14 أكتوبر

14 أكتوبر و26 سبتمبر .. ثورتان بروح يمنية واحدة

عبدالعالم بجاش- المشاهد

شكلت ثورتا اليمن السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 والرابع عشر من اكتوبر عام 1963 فصلا في التاريخ اليمني الحديث قل مثيله بالنسبة لثورتين كانتا بمثابة توأمين.

وتأتي الذكرى السادسة والخمسين لثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة زاخرة بسجل حافل من الحراك الثوري تشاركه ابناء الجنوب والشمال في اليمن.


كانت مدينتا عدن وتعز نواة مشروع وطني منذ وقت مبكر، مشروع حمل روحا يمنية واحدة، وتجسد في تبادل أدوار غيرت مصير شطري البلاد جذريا وانتزعت الشعب اليمني في شمال اليمن وجنوبة من براثن امامة غاشمة كهنوتية واستعمار بريطاني مستبد حتى وان بدت معه بوادر نهضة عمرانية.
نهضة لا تمثل شيئا بالنسبة لشعب حريته مسلوبة تحت نير الاحتلال وعصاه الغليظة.

من ثورة أكتوبر في مدينة عدن “أرشيف ”

على التوالي اندلعت اعظم ثورتين في البلاد ضد الحكم الإمامي العنصري في الشمال، والاستعمار البريطاني المستبد في الجنوب.
كانت عدن (جنوب اليمن) تحت حكم الاستعمار البريطاني، ملاذاً للثوار القادمين من تعز (جنوب، غرب البلاد)، ومحافظات الشمال.
وكانت منطلقاًً للإعداد والتخطيط للثورة التي أطاحت بالنظام الإمامي في شمال البلاد، صبيحة الـ26 من سبتمبر المجيدة.

مرحلة التنسيق الثوري

خلال اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي كان الزخم الثوري اليمني في أوجه.
سادت روح التعاون الوثيق بتلقائية بين الثوار في شمال البلاد وجنوبها، كما لعبت الحغرافيا دورا تبادليا في احتضان اوائل الثوار والتشكيلات الثورية.
كانت عدن وتعز الابرز على هذا الصعيد، ففي المدينة الاولى عدن تشكلت النواة ومرحلة الاعداد لثورة سبتمبر وفي المدينة الثانية تعز كانت الحاضن الطبيعي الاكبر لثورة اكتوبر وثوارها الاوائل.

كانت تشكيلات من أبطال الجنوب، تتدرب في تعز ومناطق أخرى، أبرزها مجموعة الشهيد الرمز غالب راجح لبوزة، مفجر ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة، من جبال ردفان (جنوبي اليمن).

وبإسناد من جمهورية مصر العربية، تكللت الثورتان بإسقاط أحد أعتى الأنظمة الامامية الاستبدادية في الشمال ورحيل اعتى احتلال هيمن على جنوب اليمن منذ 19 يناير 1839 للميلاد.
كان نجاح ثورة سبتمبر في الشمال اول اساس وحافز لثورة اكتوبر، وعلى الفور تقلدت نخبة من ثوار الجنوب مناصب رفيعة في حكومة الجمهورية العربية اليمنية شمال البلاد.
وبدأت مرحلة من التنسيق الثوري المشترك بين أبطال الجنوب والشمال.
كان المناضل قحطان الشعبي أحد رموز الثورة في جنوب الوطن، يشغل منصب مستشار الرئيس عبدالله السلال، أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية، عقب ثورة الـ26 من سبتمبر.

اسهامات جنوبية في تثبيت ثورة سبتمبر:

كان لأبناء الجنوب اليمني، اسهام فاعل في الذود عن ثورة الـ26 من سبتمبر، خلال سنواتها الأولى، وقبل انطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة.
وتوثق المصادر التاريخية دوراً عظيماً للجنوبيين في المساعدة على القضاء على تمردات الإمامة وجيوبها التي حاولت الانقضاض على الثورة الوليدة في الشمال.
من ضمن ذلك معركة خاضها البطل الجنوبي لبوزة مع 50 من الجنوب تدربوا في الشمال واسهموا في فك حصار عن مجموعة من ثوار سبتمبر حاصرتهم فلول امامية في احدى المناطق الشمالية.
وكانت تعز المنطلق الرئيسي لاستقبال وتدريب الكثير من أبطال ثورة الـ14 من أكتوبر.
وعلى اعلى المستويات جرى التنسيق بين قيادة الجمهورية العربية اليمنية والقيادة المصرية والتشكيلات الثورية الجنوبية للتهيئة لثورة اكتوبر المجيدة بعد عام واحد فقط على اندلاع ثورة سبتمبر.

