الجميع في سلطنة عمان يُرحِّب بالتخفيف من حدة التوتر بين الرياض وحلفائها من جهة، وطهران من جهةٍ أخرى. 

إذ قال لموقع ميدل إيست آي البريطاني: «جميع العمانيين يريدون إنهاء هذه التوترات. يجب أن تتوقف. فهذا أمرٌ محزن حقاً، فما الهدف من الحرب؟ جميع الأطراف ستخسر»، مؤكداً أن سلطنة عمان لطالما توسَّطت في نزاعاتٍ إقليمية، وأضاف: «هذا هو دور عمان، وأشعر بالفخر الشديد بذلك».

هذا وتُصِرُّ الجهات الرسمية العمانية على رفض الإدلاء بأي تصريحاتٍ علنية عن العلاقة المتوترة بين جيرانها الخليجيين الأكبر سعياً للحفاظ على حيادية البلاد.

ومع ذلك، قال حسن ياري، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس، للموقع البريطاني، إنَّ «الكثيرين» داخل الحكومة العمانية يتفقون، فيما بينهم، مع الرأي القائل بأن إيران هي التي حرَّضت على الهجمات الأخيرة.

انتقاد شعبي للرياض وأبوظبي

ولكن في الأوساط غير الرسمية، فالتعليقات الحادة ليست شائعة، وقد أشار حسن ياري كذلك إلى أن غالبية طلابه يرون أنَّ السياسات التي قادتها الإمارات والسعودية في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء الخليج عدوانيةٌ للغاية، وقال: «يعتقدون أنَّ هاتين الدولتين تتبعان سياسة مُزعزِعة للاستقرار تجاه عمان». 

الحوثيون في اليمن / رويترز

هذا ويتفق بعض العمانيين الذين حاورهم الموقع البريطاني على أنَّ الصراع في دولة اليمن المجاورة، حيث يقاتل التحالف الذي تقوده السعودية المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، يؤجج التوترات الإقليمية، التي من شأنها أن تهدأ إذا انتهى الصراع، إذ قال أحدهم: «إذا ألقيت الحجارة على جيرانك، فسيردون عليك ويتصرفون تصرفات عدوانية ضدك».

التعامل مع الأفيال

تقع سلطنة عمان على الساحل الشرقي لبحر العرب، ولديها حدودٌ برية طويلة مشتركة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وساحلٌ يتضمَّن أراضي تقع أمام إيران على الناحية الأخرى من مضيق هرمز. وبوجهٍ عام، ترفض السلطنة الانحياز إلى أي طرف، باستثناء ما حدث في حرب الثمانينيات بين إيران والعراق حين اعتزم السلطان قابوس، حاكم البلاد منذ عام 1970، السماح للقوات العراقية بالإقلاع من عمان لتنفيذ هجمات على قواعد بحريةٍ إيرانية.

وقال حسن ياري: «إذا اندلعت حرب، ستجد عمان نفسها عالقةً في موقف صعب بين حرب إيران ودول الخليج والصراع الدائر في اليمن». ولكن إلى جانب المخاوف الأمنية، يتساءل العديد من العمانيين كذلك عن وضع الدولة المستقبلي في منطقةٍ مضطربة.

إذ قال محللٌ عماني عمل سابقاً لدى مجلس الوزراء العماني لموقع ميدل إيست آي رافضاً الكشف عن هويته إنَّه يعتقد أنَّ سلطنة عمان يجب أن «تتصرَّف بحذر» وسط التوترات الإقليمية المتزايدة.

وأضاف: «حين تتعامل مع الأفيال، يجب أن تكون ذكياً، وإلا فإنَّها ستدهسك»، وأكَّد المحلل أنَّ سلطنة عمان تدرك «جيداً» أنَّ «إيران خطرة، وكذلك السعودية».

ويعتقد أنَّ «كلاهما لديه أذرع في كل مكان» في إشارةٍ إلى النفوذ السياسي والاقتصادي والديني الذي تمارسه الدولتان في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لذا تحاول سياسة عمان احترام مصالح جميع الأطراف؛ ففي عام 2016، انضمت السلطنة إلى تحالفٍ تقوده المملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب كان هدفه الأساسي هو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي كانت سيطرته ما زالت قائمةً آنذاك على مناطق في سوريا والعراق.

فيما تعود العلاقات العمانية الوثيقة مع إيران إلى السبعينيات من القرن الماضي حين ساعدت طهران السلطنة على إحباط تمرُّدٍ في محافظة ظفار الجنوبية. وحتى بعد الثورة الإيرانية، استمر ازدهار العلاقات التجارية والأمنية والدبلوماسية والاجتماعية بين البلدين، ومنذ عام 2014، تُجري الدولتان مناوراتٍ عسكرية مشتركة في مضيق هرمز.

