الدريهمي

هذه حقيقة الوضع في "الدريهمي" التي يتبادل الحوثيون والحكومة تهمة محاصرتها!

ترزح مديرية "الدريهمي" الواقعة جنوب مدينة الحديدة (غرب اليمن)، تحت وطأة حصار قاسٍ، وفيما يتهم الحوثيون القوات الموالية للحكومة الشرعية بمحاصرتها، تقول الحكومة الشرعية، إن جماعة الحوثيين المدعومة إيرانياً تستخدم السكان كرهائن وتمنع بشكل متكرر دخول المساعدات الغذائية والإنسانية إلى المواطنين.


ظلت الروايتان تترددان كثيراً في الأشهر القليلة الماضية، عبر وسائل الإعلام.. وفي إحاطته التي قدمها في مايو الماضي اختار المبعوث الأممي مارتن غريفيث، أختار "الدريهمي"، كخطوة يجب أن تتخذ في إطار تنفيذ اتفاق السلام بشأن الحديدة المبرم بين الاطراف في السويد منتصف ديسمبر 2018م.


واعتاد المبعوث الأممي، سياسة القفز إلى الأمام، في الإحاطات التي يقدمها عن الوضع في اليمن خلال جلسات مجلس الأمن، وكانت الدريهمي إحداها حيث شدد على ضرورة تنفيذ اتفاق السويد، وأن يعمم اتفاق الحديدة، المتعثر أصلاً، "واختار منطقة الدريهمى على سبيل المثال"، مشيراً إلى الحاجة الفورية هناك للمساعدات الإنسانية.


ويطالب الحوثيون بفك الحصار الذي تفرضه قوات الحكومة على سكان الدريهمي، وتنفي الأخيرة ذلك، وتقول إن المليشيات تحتجز سكان المديرية النائية.
ما هي قصة الدريهمي الحقيقة التي يحاول أطراف الصراع إخفاءها؟


تقرير فريق الخبراء البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان، أشار إلى تحققهم "من الادعاءات التي أفادت بأن أجزاءً من مديرية الدريهمي قد تعرّضت للحصار".


واستعرض التقرير جملة من الأحداث المقرونة بالزمن "في الواقع، وفي أوائل آب/ أغسطس 2018، تقدمت القوات المسلحة اليمنية والجماعات المسلحة التابعة لها والمدعومة من الإمارات العربية المتحدة نحو ضواحي وسط المديرية. وبعد فترات من القتال العنيف الذي أدّى إلى تدمير العديد من المباني، أبقى الحوثيون سيطرتهم على غالبية المديرية، بما في ذلك الوسط. واستقرت الخطوط الأمامية عند نقاط الوصول إلى مركز المديرية الخاضع لسيطرة اتشكيلات مسلحة موالية للتحالف. وما زاد من صعوبة الوصول إلى المنطقة هو وجود الألغام الأرضية".


وأشار التقرير إلى ما لحق بالبنية التحتية من دمار وأضرار جسيمة، "فعلى سبيل المثال، تمّ تدمير خزان مياه رئيسي في المدينة عندما استُهدفت المنطقة المجاورة خلال هجوم لم يتم تحديد الجهة المسؤولة عنه وقت كتابة هذا التقرير"، وتطرق التقرير لعدد من المنشآت الصحية والخدمية التي تدمرت بفعل المواجهات.


وذكر فريق الخبراء أنه "بين آب/أغسطس وكانون الأول/ديسمبر 2018، وبينما كان القتال العنيف مستمراً، لم تتمكن الجهات الإنسانية من الوصول إلى المديرية على الإطلاق". وفي عام 2019، سُمح للجهات الفاعلة في المجال الإنساني بالوصول إلى الدريهمي لفترة وجيزة من أجل تقديم الطعام في كانون الثاني/ يناير وأواخر نيسان/ أبريل وبداية أيار/ مايو. على الرغم من أن وصول المساعدات كان وجيزاً".


