كتب: عبدالعالم بجاش
لم تعد الحرب في اليمن حرباً واحدة. لقد تناسلت وتكاثرت إلى عدة حروب.
نحن نشهد فوضى من الحروب المتناقضة والنزاعات والحرائق في كل مكان، تولدت عن الحرب الأصلية التي بدأت عام 2015، كحرب بين انقلاب مسلح وحكومة شرعية.
وهي بالأساس حرب بالوكالة إقليمية بين السعودية وإيران، لكن شخصيتها المحلية كانت بارزة أيضاً، فهي عوضاً عن كونها نزاعاً بين شرعية وانقلاب، تركت بصمات قوية كحرب وجودية بين نظام جمهوري وحكم إمامي تحررت البلاد من قبضته السلالية عام 1962م، لكنه ظل كامناً لـ52 سنة، ويتربص، حتى انقض مجدداً في الـ21 من سبتمبر 2014، عبر انقلاب مسلح سقطت العاصمة صنعاء بقبضته.
وبعد شهور شن الانقلاب حرباً واسعة للسيطرة على باقي محافظات البلاد.
منذ ذلك الوقت، تغير الكثير في هيئة الحرب، غير أن ملامحها الأساسية ماتزال تكافح للصمود والعودة إلى المسار الأول.
للمشاهد نت
تكمن الصعوبة في اشتعال حروب جانبية صغيرة، خصوصاً في المحافظات والمناطق المحررة من سيطرة جماعة الحوثيين.
أخطر تلك الحروب وأكثرها تعقيداً، تلك المشتعلة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، حروب صغيرة، لكنها تشبه حرائق غابات الأمازون، إذ يصعب السيطرة عليها للعودة إلى المسار الأول.
وليست المحافظات تحت سيطرة جماعة الحوثيين بأفضل حالاً، صحيح هناك قبضة أمنية شديدة، غير أن هناك أيضاً ضغطاً هائلاً وقمعاً عنيفاً، وانتهاكات أخرى جسيمة لحقوق الإنسان، لا تجعل الوضع آمناً على المدى المتوسط.
وأخطر ما تواجهه جماعة الحوثيين وقبضتها هناك، سجلها في إذلال وإخضاع القبائل والمناطق والمجتمعات المحلية خلال السنوات الـ5 الماضية.
يترك ذلك ندوباً غائرة واحتقانات لا يمكن التنبؤ بمستقبلها.
إذ مهما كانت القبضة الأمنية لجماعة الحوثيين، شديدة، سترتخي تلك القبضة، بخاصة في ظل تنامي الانتهاكات. عوامل كثيرة ربما تسرع من اضطراب الأوضاع في المحافظات تحت سيطرة جماعة الحوثيين، الاقتصادية والمعيشة، الوقود والغاز المنزلي، والأوبئة، وعوامل أخرى، من سيئ إلى أسوأ.
وهناك حالات متزايدة ترصدها منظمات حقوقية، للاعتداءات المسلحة والقتل خارج القانون للمدنيين، واقتحامات للمنازل والقرى والمحال، وجبايات مرهقة.
والأخطر من كل ذلك، السمعة التي تترسخ حالياً عن جماعة الحوثيين، وكيف كافأت عدداً من أصحاب النفوذ المحلي، ممن ساعدوها في الوصول إلى صنعاء، والسيطرة عليها.
وقد توالت الأخبار في السنوات القليلة الماضية، عن مصير عدد من الشخصيات الاجتماعية البارزة، خصوصاً في المجتمعات القبلية لإقليم آزال، ممن تعرضوا للقتل أو الإذلال.
إشكالات كانت الجماعة تنجح في إخماد تبعاتها فوراً، عبر طريقة “الهجر” العرفية القبلية غالباً، وهو الوصول إلى ذوي الضحايا، وتوسيط شخصيات أخرى، لاحتواء أي سخط اجتماعي.
كل ذلك يؤمن حكم جماعة الحوثي مؤقتاً، لكنه في المدى المتوسط يجعل المجتمعات القبلية والمحلية تحت ضغط شديد وكبت.
هذا القمع الشديد يراكم مشاعر غضب مكبوت على نطاق واسع، ويغذي عوامل الانفجار الاجتماعي في مرحلة ما.
