طريق الأقروض- تعز

الحصار الأكبر.. كيف يركب أبناء تعز الصعاب للوصول لمدينتهم (صور)

  أسمع وأقرأ عن حصار تعز وعن معاناة سكان المدينة منذ سنوات، لكنني ما إن ذهبت إليها، كنت أقف مذهولاً أمام حقائق فظيعة تفوق الوصف، وأيقنت معنى أن من رأى ليس كمن سمع”، يقول غسان محمد واصفاً المعاناة التي يواجهها مئات الآلاف لا بل ملايين السكان، نتيجة إغلاق طريق الحوبان، المنفذ الأهم من تعز وإليها. 

يسكن محمد وأسرته في صنعاء، وفي الشهور الأخيرة اضطر إلى زيارة أقارب له في تعز، للمرة الأولى منذ تصاعد الحرب عام 2015. يقول لـ”درج”، “القصة أكبر مما نتصور، فالطريق التي كان المرور منها يستغرق خمس دقائق، أصبحت تستغرق بين 5 و8 ساعات، ويتطلب الأمر تكاليف قد تصل إلى 15 ألف ريال”، وهذا يعني أن “الانتقال من أطراف تعز إلى المدينة نفسها، رحلة تكاد تساوي السفر من صنعاء إلى تعز”. 

وصل غسان الذي يعمل في شركة خاصة في صنعاء، إلى منطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، الثامنة صباحاً، وهي المنطقة التي تعد جزءاً من مركز تعز، لكنه لكي ينتقل إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، كأي مسافر، خاض رحلة جديدة محفوفة بالمخاطر.

يضيف: “في الحوبان كنت أسأل عن الوقت الذي سيستغرقه الوصول إلى مدينة تعز عاصمة المحافظة، فكانت الإجابة خمس ساعات والبعض يقول قد تستغرق يوماً كاملاً، وهو ما لم أستطع استيعابه. اتجهت إلى سيارات النقل قاصداً التوجه إلى المدينة عبر طريق الأقروض البديل، والذي قررت ألا أعود منه”. 

يبدأ طريق “الأقروض” والذ يمر بمناطق أشهرها “خدير”، بالمرور لمسافة نحو نصف ساعة، في الخط الإسفلتي، ثم ينتقل المسافر إلى طرق فرعية ترابية تمر بمرتفعات ومنحدرات، في الغالب لا تستطيع المرور منها سوى السيارات المرتفعة والمزودة بـ”الدبل”، كما يقول أكثر من مسافر لـ”درج”، ولذلك فإن سيارات النقل بالأجرة بالغالب، عبارة عن صالون “تويوتا” من طراز الثمانينات غالباً. 

ضيق الطريق الترابي الذي يضطر المسافرون والمغادرون من تعز إليها، إلى عبوره، أحد أبرز أوجه المعاناة، إذ إنه لا يتسع في أجزاء واسعة لسيارات من الجانبين، وهو ما قد يتسبب، بتوقف الطريق لساعات، كل ذلك، عدا عن كون الشاحنات (دينات وناقلات بضائع متنوعة)، تمر أيضاً في الطريق نفسها، وتتعطل من حين إلى آخر، ما يؤدي إلى توقف السير في الطريق الذي يعد الأقل خطورة بين الطرق البديلة الوعرة. 

ويفيد سامر المعمري وهو أحد سكان تعز لـ”درج”، بأن الأهالي يعيشون “في ما يشبه السجن”، و”السفر بأي اتجاه لا يتطلب الاستعداد لرحلة شاقة وحسب، بل التهيؤ لمغامرة قد تنتهي بالموت بالألغام أو الاعتقال في إحدى النقاط لمجرد الاشتباه أو بحوادث السير، وإذا كان لديك مريض، قد تتدهور حالته الصحية بسبب الطريق”. 