في يونيو الماضي، أعلن "إرفيه فيروسيل" المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، تمكنهم لأول مرة من توزيع مساعدات غذائية في منطقتين قريبتين من الخطوط الأمامية للقتال بمحافظتي صنعاء والحديدة.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي، في جنيف لـ" وأضاف فيروسيل، أن البرنامج تمكن بالتعاون مع منظمة الإغاثة الإسلامية، للمرة الأولى، من توزيع المواد الغذائية العينية على 896 أسرة تعيش بالقرب من الخطوط الأمامية في مديرية نهم شرق محافظة صنعاء.


وفق برنامج الغذاء فإنه تم إيصال مساعدات إلى مدينة الدريهمي، المحاصرة في محافظة الحديدة، تكفي لمدة شهرين، بالإضافة إلى المياه ومجموعات النظافة الشخصية ومجموعات الكرامة من اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان.
وقال تقرير الخبراء البارزين الأخير الذي عرض على مجلس حقوق الإنسان في دورته نهاية سبتمبر الفائت، إنه لم يتم إجراء أي تقييم إنساني في الدريهمي منذ حزيران/ يونيو 2018، لذلك، لم يتم تأكيد عدد الأفراد الذين يعيشون اليوم في مديرية الدريهمي أو في مركز المديرية نفسه (واحتياجاتهم)، واستحال التوصّل الى خطة استجابة مناسبة وتنفيذها".


وأعاد التقرير القيود المفروضة على دخول المساعدات ووصوله للسكان إلى شقين، الأول يتمثل بـ"سيطرة القوات المسلحة اليمنية والجماعات المسلحة التابعة لها على نقاط الوصول"، والثاني "وجود الألغام الأرضية المحيطة بهذه المناطق التي ظلت تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع (الحوثيين)".


وأوضح التقرير أن "استخدام الحوثيين للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي لليمن منذ منتصف عام 2017 أدى إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين ومنع مجموعات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة. فقد زرع الحوثيون الألغام الأرضية في معظم مديريات الحديدة. وسجّلت مديريتا الدريهمي والتحيتا أكبر عدد من الوفيات المبلغ عنها نتيجة الألغام الأرضية في عام 2018".
أشار الفريق إلى عدد من حالات الالغام التي نظر فيها، كما أشار إلى عدة حالات وانتهاكات ارتكبتها الاطراف المختلفة بحق سكان الدريهمي، والتي أسفرت في الغالب عن ضحايا مدنيين أغلبهم أطفال ونساء وفق ما عرضه من حالات، فيما ما زالت بعض الحالات لم تستكمل التحقيقات بشأنها.


وأضاف التقرير، أطلع المصدر أونلاين على مضمونه، أن أجزاء من منطقة "الدريهمي" الخاضعة لسيطرة سلطات الأمر الواقع، بما فيها مركز المديرية، تعاني من قيود شديدة تحول دون وصول المساعدات الإنسانية.
وفق التقرير فإن سيطرة القوات المسلحة اليمنية والجماعات التابعة المدعومة من الإمارات العربية المتحدة على نقاط الوصول، إحدى الأسباب التي تعيق وصول المساعدات، فيما تمثل الألغام التي زرعها الحوثيون أسباباً أخرى لعرقلة وصول المساعدات".


وتابع التقرير "لا يزال العدد الدقيق للأفراد الذين ما زالوا يعيشون في مناطق مديرية الدريهمي الخاضعة لسيطرة الحوثيين غير معروف، ويرجع ذلك أيضًا إلى عدم إمكانية وصول الجهات الإنسانية الفاعلة لإجراء تقييم مستقل للاحتياجات".
وتحدث التقرير عن تقديرات موثوقة لعدد السكان المحاصرين في الدريهمي والتي "تشير إلى حوالي 1,800 شخص".
ووفقاً للمعلومات التي توصل إليها الخبراء فإنهم يعتقدون أن كلاً من القوات الحكومية والموالية لها، تنتهك القانون الإنساني والدولي بالحصار المفروض على الدريهمي، كما أن المليشيات الحوثية تنتهك القانون الدولي والإنساني من خلال زراعة الألغام المضادة للمركبات والفردية، وينفي الحوثيون زراعة ألغام فردية، لكن الخبراء أكدوا أنهم يزرعونها وفي اماكن لا يرتادها إلا المدنيون.


