مكين العوجري- المشاهد نت
“لم أكن أعلم أني مخطوبة لأحد أقربائي، إلا بعد شهرين”. بهذه الكلمات بدأت فاطمة (25 عاماً)، تروي قصتها عن واقع زواجها القسري بأحد أقاربها، تحت وطأة الحرب، بعد انتقالها مع أسرتها من محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن) إلى مدينة أخرى، في بداية المواجهات المسلحة بالمحافظة، مطلع العام 2015م.
ولدى عودتها إلى مدينتها تعز، أخبرها والدها بأن عرسها بعد شهر، فكانت الصدمة التي وصفتها بحرب أخرى بدأت تعيش تفاصيلها، كما تقول.
وتضيف فاطمة: “لم أستسلم، ورحت أقاوم بشدة. لكن ثقافة الأسرة وقسوة والدي، أرغمتني على الرضوخ للصمت في النهاية”.
ويعد زواج الأقارب القسري من القضايا الشائعة في اليمن، لكنه تنامى بشكل لافت منذ اندلاع الحرب في البلاد.
وتصنف الأمم المتحدة زواج الإكراه، بالزواج القسري، والذي تنامى خلال فترة الحرب التي عصفت باليمن، وأدت إلى تردي الأوضاع الاقتصادية للأسرة اليمنية عموماً.
زواج بالإكراه
أسماء هي الأخرى أرغمتها أسرتها على الزواج من أحد أقربائها، وفق ما تقول، مضيفة: “يوم زفافي كأني ارتديت كفن موتي، ومازلت أبحث عن الخلاص من هذا الزواج”.
وكان والد أسماء، يخبرها بأن عليها الموافقة، تحاشياً للعيب الذي سيقال عنه من قبل أقربائه (أسرة الزوج)، مكرراً عليها العبارة: “عيب تسودي وجهي عند الناس”.
في البداية، باءت كل محاولات أسماء بالفشل، رغم استخدام طرق عديدة للإفلات من عملية البيع البخس، لكنها كانت تفشل في كل مرة، كما تقول.
وبعد الزواج، تعرضت أسماء لأبشع أنواع العنف اللفظي والنفسي والجسدي، حتى وصل الأمر إلى محاولة الاعتداء الجنسي، من قبل شقيق زوجها، إذ تقول: “صحوت من نوم عميق في منتصف الليل، فوجدت شخصاً ينام بنفس السرير، فصرخت، ففر الرجل من باب الغرفة، قبل أن يأتي جميع من في المنزل”.
وتتابع: “والدي وإخوان زوجي وصفوني بالمريضة، وأنه لم يحدث شيء، وحينها تعرضت لمضايقات كثيرة، خلافاً عن مواقف مختلفة واجهتها في فترة العيش مع هذا الرجل، كنتيجة حتمية لمصير زواجي بالإكراه”.
تتنهد قبل أن تردف قائلة: “من هنا بدأت المعاناة”.
لم تستلم أسماء لواقعها المرير بعد سنوات من الزواج القسري، بل قررت العودة إلى منزل والدها.
وبعد تجاوز حالتها النفسية الصعبة، بدأت في البحث عن عمل يقوي عودها وقرارها، وكان لها ما أرادت، كما تقول.
هذا الأمر مكن أسماء من التقدم برفع دعوى إلى المحكمة تطلب فيها الطلاق، ورغم منعها من قبل أسرتها من حضور الجلسة الأولى، كون ذلك يخضع للعرف القبلي، إلا أنها ربحت القضية، وانفصلت عن زوجها القسري.
وتضيف: “لن أكون فريسة سهلة هذه المرة، لتكرار الأخطاء. فقد شددت من أمري، وقررت مصيري، بالانفصال عن هذا الرجل. ولن أعود إلى المعاناة مرة أخرى”.
وهو ما عجزت عنه فاطمة التي استسلمت للمعاناة، كما تقول صديقتها المقربة، مضيفة أن فاطمة قوبلت بمعاملة سيئة من قبل الرجل الذي أُرغمت على الزواج منه.
ورغم ما لاقته فاطمة من معاناة، إلا أنها تعيش مع زوجها حتى الآن، بحسب صديقتها، مشيرة إلى أنها لم تفقد الأمل بعد، فمازالت تبحث عن أية فرصة للتخلص من ويلات الزواج بالإكراه.
الأبناء يُجبرون أيضاً
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات للزواج القسري من الأقارب، إلا أن نجيبة الوليدي، مستشارة أسرية في محافظة تعز، تقول إن هذا الموضوع أصبح منتشراً.
وبحسب الوليدي، فإن زواج الإكراه من الأقارب لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع.