تنتشر في طريق الأقروض نقاط تفتيش تابعة للطرفين تدقق في هويات المسافرين ويتم إغلاق الطريق أحياناً بسبب حوادث أمنية أو اشتباكات في مناطق قريبة، وهو ما يجعل السكان، يعيشون مأساة حقيقية، في مركز محافظة هي الأبرز من حيث عدد السكان في اليمن.

حصار خانق للعام الخامس

مدير الإعلام في مكتب محافظة تعز (السلطة المحلية التابعة للشرعية)، نجيب قحطان، بوضح لـ”درج”: “للأسف الشديد، للعام الخامس على التوالي ولا تزال ميليشيات الحوثيين تفرض حصاراً خانقاً على تعز، مغلقة بذلك النوافذ والطرق الرسمية الداخلة إلى تعز والخارجة منها”. 

ويضيف، “يحصل ذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع، وعلى رغم المناشدات المستمرة من أبناء تعز للمنظمات الدولية وللعالم والأمم المتحدة ومجلس الامن ولكل المهتمين بحقوق الإنسان، إلا أن كل ذلك ووجه بالصمت المدقع وغير المبرر”. 

ويشدد قحطان على أنه وبسبب إغلاق الطرق الرئيسية “تحول السفر إلى تعز أو مغادرتها عبارة عن مغامرة للموت بسبب اضطرار المواطنين إلى السفر عبر طرق بديلة وعرة وضيقة وجبلية وشديدة الانحدار، ما أدى إلى انقلاب مركبات كثيرة، كانت تقل المواطنين، ووفاة الركاب الذين نجوا من قذائف الحرب ليلقوا حتفهم في الطرق البديلة الوعرة، طرق الموت”.

مفاوضات فتح الطريق 

منذ سنوات، بقيت تعز، من أبرز العناوين للمفاوضات بين الحكومة والحوثيين برعاية الأمم المتحدة، إذ تطالب الأولى بإنهاء ما تصفه بـ”حصار تعز”، وكان التفاهم بشأن تعز أحد ثلاثة اتفاقات في مفاوضات السويد كانون الأول/ ديسمبر 2018، إلى جانب الحديدة وتبادل الأسرى والمعتقلين، لكن الاتفاق لم يحقق أي تقدم يذكر حتى اليوم.

ومع استمرار المعاناة، تطرح من حين إلى آخر، دعوات إلى ضرورة التحرك بجهود سياسية ومحلية، لتخفيف معاناة الملايين. ويقول قحطان، إن “السلطة المحلية بذلت جل جهدها وقامت بتشكيل لجنة تهدئة وتواصل مع الحوثيين لفتح الطرق الرسمية وتجنيب المسافرين ويلات البعد والعناء أثناء دخولهم وخروجهم من تعز وإليها”. 

ويضح أن اللجنة المشكلة توجهت أكثر من مرة إلى منطقة “الحوبان” وفق طلب الحوثيين لمناقشة القضية، وتم التوصل إلى بعض الحلول بفتح المنافذ الرئيسية، ولكن “فوجئت اللجنة بعد عودتها برفض الحوثيين ما تم الاتفاق عليه”، وعللوا ذلك بـ”أوامر من القيادة العليا”. 

وتواصل “درج”، مع قيادات مكتب “أنصار الله” في تعز، للحصول على تعقيب حول القضية، إلا أنه لم يحصل على رد. 

ومن الجدير بالذكر، أن القيادي عضو المكتب السياسي للجماعة، محمد البخيتي، كان تطرق في تصريح في آب/ أغسطس 2019، إلى أزمة إغلاق منفذ “الحوبان”، وقال إن إغلاق الطريق، يأتي لأنه يمر من أهم جبهات (الحرب) في تعز وفتحه يحتاج إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار. 

ودعا البخيتي إلى مفاوضات مع “حزب الإصلاح” بوصفه بنظره المسؤول في الجهة المقابلة، وسأل: “هل يقبل حزب الإصلاح الجلوس معنا على طاولة الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار من أجل فتح الطريق؟”.