وأشار التقرير إلى استنتاجات أخرى تتعلق بمنع وصول المنظمات والمساعدات، حيث تواصل جماعة الحوثي القيود على وصول المساعدات وتغير مسارها في بعض الاحيان وفق ما تحدث عنه التقرير.
كانت القوات الحكومية وقوات أخرى مدعومة من الإمارات، قد سيطرت في أغسطس العام الماضي، على معظم مناطق مديرية الدريهمي، لكن المليشيات الحوثية ظلت صامدة في جزء من مركز المديرية رغم تطويقها من كل الجهات، ويعود ذلك إلى أهمية المنطقة حيث تعتقد الجماعة أن سقوطها بين الشرعية والتحالف سيمثل هزيمة لبقايا قواتها في مديريات بيت الفقية، والمنصورية وتقدم محتمل للشرعية في الجراحي وزبيد.


وتبعد الدريهمي عن مركز مديرية الحديدة، 18 كم فقط، وتمثل المناطق الخاضعة للحوثيين فيها، مصدر قلق لقوات الشرعية والتحالف، حيث تتخذ وحدات تطلق على نفسها اسم "حراس الجمهورية" والتي يقودها العميد صالح طارق المدعوم من الإمارات، من المناطق الساحلية بالدريهمي مركزاً لقيادتها وفيها تتواجد أهم قواتها.
وعند البحث عن الدريهمي في وسائل إعلام الإمارات، تظهر الكثير من النتائج التي تتحدث عن مشاريع إعاثية وتنموية تمولها أبوظبي في المديرية، فيما تشكك أطراف حكومية وحتى الحوثيون في تلك المشاريع باعتبارها جزء مما تحاول أبوظبي ترويجه في الإعلام في حين الحقيقة على الواقعة مخالفة لذلك.


مطلع أكتوبر الجاري، دعا رئيس اللجنة العليا للإغاثة وزير الإدارة المحلية، عبدالرقيب فتح، منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي للتدخل العاجل والضغط المباشر على مليشيا الحوثي لإدخال المساعدات الإغاثية للسكان المحاصرين في مدينة الدريهمي بمحافظة الحديدة، دون قيد أو شرط أو تأخير.
واستنكر الوزير في تصريح نشرته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، منع مليشيا الحوثي الإرهابية برنامج الأغذية العالمي من إدخال المساعدات إلى السكان في الدريهمي.


وطالب فتح الفريق الأممي المنبثق عن اتفاق السويد، والخاص بمراقبة إعادة الانتشار في الحديدة، "بممارسة دوره في إلزام المليشيات الإرهابية بالسماح لإدخال المساعدات بصورة عاجلة وتسجيل هذه الانتهاكات ومخاطبة المجتمع الدولي بكافة هذه التصرفات التي تمارسها المليشيات الإرهابية التابعة لإيران".


ويبدو أن مسلسل تبادل الاتهامات بين الحكومة الشرعية والتحالف من جهة والحوثيين وحليفتهم إيران، سيستمر بشكل أكثر حضوراً في الاسابيع القادمة، في ظل التجاذبات والرسائل المتبادلة التي تتحدث عن السلام والتهدئة، والتي يتلقفها المبعوث الأممي بسعادة.


في حين يصارع المئات من سكان الدريهمي من أجل البقاء على قيد الحياة، مواجهين حصاراً وعدواناً وحرباً تقودها كل الاطراف دون أي اعتبار لحياة المدنيين الذين تتزايد أعداد الضحايا في صفوفهم، وتعزف كل الاطراف على وقع تلك الأرقام في المزايدات الإعلامية والسياسية.