الانتقالي الجنوبي

منذ 4 أيام في عدن.. كيف كسر العميد "الحمادي" الشرعية، وأعلن تبعيته للإمارات؟

كتب/ عبدالعزيز المجيدي

ما هو السبب الذي يدعو قائد عسكري محسوب على الجيش الوطني بتعز للتوجه نحو عدن في هذه الأثناء؟

العاصمة المؤقتة، المفترضة، تقع تحت سيطرة المجلس الإنتقالي، الكيان الذي صنعته الإمارات واستخدمته للإنقلاب على الرئيس الشرعي في 10 أغسطس الماضي!

وضع عدن الآن يشبه إلى حد كبير وضع صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي.

 

لا مؤسسات تتبع الرئيس الشرعي، تعمل في العاصمة المؤقتة.

أما الحكومة الشرعية فقد وجهت  شكوى للأمم المتحدة بشأن سلوك الإمارات العدائي ودورها في تنفيذ الإنقلاب وقصف الجيش على مشارف عدن.

 

وأصدرت وزارة الدفاع وهيئة الأركان أكثر من مرة بيانات تدين الإنقلاب وتعتبره جريمة ضد البلد ووحدته.

 

يرتفع التصنيف لدى الشرعية ،للوضع في عدن، حد اعتبارها واقعة تحت الإحتلال الإماراتي.

 

أكثر من يتوجب عليهم الإلتزام بهذا الموقف، بصرامة وحزم،الجيش وقادته.

 

لكن قائد اللواء 35 العميد عدنان الحمادي، لا يجد حرجا في التوجه إلى عدن والتعامل مع قيادة القوات الإماراتية المدبرة للانقلاب!

 

من يتبع الحمادي إذا؟

 

مرت 4 أيام على وجود قائد اللواء 35 في عدن.

 

حتى شكليا، لم يحط قيادة الجيش الذي يتبعه علما بالأمر، وتصرف باعتبار الزيارة أمرا شخصيا!

 

لكأنه حاكم دولة مستقلة قرر إجراء زيارة للأشقاء!

 

 

لا يثير الأمر حساسية " الكيوتين" الذين يريدون "دولة" ويتغزلون "بالجيش الوطني الحمادي"!

 

يبدو الأمر طبيعيا لأنه لا يذعن لجيش "الإخوان" اليمنيين لكنه ينفذ أوامر إخوان بن زايد!

 

لطالما تحدث الحمادي عن نفسه، كما جوقته العجيبة المصابة بالإنفصام، باعتباره قائدا عسكريا يتبع الجيش الوطني ويخضع للسلطة الشرعية.

 

لكنه،في الواقع، يتصرف باعتباره يسيطر على كيان مستقل، هيئته الأعلى ليست وزارة الدفاع، بل قيادة القوات الإماراتية في البريقة!

 

هذا السلوك الذي ينسف كل مواقف الرجل القديمة، حصيلة اختلالات تعانيها الشرعية، وحملات تصنيم منحت الرجل الجرأة لإعلان تمرد سافر وإظهار ولائه للإمارات أولا وأخيرا.

 

هناك الكثير مما يمكن قوله حول أكذوبة القائد "صاحب الطلقة الأولى" بتعز، وحول اللواء"حائط صد الجمهورية الأخير في جيش عفاش".

 

هذا المسمى (اللواء35) انتهى في الأيام الأولى للحرب الى 4 مرافقين للحمادي(بحسب اعترافه في مقابلة صحفية) وأعاد بناءه، بتعاون الجميع، من الصفر من "المدرسين" وأفراد المقاومة الشعبية.

 

لكن التاريخ ليس مهما الآن.

 

الأهم كيف تبخر " القائد الأسطورة" إلى مجرد دمية يتلاعب بها القائد الإماراتي من البريقة؟

 

طوال فترة الحرب،جرى إحاطة الحمادي بهالة تشبه تلك التي تحيط بنجوم كرة القدم والفن وأقطاب السياسة الجماهيريين.

 

ساندته آلة دعائية لطرف سياسي لديه ميراث في صناعة الأصنام والتبرك بمقابر الموتى.

بالإضافة لناشطين يساريين باتوا في عداد المعجبين للغاية بالرفيق السلفي أبو العباس!

 

أنفق الحمادي شخصيا الكثير من الأموال لإنشاء مراكز وخلايا إعلامية وشبكات ناشطين حولوه الى "أيقونة" الجيش الوطني.

 

"جيشهم الوطني " الذي يقصدونه هو ذلك الذي يضع نفسه تحت قيادة دولة أخرى منفذا أوامرها حرفيا!

 

بدأت انحرافات القائد عندما حول لواءه العسكري إلى خرقة يغطي بها جرائم " كتائب أبي العباس"المدعومة إماراتيا.