وتقول: “من واقع عملي أجد أن هذا الأمر لا يقتصر على فئة معينة بالمجتمع أو مرتبط بالجهل والأمية، إذ تصلني حالات متعلمة تعليماً عالياً، ومنها مبتعث للخارج.. وَمِمَّا لاحظت أيضاً أن الإكراه لا يكون للفتاة فقط”.
وتؤكد أن مبررات كثيرة تبيح تنامي الأمر في أوساط المجتمع، دون استثناء، فالرجل أيضاً هو الآخر يُرغم على الزواج من قريبته، خاصة زوجات قتلى الحرب، إذ يُرغم الابن على الزواج بأرملة أخيه بحكم الصهرة والحفاظ على الأبناء.
ويتقيد المجتمع اليمني بعقلية الآباء، وضعف شخصية الأبناء «ذكراً او أنثى»، والابتزاز العاطفي الذي يمارسه الوالدان على أبنائهم لكي لا يلحقهم العار بسبب رفض زيجات أقاربهم، كما تقول الوليدي، مضيفة أن الحل يكون بالعمل على زيادة الوعي بأحقية كل إنسان باختيار شريك حياته وإصدار قانون يجرم زواج الإكراه، وتغريم من يزوج بناته أو أبناءه رغماً عنهم.
الدكتور النمر : زواج الأقارب، يتمثل في زيادة فرص اجتماع الجينات المتنحية، والتي تسبب الإصابة بالأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية،
أمراض وراثية
زادت الظروف المعيشية والأمنية في البلاد من تصاعد ظاهرة زواج الإكراه من الأقارب، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر صحية محتملة.
وتقول نور عامر (اسم مستعار) إن أول مولودة لشقيقي البكر الذي تزوج من ابنة ابن عمه، عام 1994م، كانت تتحرك بشكل طبيعي.
وخلال عام ونصف من عمرها، بدأت تظهر عليها مشاكل صحية، وبعد عرضها على الطبيب اتضح أنها تعاني من ضمور في الدماغ، ولم تستفد من العلاجات، حتى انتهى بها المطاف إلى الوفاة وهي في ربيعها الثاني، وفق ما تقول نور.
وخلف شقيق نور، 4 أطفال آخرين، جميعهم يحملون الأعراض التي أصابت شقيقتهم البكر، إذ ظهرت نفس العلامات عليهم، وفق قولها، مضيفة أن من تلك العلامات، ضموراً في الجسم، وتضخماً للرأس.
وتقول نور إن شقيقها هذه المرة سافر بولده الأخير الذي ظهرت عليه نفس أعراض أشقائه، إلى الأردن، لعلاجه، وهناك تم إجراء فحوصات، وأرسلت إلى فرنسا وألمانيا، وجاءت النتيجة أن هذه الحالة المرضية نادرة، وليس لها علاج.
وعند عودة الزوجين إلى اليمن، كانت الأم حاملاً، وأنجبت ولداً مريضاً، وفق نور التي تضيف: “توفي الولد الأول، وكان عمره 8 سنوات، ليموت بعده الولد الأخير، وعمره قرابة11 سنة، وهذا الأخير أصيب بتقرحات وتفتت في الهيكل العظمي”.
ويؤكد مدير صحة الأسرة في مكتب الصحة العامة والسكان بتعز، الدكتور فهد النمر، أن الأمراض الوراثية نتيجة سلبية يسببها زواج الأقارب، سواء كان بالإكراه أو عكس ذلك، حيث يقول: “إن فرصة الإصابة بأحد الأمراض الوراثية لدى المواليد تزداد كلما كانت صلة القرابة أقوى”.
ما هي الأمراض الشائعة؟
التفسير العلمي لخطورة زواج الأقارب، يتمثل في زيادة فرص اجتماع الجينات المتنحية، والتي تسبب الإصابة بالأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية، بحسب النمر.
وأشار النمر إلى أن معظم الدراسات العملية تؤكد أن أبرز الأمراض الشائعة، هي هيموجلوبين الدم والعيون الخلقية الاستقلابية والأمراض أحادية الجينات الشائعة، موضحاً أنه في حال تزوج رجل من ابنة عمته أو خالته أو ابنة عمه أو خاله، وكان كل منهما يحمل نفس العامل الوراثي المتنحي لمرض ما، فهناك احتمال أن 25% من أولادهما ستظهر عليهم تلك الصفة، و50% منهم يحملون العامل الوراثي المتنحي بدون ظهور أي أعراض، و25% منهم لن يحملوا هذه الصفة.
وإذا كانت درجة القرابة بعيدة، فإن احتمال تواجد الجينات المماثلة أقل، وبالتالي يكون احتمال حدوث المرض في الأولاد أقل، وفقاً للنمر.
ويشير الدكتور فهد النمر إلى أنه، وبحسب بعض الدراسات، فإن زواج الأقارب يورث 82 مرضاً، مثل الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الحويصلات المتعددة بالكلية، مرض الثلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، ومرض أورام القولون.