المهندس المنزلي وابنته أبرار

قلوب تتألم خلف القضبان.. المهندس "المنزلي" قصة احتجاز طويلة وقاسية

سامية الأغبري- المصدر أونلاين

يطرق الباب تتسارع دقات القلوب، وتتجه أنظار أفراد الأسرة صوب الباب وتختلط المشاعر للحظات ما بين أمل ووجل، أمل بان يكون الطارق هو ابنها الغائب المختفي أو المعتقل، ووجل علّهم أتوا يأخذون فرداً أخر من العائلة.

 

ياصغيراتي أوصلن هذا لأصدقائي قلن لهم "لقد طالت مدة احتجازي، إني متعبٌ جداً يا أصدقاء" هذا ماطلبه المهندس عبد الكريم المنزلي من صغيراته اثناء زيارتهن الأخيرة له.

 

منذ أشعل الحوثيون الحرب الأهلية في البلاد لم يطرق الفرح لليمنيين باباً، الأيام تتشابه، تمر بطيئة ثقيلة وقاسية خصوصاً على الضحايا وأسرهم.

 

خيم الحزن على البلاد كل البلاد وعلى كل بيت فيها، بيوت تفرق وتشرد أهلها في المنافي وفي الداخل، بيوت كانت عامرة بالأفراح، بضجيج وصخب سكانها، بأحزانهم وأفراحهم وشجارات الأشقاء بين تلك الجدران التي أصبح لا يسمع فيها إلا أنين الضحايا ونواح الثكالى والأرامل والأيتام. مجرد أطلال وذكريات.

 

يحن اليمنيون لأيام خلت، للأعياد وللمناسبات الاجتماعية السعيدة التي كانت تجمع شتات أفراد العائلة المقيمين في مدن مختلفة؛ يحنون لتلك الموائد الصغيرة التي كان يتحلّق أفراد الأسرة حولها؛ الحرب أفقدتهم كل شيء؛ فتلك الموائد ينقصها فرد أو أكثر، قتل في الجبهة أو هو معتقل أو أخفي.

 

تلكم الأعياد تأتي كباقي الأيام غادرها الفرح وفقدت بريقها ولم يبق منها سوى الإسم (أعياد) تجلب معها ذكريات أليمة تثير الشجن والدموع، هنا كان ابن وأب وزوج وأحلام للغد، للمستقبل، وأمنيات بأن يعود ماضٍ قريب كان يجتمع فيه الأهل والأحبة، وأن يعود ابنها السجين وذاك الغائب الذي لا تعرف مصيره، أما من قتل ففي القلب حزن عليه لا تمحوه السنين.  

 

آلاف الأسر تشردت دمرت منازلها أو أجبرت على تركها، يقبع أبناؤها في الزنازين وأخرى لا تعلم شيئاً عن ابنها المختطف والمختفي.
كآلاف الأسر تعيش أسرة المهندس عبد الكريم المنزلي وضعاً نفسياً صعباَ منذ احتجازه في العاشر من ديسمبر من العام الفائت، يوماً مختلفاً بالنسبة للمهندس وأسرته!

 

مسلحون يداهمون مكتبه في وزارة المياه، يسألون: من هو عبد الكريم المنزلي؟ صادروا هاتفه النقال، اقتادوه معهم، هو لا يعلم إلى أين ولمَ يعتقل؟ ولم يسأل ما الذي يحدث، ظل صامتاً، إلا أن زميلاً له سألهم: من انتم؟ أجابوا: الأمن القومي. 

 

يوم اعتقاله كانت ابنته أبرار خارج المنزل، سمعت خالها وهو يتحدث إلى زوجته بالأمر، صعقت، لكنها تماسكت، أول ما تبادر إلى ذهنها ردة فعل والدتها، هرعت إلى الهاتف اتصلت بها، لم تكن الأم تعلم أن ابنتها قد سمعت الخبر، عبثاً حاولت التماسك والسيطرة على نفسها  لكنها انفجرت باكية، كانت أنفاسها تتقطع.

