باسل درويش- عربي21
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافية اليمنية روان شايف، تحت عنوان "نبوءة السعودية التي تحققت"، تقول فيه إن الجماعة الحوثية لم تكن على علاقة قوية مع إيران حتى التدخل العسكري الذي قادته السعودية في عام 2015.
وتشير شايف في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المتحدث الرسمي باسم الحركة يحيى سريع قدم بعد ساعات من ضرب أسراب من الطائرات المسيرة والصواريخ قصيرة المدى البنية التحتية النفطية في بقيق وخريص الشهر الماضي، تفاصيل عن العملية التي نسبتها الحركة لنفسها، لافتة إلى أن سريع وصف على قناة "المسيرة" ما أسماه عملية "ميزان الردع2".
وتستدرك الكاتبة بأن العارفين بقدرات الحوثيين العسكريين سرعان ما شككوا في روايتهم، فالصور الفضائية التي قدمتها الحكومة الأمريكية وشركة الصور الفضائية الخاصة "ديجيتال غلوب" كشفت عن عملية تم التخطيط لها بدقة وبتنسيق عاليين، وأصابت الهجمات 17 نقطة في منشآت بقيق، وتركت الهجمات الحاويات التي تشبه القباب، مشيرة إلى أن الضرر الذي خلفه الهجوم في 14 أيلول/ سبتمبر لم يكن كتلك الأضرار الصغيرة التي نتجت عن هجمات حوثية سابقة.
وتنقل المجلة عن الباحث في مركز جيمس مارتن لأبحاث منع انتشار السلاح فابيان هينز، قوله: "لا يوجد ما يستبعد الحوثيين من المعادلة، لكن عندما تضع كل إشارة مع الأخرى، من ناحية المدى والقدرات والحجم، يظهر أن الحوثيين لا يملكون هذه القدرات لتنفيذها".
وتجد شايف أنه "مع ذلك فإن هناك جزءا من الحقيقة فيما قاله الحوثيون، وهو أن علاقتهم مع إيران أصبحت أوثق من أي وقت مضى، مع تداخل متزايد في القدرات والأولويات الاستراتيجية، ولو أصبح الحوثيون يمثلون تهديدا كبيرا على السعودية، فإن الأخيرة هي التي تتحمل المسؤولية".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الأمر بدأ بسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في عام 2014، وطرد حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو ما دعا إلى تدخل وحشي قادته السعودية والإمارات بذريعة علاقة الحوثيين مع إيران، وكانت هناك عدة أسباب تدعو للشك في هذا الزعم في حينه، فالرواية التي قدمها التحالف الذي قادته السعودية، قامت على تصوير النزاع وببساطة بأنه جزء من النزاع الطائفي السني الشيعي، بدلا من كونه جزءا من النزاع الإقليمي والهيمنة، فالحركة الحوثية تنتمي إلى الطائفة الزيدية التي لا علاقة لها بالشيعة الاثنا عشر في إيران".
وتستدرك شايف أن "التدخل العسكري في عام 2015 جعل من العلاقة الحوثية الإيرانية، التي قامت على الأقاويل والشائعات التي انتشرت على منابر التواصل الاجتماعية، نبوءة بدأت في التحقق".
وتورد المجلة نقلا عن المحلل في مجموعة الأزمات الدولية بيتر سالزبري، قوله إن الحوثيين لم يحظوا إلا بدعم قليل من إيران قبل بداية الحرب، "فقد كان مقنعا ربط صعود الحوثيين بإيران، بدلا من النظر إليه على أنه نتيجة لحسابات سياسية داخلية خاطئة وأولويات دولية غير صحيحة".
وتجد الكاتبة أن "الظروف تغيرت منذ ذلك الوقت، فرغم الخلاف الطائفي بدأت إيران تتعامل مع الحوثيين على أنهم طريق لمد تأثيرها في الجزيرة العربية، وسط حرب بالوكالة مع السعودية، وبالنسبة لإيران فقد كان التعاون مع الحوثيين فرصة جاءت في وقتها، وليس نتاجا لاستراتيجية تم التخطيط لها".