 

بينما كان يتم تدبيج كلمات الإطراء للواء وقائده "النموذج " كان هو يفصح بكل صراحة عقب كل ورطة يقع بها مسلحو كتائب متطرفة، أسندت لها الإمارات مهمة خلق الفوضى والاغتيالات بتعز، قائلا "إنهم يتبعون اللواء ماليا، لكنهم لا يخضعون لأوامره".

 

كان الحمادي أول ضابط في الجيش اليمني يقود لواء، يقول بكل قبح، إن ثمة وحدات تتبعه لكنها لا تتبعه!

 

لعلها واحدة من خدمات القائد العسكرية لجهة أخرى، أجرها صلاحيته لتتولى توجيه الأوامر للتشكيلات التابعة للقائد!

 

ابتكار جديد، لنموذج مطور ما بعد الحداثة "لجيش وطني" مرغوب بشدة لدى قوى سياسية لا تكف عن الحديث عن مطالبتها ب" دولة المؤسسات" قادة هذه القوى يرابطون بصورة دائمة في مقر التحالف العسكري بعدن!

 

لقد تطورت علاقة الحمادي بالإمارات في الوقت الذي كان يبتعد عن الجيش ورؤسائه المفترضين ورفاقه بتعز ووزارة الدفاع وهيئة الأركان.

 

ذلك لا يعني أن هيكل الجيش وقادته في تعز، مثاليا، لكن الحفاظ على تراتبية المؤسسة العسكرية المفترضة جزء من أبجدية "الجندية" ومظاهرها البسيطة، فكيف إذا كانت جهازا قيد التأسيس؟

 

لاحقا، صار مناطا بالحمادي تسويق فكرة سلخ المديريات الريفية التي تقع تحت سيطرة لوائه عن تعز المدينة والمحافظة.

 

لطالما خرج في التصريحات متحدثا عن " الحجرية" كما لو كانت شأنا "قوميا" يخصه، كما تعامل مع القيادة العسكرية التي يتبعها كطرف، وظل يتصرف على هذا النحو في مذكرات رسمية.

 

وازدهرت نغمة قروية قميئة بتعيين الإماراتي أمين محمود محافظا.

لقد كان بمثابة صندوق بندورة الأسطوري الذي تدفقت منه الشرور.

 

ساند هذا الأخير كتائب ابو العباس كالتزام لأوليائه الإماراتيين الذين اشتغلوا بكل الطرق لتسمين الإرهاب بتعز.

 

من خلال موقعه، شارك محمود بتوفير غطاء إضافي لذلك الذي يوفره الحمادي، لأذرع التطرف الإماراتي.

 

تدفقت أنواع الأسلحة والعتاد لضرب أي حالة استقرار في المحافظة واستنزافها من الداخل.

 

حتى أن المحافظ المدني الكيوت، راكم كميات ضخمة من السلاح في منزله، وكان قد شرع بتشكيل ألوية عسكرية تتبعه شخصيا!

 

كان للحمادي حصته من عطايا بن زايد المفخخة.

 

في إحدى المرات حصل على 70 طقما دفعة واحدة من القوات الإماراتية سال لها لعابه وسلبت عقله،  وظل مقرها في البريقة مقصدا دائما للقائد الذي وجد نفسه صاحب سلطة أمر ونهي وجباية في مناطق انتشار اللواء بلا حسيب.

 

اتضحت معالم الصورة أكثر مع انضمام حفنة مرتزقة عفاش بعد مصرعه على يد حلفائه في الإنقلاب.

 

صاروا جزءا من حملات البغاء السياسي والشيطنة للجيش الوطني فيما كرسوا كتابات المديح للحمادي  كقائد " مميز" "ووطني".

 

هذه العناصر المأجورة، قاتلت كتفا بكتف مع الحوثي وهو يقصف تعز ويرتكب المجازر، وأطلقت زغاريد التشفي بأشلاء الاطفال على وقع " دجوهم بالجناصات".

 

بعد استهلاكها في خدمة الإنقلاب الأول في صنعاء، ذهبت وجوه الدمامل لبيع خبرة الردح والإرتزاق كأحذية مستهلكة مع الإمارت في مناطق الشرعية.

 

مثلما انتعلها الإنقلاب الأول، ارتدتها الإمارات في مشوار الإنقلاب الثاني في عدن.

 

قبل ذلك وظفها جهاز استخبارات أبوظبي في معركة الدعاية وحفلات الإنحطاط السياسي والأخلاقي لشيطنة تعز.

 

توقف الحمادي عن ممارسة وظيفته كقائد يرتبط بهيكل قيادي عسكري، وتحول الى ناشط سياسي، يبيع التصريحات والمناجمات السياسية، مهاجما رفاقه ومن يفترض أنهم قادته.