واحدية الثورة

مصادر تاريخية متعددة تتفق حول واحدية الثورتين ، تقول تلك المصادر إن نجاح ثورة سبتمبر ساعد في تسريع الخطى نحو استقلال الجنوب من الاستعمار البريطاني.
شهادات عدد من اوائل الثوار التي تم توثيقها تشير الى أن عدن استضافت لعقود الأحرار المناهضين للحكم الإمامي، وان ثورة الـ26 من سبتمبر مثلت الحاضن الكبير لانطلاق ثورة الـ14 من أكتوبر.
ويروي بعض الثوار الأوائل أن ثورة 26 سبتمبر 1962، خلقت في عدن وفي كل مناطق الجنوب، مناخاً ملائماً لقيام ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
وسرعان ما أصبحت مقارعة جنود الاحتلال البريطاني نشاطاً جذب مئات الشباب من الجنوب ومن الشمال.

ومن جبال ردفان، مع مغيب شمس الـ14 من أكتوبر عام 1963، كان لبوزة ومجموعته الثورية ممن تدربوا في الشمال، وساندوا ثورة سبتمبر، يفجرون شرارة ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة.
سبق ذلك سنوات من الكفاح والمناوشات بين الثوار وجنود الاحتلال البريطاني في عدن، عبر كوكبة من أبطال الجنوب والشمال معاً.
تكللت نضالات اليمنيين في شطري البلاد بالنجاح.

العودة إلى الوراء

بعد أكثر من نصف قرن على ميلاد ثورتي اليمن المجيدتين، عاد العدوان القديمان في الشمال والجنوب، معاً لابتلاع الشطرين.
الإمامة عادت واحتلت صنعاء ومعظم محافظات الشمال، عبر انقلاب نفذه الحوثيون، بدعم وإسناد إيراني.
وفي جنوب اليمن، تلوح بقوة أطماع بريطانيا، وقد عادت في محاولة مكشوفة للسيطرة على البلاد وجزرها وموانئها خاصة.
أطماع تتركز حول الموانئ تحديداً، ضمن مخطط مركزه في بريطانيا، ويضم اتحاداً للموانئ العالمية.
وقد عاد المخطط بالأسلوب التمزيقي نفسه، عبر إنعاش نزعات التمرد والانفصال، ومحاولة إحياء السلطنات، وإيجاد كيانات وتشكيلات مسلحة خارج إطار الحكومة اليمنية.
وبينما هيمنت الإمامة الجديدة في الشمال، وتعمل على طمس تاريخ اليمنيين وثورتهم، والعودة إلى ما قبل العام 1962، نبه الرئيس عبدربه منصور هادي، شعبه اليمني، إلى تجدد روح الكفاح والنضال لدحر الإمامة والاستعمار معاً.
وليست الأنباء عن عودة أطماع بريطانيا لاحتلال الجنوب، ضرباً من التكهنات، إذ إن الحكومة البريطانية نفسها اضطرت، قبل شهور، وعلى لسان وزير خارجيتها الأسبق جيرمي هنت، إلى تكذيب اية نوايا لبريطانيا أو أطماع في اليمن.
نفي يثبت الاتهام أكثر مما يلغيه، بخاصة وأن بصمات بريطانيا قوية وراء كثير من النزعات، وتشجيع كثير من التمردات، بما في ذلك محاولة تثبيت الانقلاب الحوثي الإمامي في شمال اليمن.
كما لو أن بريطانيا تفكر أن عودة الإمامة، تكفل لها أن تعود لاحتلال الجنوب وحكمه وتمزيقه، وإنعاش السلطنات والمقاطعات هناك، بعد فصله عن شمال اليمن.
اليوم يواجه اليمنيون في الشمال والجنوب، عدوين لدودين قديمين، هما الإمامة والاستعمار.
ويتواصل كفاح اليمنيين مجدداً للقضاء على انقلاب إمامي في الشمال، ومخطط استعماري تقف خلفه بريطانيا في الجنوب، طمعاً في إعادة عجلة التاريخ إلى ما قبل 6 عقود من الزمن.