وحتى الآن، هامش التفوق الإيراني في صراعات إيران بالمنطقة، يمثل أقوى سند لجماعة الحوثيين داخلياً، ولكن السؤال: كيف سيكون الوضع في حال تغير وضع إيران، وتغير المشهد في طهران؟
يبدو ذلك احتمالاً بعيداً، ولكن الوضع في المنطقة مضطرب بصورة تجعل كل شيء وارداً.
تنتظر جماعة الحوثيين أن تحصد ثمار التفوق الإيراني، والتهديدات للسعودية والمنطقة التي تطلقها طهران، على لسان جماعة الحوثيين، تنتظر رضوخاً سعودياً ودولياً يوقف حرب التحالف نهائياً.
وتنتظر اعترافاً وتمكيناً أكبر لها من الهيمنة على معظم أجزاء اليمن، وتثبيت حكمها الذي فرضته بقوة السلاح والتمرد على الدولة والمجتمع، وأكثر من ذلك تقدم نفسها كأقوى طرف متماسك في الداخل اليمني، في ظل الحروب الداخلية بين مكونات الحكومة والقوى الأخرى المناهضة لانقلاب جماعة الحوثيين.
هذا الوضع فرض، في الأيام الماضية، شكلاً من تبادل الرسائل الإيجابية بين الجماعة والسعودية، ولكن الهدف المطلوب للحوثيين أكبر من قدرة السعودية ودول المنطقة على المجازفة بأمنها القومي والإقليمي، لمجرد تبادل إطلاق تصريحات تتضمن رسائل إيجابية.
وقف غارات التحالف نهائياً، وإنهاء الحصار على المطارات والموانئ، في وقت يقول برلمان إيران إنه نصح الحوثيين بقبول أية صفقة سلام مع السعودية، يجعل الرياض كمن يشتري سمكاً في البحر.
وتفتقر جماعة الحوثي لأي رصيد مشجع، وكثيراً ما عبر المسؤولون السعوديون عن عدم ثقتهم بالحوثيين، لتاريخهم في نقض العهود والاتفاقيات.
والأمر نفسه في ما يخص إيران، إذ لا يوجد حتى الآن ما يضمن عدم ظهور إيران بنهاية المطاف، باعتبارها المستفيد الأخير والأكبر من أي اتفاق بين السعودية والحوثيين.
في الوقت الراهن، تقول الحكومة اليمنية إن السعودية تبذل جهوداً جبارة لإنهاء التمرد في عدن، وعودة الحكومة إلى العاصمة المؤقتة عدن، وإعادة توحيد كافة القوى اليمنية في مواجهة جماعة الحوثيين.
الإمارات، وعلى لسان وزيرها للشؤون الخارجية قرقاش، دعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، للتعامل بمرونة خلال مفاوضات جدة الجارية.
وقال قرقاش إن بلاده تدعم كل الأفكار التي تطرحها الرياض على الطرفين، بهدف تسوية تضمن إعادة توحيد كافة الأطراف اليمنية في مواجهة جماعة الحوثي، ولما يكفل انطلاقة جديدة بقوة وعزم، تتلافى أخطاء المرحلة السابقة.
رغم ذلك، لاتزال مؤشرات إشعال حروب صغيرة في مناطق جديدة محررة، قائمة.
فالوضع على سبيل المثال في الحجرية (جنوب تعز)، في حالة من التوتر، والاحتمال وارد باندلاع حرب بين قوات تدعمها الإمارات، وقوات الجيش الوطني الموالي للحكومة، هناك.
حرب أخرى عبثية لا تصب في صالح أي من الطرفين، موجهة من خارج الحدود، واحتمال نشوبها ينسف أية تهدئة بين الإمارات والحكومة اليمنية.
حرب يقول مراقبون إن السعودية وقيادة الحكومة اليمنية لن تسمح بنشوبها بأي ثمن.
بات إشعال الحروب وتوجيهها عن بعد، من السهولة بحيث تغرق أطراف الشرعية والتحالف في مزيد من النزاع والتشرذم.
أما المكاسب فتصب في مصلحة إيران. والغريب أن كل الأطراف في الشرعية والتحالف، بما فيها الإمارات، متفقة حول هذه النقطة.
ومع كل الحروب التي تتكاثر، والحرائق الصغيرة التي تنتشر في كل مكان، يضيق اليمن أكثر، وتتشرذم مجتمعاته المحلية، ويغدو بلداً أقل أمناً، أقل أملاً، وأقل قابلية للعيش والحريات. أما السلام فيغدو هدفاً بعيد المنال.