 

تعاظم شعور الرجل بكونه حاكم دولة مستقلة في التربة والحجرية، فغدا مصابا بهوس الإعلام والتصريحات.

 

وأستقر لصيقا بمشروع إماراتي يطهى على مهل لتعز، يمثل أحد أضلاعه طارق عفاش.

 

تنشط عناصر طارق بشكل علني في التربة، ويتجولون ببجاحة بالأطقم المسلحة هناك.

 

حدثني ضباط من اللواء 35 عن عمليات توزيع أسلحة لعناصر العباس وطارق في المنطقة، بإسناد من الحمادي، جرت خلال الأشهر الستة الأخيرة.

 

ابتعد الرجل كثيرا عن وظيفته وصار مستثمرا، يتقاضى الأموال والعتاد ، مقابل تنفيذ مخطط الإمارات.

 

بلغ مرحلة إعتبار رؤسائه ورفاقه في الجيش الوطني، أعداء وقرر رفع السلاح في وجوههم في التربة والمعافر.

 

فعل ذلك لمساندة مليشيا لا تخضع للجيش والشرعية و تصنف رسميا بأنها مجاميع للخارجين عن القانون.

 

الضابط برهان الصهيبي كتب ذات مرة، كيف أصبح اللواء 35 وقائده أداة طيعة لمشروع السلخ الإماراتي للحجرية عن تعز، ضمن وهم إعلان محافظة جديدة تضم سواحل تعز والحجرية تخضع للإمارات. هذا المشروع كان جزءا من أنشطة المحافظ الكندي السابق محمود.

 

أثق كثيرا ببرهان، فهو أبعد ما يكون عن التحزب، وهو مثقف متعدد القدرات.

 

تحدث الصهيبي بصورة صريحة، كيف أصبح الحمادي مجرد غطاء يعمل لمصلحة عناصر ابو العباس المتهمة باغتيال أفراد الجيش، ويستخدم في مشروع طارق، يستحدث المواقع وينشر النقاط ويقطع الطريق مرارا لمحاصرة تعز.

 

يعتبر الحمادي وجود حملة أمنية مشكلة من قيادة الجيش والأمن في التربة، خرجت في أعقاب تمرد مدير أمن مقال قبل شهرين، تصعيدا ويطالب بانسحابها وكأنها اقطاعية تخصه.

 

 

بنظره، لا يحق للسلطات الشرعية التواجد في التربة والمعافر، فهي دولة مغلقة بالنسبة له. هذه الحساسية غابت حيال عناصر طارق !

 

كما لا يحق للسلطات الشعور بالخطر لوجود عناصر مسلحة قاتلت تعز مع الحوثيين طيلة 3 سنوات وتلذذ قادتهم بأشلاء أطفالنا.

 

انتقلت هذه العناصر للعمل كفرق مرتزقة في الساحل الغربي، ترفض الاعتراف بالشرعية التي يضحي من أجل رمزيتها ملايين اليمنيين وتنتشر باستفزاز وغطرسة في مناطق عديدة تحررت بدم وأرواح الآلاف.

 

ثمة مآخذ بالتأكيد على أداء السلطات العسكرية والأمنية، لكن مجال مناقشتها بالنسبة لقائد عسكري هي الأطر الرسمية.

 

هناك خلل فظيع في هياكل الشرعية ساهم بتشجيع الحمادي وبعض القادة للتمادي في تضخيم سلطاتهم وإشهار السلاح وإعلان التبعية لدولة تمارس التخريب والسطو على البلاد.

 

 

محور تعز العسكري يتصرف بتقديرات السياسي وحساباته وليس بحسب ما تمليها عليه واجبات القيادة العسكرية الحازمة.

 

يتم التعامل مع مختلف التوترات والتمردات بمنطق القبائل وصراعات ملاك الأراضي، بالمراضاة والطبطة، وليس وفقا للقواعد والقوانين العسكرية الصارمة.

 

الرئيس ونائبه والحكومة ووزارة الدفاع وهيئة الأركان تركوا فراغات قاتلة بممارسة الفرجة على هكذا مشاكل وسلوك، فملأتها أجندة الخارج وأطراف الداخل وحساباتها المدمرة.

 

مشاكل الجيش لا تحتمل تحويلها الى مساحة مباحة لوجهات نظر القادة وأمزجتهم وولاءاتهم، لتغدو حلبة صراعات شخصية أو حزبية.

 

أما أن يكسر قائد عسكري، بكل جرأة وعلنية، كافة إعلانات ومواقف مؤسسة الجيش والسلطة الشرعية التي يزعم اتباعها، ويذهب لمصافحة أعداء، فماذا أبقى للمتمردين؟

*المقال يعبر عن رأي كاتبه