وتفيد شايف بأنه "حتى هذا الوقت لا يزال الدور الإيراني في اليمن محدودا بالدعم الاستشاري، ويعتمد على النتائج، فيما تظل الاستثمارات الإيرانية في اليمن ضمن الحد الأدنى، إلا أن هذا الدور المحدود كاف لتغذية مخاوف التحالف السعودي من الدور الإيراني".
وتنوه الكاتبة إلى أن "الحوثيين قاموا بدورهم ومنذ عام 2017 بتكثيف هجماتهم ضد الأراضي السعودية، واستهدفوا المطار والقواعد العسكرية ومنشآت النفط والغاز في كل من السعودية والإمارات، وفي المقابل استثمر السعوديون مليارات الدولارات في بناء أنظمة دفاع جوية تم شراؤها من الولايات المتحدة، وفشلت في توفير الحماية للمملكة من هجمات إيران وجماعاتها الوكيلة".
وتنقل المجلة عن المتحدث باسم قوات التحالف العقيد تركي المالكي، قوله إن بلاده قد استهدفت بـ232 صاروخا و258 طائرة مسيرة في الشهر الماضي وحده، وأضاف: "لم يتم الهجوم على بلد في العالم بهذا الحجم من الصواريخ الباليستية".
وترى شايف أن "زيادة الهجمات نابعة من نمو القدرات العسكرية لدى الحوثيين، الذين استخدموا تصاميم إيرانية ومواد متوفرة في السوق لتطوير الطائرات المسيرة، ففي شباط/ فبراير كشف الحوثيون عن أسطولهم الجديد المكون من أربع طائرات مسيرة، بما فيها قاصف-1، وزعموا أن الطائرات تم تصميمها محليا، إلا أن هناك اثنتين من أربع طائرات صينية الصنع، ويمكن شراؤها من موقع (علي بابا دوت كوم)، أما الطائرتان الأخريان فتشبهان الطائرات المسيرة المصنعة في إيران من نوع (أبابيل-2)".
وتبين الكاتبة أنه "منذ ذلك الوقت تطورت التقنيات والكفاءات بدرجة كبيرة، وأصبحت قاتلة، وتوسعت لتشمل الصواريخ الباليستية طويلة المدى وصواريخ كروز، وقامت إيران وبطريقة استراتيجية بتسليح الجماعات الشيعية في العراق واليمن بالتكنولوجيا المتقدمة؛ من أجل خلق ستار يسمح لها بالإنكار عندما يتم استخدام هذه الأسلحة في هجمات كهجوم بقيق الأخير".
وتفيد شايف بأنه "في الوقت الذي كان الهدف من العقوبات الاقتصادية القاسية على إيران هو منع إيران من تمويل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن من جهة، وتطوير برامجها النووية من جهة أخرى، إلا أن طهران عمقت من علاقاتها مع هذه الجماعات، وإن بطريقة مختلفة، وهي تقديم النصح والخبرة والاستشارة لها، بل إن العقوبات الدولية على إيران أصبحت العصب الذي يجمع إيران مع الحوثيين".
وتقول الكاتبة: "يبدو أن الإماراتيين فهموا هذا الوضع، وقرروا في تموز/ يوليو سحب قواتهم، تاركين السعوديين في عزلة يواجهون حربا مكلفة ضد الحوثيين".
وتجد شايف أن "التدخل الإيراني، الذي لم يكن موجودا في البداية، أصبح واضحا الآن، وتشير البقايا التي تم جمعها من مكان الضربة في بقيق إلى أسلحة تحمل بصمات وتصميمات إيران، وما يدهش هو قيام الحوثيين بالزعم أنهم نفذوا هجوما يقول الجميع إن إيران هي من تقف وراءه".
وتختم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى قول فابيان هينز: "من الصعب التخيل أن أيا من الحوثيين أو حزب الله أو الحشد الشعبي شن هجوما على هذا المستوى دون توجيهات مباشرة من المرشد الأعلى للجمهورية أية الله علي خامنئي.. لا يهم في النهاية من أين جاءت الصواريخ، بل ما علمناه عن إيران والحوثيين في هذه العملية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)