على غرار ما صنعته في عدن عقب تحرير المدينة من سيطرة الحوثيين عام 2015 تجري الإمارات ترتيباتها الخاصة في الساحل الغربي.
فبعد تحرير مساحات واسعة في الساحل الغربي للبلاد من سيطرة مليشيات الإنقلابيين الحوثيين، شرعت الإمارات في تقليص حضور القادة الحقيقيين الذين ساهموا في صناعة الجزء الأكبر من الإنجاز العسكري.
تقول مصادر خاصة لـ"المصدر أونلاين" إن الإمارات ومنذ وقت ليس بقصير بدأت في اتخاذ إجراءات لتهميش وإضعاف القادة العسكريين الحقيقيين الذين شكلوا اللبنات الأولى للمقاومة التهامية وحشدوا المقاتلين واستخدموا حضورهم الشعبي لصناعة حاضنة للمقاومة والتي أسهمت بدرجة كبيرة في تسهيل مهمة استعادة مساحات واسعة من الساحل الغربي تزيد عن 200 كم من باب المندب جنوباً إلى أطراف مدينة الحديدة شمالاً.
"الشيخ عبدالرحمن حجري، والعميد أحمد الكوكباني" وهما أبرز قائدين عسكريين ينتميان إلى الساحل الغربي، كانا هما المنطلق لتشكيل المقاومة العسكرية، وشكلا خلال الفترة الماضية الدينامو المحرك للعمليات القتالية في الساحل الغربي، واللافتة الجاذبة لاستقطاب مقاتلين من السهل التهامي إلى صفوف قوات الحكومة الشرعية، وحققا إنجازات لافتة عندما كان طارق صالح لايزال يقاتل على الضفة الأخرى كحليف للمتمردين الحوثيين.. أين هما الآن؟
حسب معلومات "المصدر أونلاين" فإن عبدالرحمن حجري منذ فترة في العاصمة الإماراتية "أبو ظبي" في وضع أشبه بالإقامة الجبرية. تمضي الأسابيع والشهور بينما الرجل الذي اعتاد التواجد في الميدان معزولاً في شقة، وقد دأبت الإمارات على استضافة عائلات القادة العسكريين المتعاونين معها وإبقائهم داخل دولة الإمارات.
وجاء تجميد "حجري" في أبو ظبي بعد تململه من الاجراءات التي اتخذتها الإمارات لتقليص قواته وأوقفت تزويده بأي ذخائر أو معدات جديدة، وضمن خطتها في صناعة قادة جدد ذهبت الإمارات لتشكيل لواء جديد تحت قيادة شاب يدعى الوحش (30 عاماً) كان يعمل ضمن قوات اللواء الاول تهامة الذي يقوده الكوكباني، وزودته بالقوات والإمكانات التي تجعل لواءه جاذباً للمتسربين من الألوية الضامرة، وتعيش الألوية في الساحل الغربي حالة سيولة حيث يتسرب الأفراد من وحدة عسكرية إلى أخرى بشكل انسيابي بمجرد شعورهم أن اللواء الذي ينتمون إليه لم يعد محل اهتمام وهو ما حدث للواء الذي كان يقوده حجري.
ويقول المصدر إن منشأ الخلاف وعدم الانسجام بين حجري والإماراتيين أنه كان يحرص على إيجاد قوة تهامية تتشكل من المقاتلين الذين ينتمون إلى مناطق تهامة، تكون هي صاحبة الكلمة الأولى في الساحل الغربي بينما تريد الإمارات أن يكون الجميع مجرد "دمى" يتلقون التوجيهات من العميد طارق صالح الذي تعتبره الحليف والوريث الشرعي لها ولألوية العمالقة (سلفية ينتمي أفرادها للمحافظات الجنوبية) بعد أن تم سحب الأخيرة إلى عدن لتعزيز قوات الإنفصاليين في مواجهة الحكومة الشرعية.
ماذا عن العميد أحمد الكوكباني؟
تقول مصادر "المصدر أونلاين" إن الرجل غادر مواقع تمركزه في الساحل الغربي إلى العاصمة السعودية الرياض بعد أن لمس أن الأمور تتجه إلى وجهة غير طبيعية وأن إجراءات بدأتها القوات الإماراتية لتسليمهم (القادة الذين ينتمون إلى تهامة) كعهدة لطارق صالح.
يرفض أحمد الكوكباني وعبدالرحمن حجري انضواء وحداتهم تحت قيادة طارق صالح الذي لا يعترف بشرعية الرئيس هادي ولا تربطه علاقة من أي نوع بمؤسسة الجيش التابع للحكومة الشرعية، بل التوصيف الأقرب لوضعيته الحالية أنه يعمل كمقاول لصالح دولة الإمارات التي يتلقى منها التمويل والتسليح والتوجيهات.
وبحكم وجود حجري في أبو ظبي فإنه لا يستطيع إعلان هذا الرفض، بينما اختار العميد الكوكباني الانتقال إلى الرياض كونه أقرب للحكومة الشرعية، وحسب المصادر فإن انتقال الكوكباني إلى الرياض جاء بعد أن أطلقت قوات طارق يدها لاعتقال مسؤولين وقادة في مناطق الساحل الغربي، وهو اعتبر اعتقال مدير مديرية الخوخة ومدير الأمن مؤشراً غير مطمئناً له.
وكانت القوات الاماراتية وعبر ذراعها المحلية "قوات طارق" أقدمت على توقيف محمد يحيى عبدالسلام "أبو تميم" مدير عام مديرية الخوخة الساحلية، و"لؤي الصبيحي" مدير الأمن متهمة إياهم بالتورط في قضية قتل، وتواصل احتجازهم منذ شهرين دون أن تعرض القضية على أي جهات قضائية. فيما يسعى طارق صالح لتعيين بدلاء عنهم من المحسوبيين عليه والذين كانوا يوالون مليشيات الحوثي أثناء وقبل تحرير المنطقة، وهو الأمر الذي لا يزال يرفضه المسؤولان المحليان المعينان من قبل الحكومة الشرعية.
وفي مقابل ترحيل أو تجميد القادة العسكريين المنتمين إلى السهل التهامي والذين لعبوا الدور الأبرز في العمليات القتالية ضد الحوثيين خلال السنوات الماضية، وصل أمس الأول العميد عمار محمد عبدالله صالح (نجل شقيق الرئيس السابق صالح ووكيل جهاز الأمن القومي سابقاً) إلى معسكر "أبو موسى الأشعري" الواقع في مدخل الخوخة على الطريق المؤدية إلى حيس، وهو معسكر قديم بني في ثمانينات القرن الماضي.
وعبر شبكة نفوذه التي بناها طوال فترة إدارته لجهاز الأمن القومي يقدم عمار صالح خدمات أمنية ومخابراتية لدولة الإمارات مقابل تمكينه وشقيقه طارق من مناطق الساحل الغربي لتكوين دويلة خاصة بهم هناك. ويتنقل عمار بين عدن و"أبو ظبي".
أمس الأول استلم طارق صالح قاعدة "العنبرة" العسكرية التي تضم مقر قيادة القوات الإماراتية في الساحل الغربي، جنوب غرب الخوخة.
وبعد أن ظل طارق صالح يتقاسم، خلال الفترة الماضية، النفوذ مع قوات العمالقة التي تتشكل من عناصر ينتمون للمحافظات الجنوبية ومعظمهم من التيار السلفي، يستعد اليوم لفرض هيمنة كاملة على الشريط الساحلي وبدأ يتصرف كحاكم عسكري مطلق.