 

هرعت أبرار إلى المنزل يجب أن تكون بجوار والدتها في هذه اللحظات العصيبة، ظاهرياً كانت قوية تحاول مد والدتها وشقيقتيها بالقوة، "عدت إلى البيت، كان موحشا بدون أبي"  تقول أبرار لـ"المصدر أونلاين"، وأردفت "ذهبنا إلى منزل خالي بقينا لأكثر من شهرين هناك ثم عدنا إلى بيتنا".

 

لما يقارب الشهر لم يسمح للأسرة بزيارته، وبعد ستة وعشرين يوماً سمح لهم بزيارته، بعيد الزيارة الأولى واللقاء الأول صورت أبرار ذلك المشهد المبكي بمنشور على صفحتها - لقد أبكيتنا يا أبرار- كان رد المعلقين الذين لا حول ولا قوة لهم وليس بأيديهم سوى مشاركتها حزنها ومطالبها في الإفراج عن والدها المحتجز.

 

منذ احتجازه، والفتاتان "منار وأبرار" تكتبان يوميات، تناجيان فيها بطلهما - والدهما - المغيب في السجن منذ ما يقارب العام بدون أي تهمة أو ذنب؛ وتذكران الأصدقاء والرفاق "أبونا لايزال خلف القضبان، لا تنسوه". 
وتختمان غالباً المنشورات بهاشتاج #اشتعود (سترجع) تعبيراً عن إيمانهما بانتصار الحق وعودة أبيهما.


ليس مستغرباَ ماتقوم به المليشيا فهي لم تتوانَ يوماً عن إيذاء واستهداف الجميع، لكن خبر احتجاز المهندس عبدالكريم المنزلي كان صادماً لكل من عرفه فهو الرجل المدني المحبوب من الجميع والمحب للجميع، لم يؤذ أحداً قط في حياته، وتهم "داعشي أو يعمل لصالح العدوان" التي لفقت لسابقيه ستبدو تهمة مضحكة إن لفقت له أيضاً!
 

من خلف تلك القضبان الحديدية يحتضن بعينيه نبراس الصغيرة، يحتضن فتياته، وبابتسامة باهتة يحاول منحهن ووالدتهن البأس والقوة والشجاعة، لقد طالت فترة سجنه فمن أين ستأتي قوة كل منهما يحاول منحها للآخر أثناء الزيارات المسموح لهن بها كل أسبوعين.وعود بإطلاق سراحه وأمال تذهب أدراج الرياح.

 

في تقريرها الأخير اتهمت "هيومن رايتس ووتش" جماعة الحوثيين المسلحة بارتكاب جرائم تعذيب وقتل خطف واحتجاز الرهائن وانتهاكات وطلب فدية مالية لإطلاقهم أو لمبادلتهم بمقاتلين يتبعونها ووصفت المنظمة تلك الجرائم بـ"الخطيرة وبجريمة حرب" واعتبرتها انتهاكاً خطيراً لقوانين الحرب. 

 

وأوردت هيومن رايتس شهادات لمحتجزين سابقين لدى مليشيا وكيف ضربوا بقضبان حديد وخشب وبالبنادق، وعلقوا على الجدران كما قلعت أظافرهم بكماشة.

وقالت "المعاملة القاسية والمعاملة المهينة أو المسيئة في سياق نزاع مسلح فإنها تشكل جرائم حرب بموجب النظام الأساسي لـ "المحكمة الجنائية الدولية".
 

وأشارت إلى تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة في 2018 الذي توصّل إلى أن الحوثيين "قاموا بأعمال ترقى إلى مصاف جرائم حرب بما في ذلك، المعاملة القاسية والتعذيب والاعتداء على الكرامة الإنسانية".

 

أواخر سبتمبر من العام الجاري أعلنت مليشيا الحوثي إطلاق سراح عشرات المحتجزين، المبعوث الأممي رحب بما أسماه "المبادرة" ومثله فعلت المنظمات! ياللفرحة لقد أسموها مبادرة وتشكر المليشيا عليها، سينسون كيف اختطف هؤلاء من مقار أعمالهم ومن الشوارع  ومن بيوتهم، سينسون كيف عذبوا ومن ثم تم مبادلتهم بمقاتليهم.. سيكتفون بتوجيه الشكر للجماعة على مبادرتها وحسن نيتها!