قبل عدة أشهر، غادر الفنان التشكيلي محمد قايد صالح منزل أسرته في مديرية "الحَدَأ" بمحافظة ذمار، وسط اليمن، متجهاً الى العاصمة المؤقتة عدن للعمل هناك في مجال آخر؛ فظروف المحافظة لم تعد تسمح للفنان المتخرج من قسم التربية الفنية بكلية التربية، أن يمارس هوايته وتخصصه.
تَصدّر "محمد" دفعته في جامعة ذمار، وكانت لوحات مشروع التخرج التي رسمها بريشته تنبئ عن ولادة فنان كبير، لكن الحرب التي أتت على كل جميل في البلد قضت على الأحلام العريضة لمحمد، وألجأته للعمل في بيع القات، وهو العمل الذي سافر من أجله الى أقصى جنوب البلاد.
لم تكن زوجة محمد وأطفاله الستة، وهم يودعون كبير الأسرة، يرسمون آمالاً عريضة لما سيعود به من غربته الداخلية، غير أنهم كانوا ينتظرون عودته ومعه ما يكفي للحصول على لقمة عيش كريمة.
غادر محمد، وهناك في عدن عمل لفترة كسب خلالها مبلغاً جيداً، قبل أن يفكر في العودة الى أهله بينما كانت الأوضاع هناك بدأت تضيق على أبناء المحافظات الشمالية، بسبب التحركات التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات.
ونتيجة للتعبئة المناطقية، اقتحم مسلحون موالون للانتقالي في الأشهر الماضية، متاجر وأسواق ومطاعم في العديد من أحياء المدينة، بحثاً عن أبناء محافظات الشمال لاعتقالهم وترحيلهم، في موجة عنف اكتوى بلظاها المئات من أبناء اليمن.
قرر "محمد" الرحيل، لكنه لم ينجُ، ففي حاجز أمني على مدخل العاصمة المؤقتة أوقفت السيارة التي كان هو وآخرون مسافرين على متنها، واقتيد هو ومن معه إلى أحد أقسام الشرطة التي يسيطر عليها عناصر الانتقالي الجنوبي، ثم إلى سجن سري داخل المدينة.
يقول شقيقه "نوح" للمصدر أونلاين: اعتقل أخي بدون سبب، ونقل إلى سجن سري داخل المدينة، وهناك ظل مخفياً لثلاثة أشهر، تعرض خلالها للتعذيب الوحشي وقلع جميع أظافره، بالإضافة إلى تعذيبه بالكهرباء في سرته حتى انفجرت، كما تعرض لطلق ناري في بطنه ولم يتلق العلاج المناسب حتى فسدت دماؤه.
ويضيف نوح، نتيجة هذا التعذيب أصيب أخي بالفشل الكلوي، ولما شارف على الموت، أطلقوا سراحه ليصل إلى مدينة ذمار على حافة الموت. وآثار طلقات الرصاص من مسدس لا تزال مفتوحة في جسده.
يتابع "بادرنا بإسعافه إلى مستشفى ذمار العام، وعند وصولنا إلى هناك، كانت وظائف الكلى قد تعطلت تماماً".
عجز الأطباء عن تقديم شيء لجسد محمد المنهار إثر التعذيب، فقد وصل مرحلة اللاعودة، ليتوفى يوم الأحد الماضي، وعلى جسده آثار التعذيب بأشكاله وألوانه شاهدة على الظلم الذي تعرض له، لا لشيء، سوى لأنه ولد بإرادة الله في تلك البقعة من الأرض وظن أن بإمكانه كيمني أن يتحرك داخل وطنه بحثاً عن الرزق.
غادر الفنان التشكيلي محمد قايد صالح شاطر الحياة، وترك من خلفه والدين كبيرين، وستة أبناء وزوجة، وألماً وقهراً تعدى أسرته الصغيرة ليشمل كل أبناء "البلاد".
يقول "نوح" انه باسم أسرة وأقرباء الضحية، يحمل ميليشيا الانتقالي وداعميه الإماراتيين مسؤولية هذه الجريمة، ويأمل أن ينال الجناة جزاءهم العادل.