وعلاوة على ذلك، كان بعض المسؤولين الأمريكيين ونظراؤهم الإيرانيون يعقدون محادثاتٍ سرية في مسقط قبل الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرِم في عام 2015، مما عزَّز مكانة المُيسِّر التي تضطلع بها عمان.

«إمَّا معنا أو علينا»

لكنَّ البعض يرى أن الأزمة الحالية تُهدِّد الحياد الدبلوماسي الفريد الذي تحافظ عليه عمان وترعاه منذ عقود بين إيران والسعودية، إذ قال الأكاديمي العماني عبدالله باعبود لموقع ميدل إيست آي: «أصبحنا نعيش في عصر يشهد استقطاباً شديداً: فإمَّا أن تكون معنا أو علينا».

السلطان قابوس ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، يناير الماضي

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ عمان رفضت في السنوات الأخيرة الانضمام إلى التحالف الذي يقاتل الحوثيين في اليمن، لتصبح بذلك هي العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي رفض الانضمام، فحتى قطر انضمت في البداية إلى الجهود التي تقودها السعودية هناك في عام 2015.

وبعد ذلك، لم تنضم مسقط إلى الحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها على قطر في عام 2017، بل ضاعفت صادراتها غير النفطية إلى الدوحة، وحافظت على علاقاتها الوثيقة مع إيران، مما أغضب محور الرياض وأبوظبي.

وعلاوة على ذلك، اتُّهِمَت عُمان في عام 2016 بتجاهل تهريب الأسلحة عبر أراضيها إلى الحوثيين. لكنَّ وزارة الخارجية العمانية أنكرت هذه المزاعم، وقال باعبود إنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحاولان «تشويه صورة عُمان أمام الشركاء الدوليين» بالترويج لسرديةٍ مفادها أنَّ السلطنة «ليست معنا، بل علينا».

ويتزامن هذا الهجوم الدبلوماسي مع ضغوطٍ اقتصادية، إذ قال باعبود إنَّ الكثيرين من العمانيين يعتقدون أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة تعمَّدت تأجيل إنشاء شبكة السكك الحديدية الإماراتية العمانية المُخطَّط لها من أجل عرقلة تطوير ميناء الدقم العماني الذي يقع على بحر العرب، والذي تسعى عمان إلى تطويره ليصبح بديلاً إقليمياً لميناء جبل علي الإماراتي.

وفي هذه الأثناء، أصبحت سلطنة عمان تعتمد اعتماداً متزايداً على الاقتراض، إذ تضاعفت ديونها ثلاث مرات ووصلت إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي العماني، وقال باعبود متحدثاً عن ذلك: «عمان تدفع ثمناً باهظاً بسبب حيادها، لكنَّها تعتقد أن الأمر يستحق ذلك».

خلافة تلوح في الأفق

وفي ظل اقتراب رحيل السلطان قابوس البالغ من العمر 78 عاماً، الذي يعد أطول الملوك بقاءً في منصبهم في العالم العربي، وخلافته التي تلوح في الأفق، يخشى البعض في السلطنة من أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة يمكن أن تمارسا ضغوطاً على خليفته للتخلي عن موقف عمان المحايد، والانحياز إليهما في نهجهما المعادي لإيران.

لكنَّ باعبود توقَّع فشل محاولات التأثير في السياسة الخارجية العمانية؛ لأنَّ موقفها الحيادي يستند إلى مزيجٍ دقيق من عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية متأصل بعمق في الهوية العمانية، ومتمثِّل في آراء السلطان قابوس وقراراته.

فيما قال محللون آخرون إنَّه بغض النظر عمَّا إذا كانت هذه مسألة مبدأ، فعمان ليس لديها خيار آخر، وأشاروا إلى أنَّ حيادها السياسي أمر أساسي للحفاظ على استقرارها ومكانتها المتميزة على الساحة الدولية، إذ أكَّد حسن ياري أنَّ سياسة عمان الخارجية أصبحت «أفضل حماية» لها ضد القوى المهيمنة في المنطقة في وقتٍ يتزايد فيه الاستقطاب، وأضاف: «إذا حدث أي ضغط، فسيأتي من الإمارات العربية المتحدة».

وتشير بعض الأحداث السابقة إلى أنَّ مخاوفه ربما تكون منطقية؛ ففي عام 2011، كشفت السلطنة «شبكة تجسس تابعة لجهاز أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة كانت تستهدف النظام الحاكم في عُمان». وبعد ذلك بست سنوات، اخترق عملاء تابعون لدولة الإمارات العربية المتحدة هاتف وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية. 

وفي السياق نفسه، قال سلطان الكعبي، وهو أستاذ اتصالات عماني، للموقع إنَّ العلاقات الاجتماعية بين العائلات العُمانية والإماراتية متشابكة منذ قرون، وطالَب صناع القرار بالتزام الحذر لضمان عدم «هدم هذه العلاقات»، وقال: «نحن أسرةٌ واحدة».