عبدالعالم بجاش- المشاهد
أعادت مبادرة فتح المعابر الأخيرة في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)، التي خاضها عدد من الشخصيات الاجتماعية في تعز، ومنهم المحافظ الأسبق شوقي هائل، والشيخ محمد عبدالله بن نائف، وعبدالكريم شيبان، عضو مجلس النواب، رئيس لجنة فتح المعابر من جانب الحكومة، أعادت ملف حصار المدينة المنسي والأطول في التاريخ الحديث، إلى واجهة الأحداث، لكن تلك المحاولات خفتت بسرعة، وأخفقت في التوصل لأية نتيحة تذكر.
محاولات عدة سبقت المبادرة الأخيرة، إذ قادت شخصيات اجتماعية، من بينهم الشيخ محمد عبدالله بن نائف، وعبدالكريم شيبان، محاولات سابقة، لكنها أخفقت.
عادة ما يكون لأية مبادرة لإنهاء حصار تعز، وقع كبير على المستوى الشعبي، يوحي بانتشار قناعات أن حل الأزمة في تعز يمثل نصف المسافة لحل الأزمة وإنهاء الحرب في اليمن. غير أن المجريات تشير إلى أن جماعة الحوثيين تستخدم الآن ورقة تعز للمناورة فقط.
وتضمن اتفاق ظهران الجنوب بالسعودية، مبادرة فتح المعابر في تعز، في العام 2016. وتم الإعلان عن تشكيل لجنة من الطرفين حينها، لكن تلك الجهود انتهت بإطلاق الحوثيين الرصاص على اللجنة أثناء نزولها الميداني.
ويفرض الحوثيون حصاراً على مدينة تعز، للعام الخامس على التوالي، من معظم الجهات (الغرب والشرق والشمال) وبعض أجزاء الجهة الجنوبية للمحافظة.
من وراء فشل مبادرة فتح المعابر؟
عادة ما يكون لأية مبادرة لإنهاء حصار تعز، وقع كبير على المستوى الشعبي، يوحي بانتشار قناعات أن حل الأزمة في تعز يمثل نصف المسافة لحل الأزمة وإنهاء الحرب في اليمن. غير أن المجريات تشير إلى أن جماعة الحوثيين تستخدم الآن ورقة تعز للمناورة فقط.
حتى الآن، لم تقدم الجماعة على أية خطوة رسمياً، باستثناء تصريحات موالين للجماعة لا صفة رسمية لهم يعتد بها.
وتتهم عدة أطراف، جماعة الحوثي، باستثمار المبادرة دعائياً لإبراز الطرف الآخر، وهو السلطة المحلية بتعز، باعتباره الطرف المعرقل لمبادرات فتح المعابر. غير أن محاولتهم هذه لم تدم طويلاً، وارتدت عكسياً على جماعة الحوثي.
وبرغم الانتقادات، بادرت السلطة المحلية بتعز وقيادة المحور للنزول إلى قرب بعض المعابر المقطوعة، لتثبت بذلك أن جماعة الحوثي هي الطرف المسؤول عن جريمة الحصار وقطع المعابر.
وبين الترقب والانتظار، يضيع الوقت، ويتلاشى الحماس، والكل يستخدم موضوع تعز للمناورة، وفقاً لمراقبين.
وباتت المبادرة الراهنة عالقة، وقيد انتظار رد جماعة الحوثي التي تبدو كمن يتلاعب بالطرف الآخر والأطراف الدولية.
حالة الانتظار تبدو من تصريحات الجانب الحكومي، فقد قال محافظ تعز نبيل شمسان: “لسنا من يقطع المعابر”، وطالب جماعة الحوثي بالإعلان رسمياً عن موقفهم، كونهم الطرف الذي يفرض الحصار على تعز.
وقدم شيبان تصوراً إلى جماعة الحوثي، لفتح معابر من 3 جهات، فيما لم تقدم جماعة الحوثي أي تصور أو رد رسمي، وكل ما حدث هو أن أشخاصاً موالين للجماعة، ليس لهم صفة قوية في هيكلها القيادي، أدلوا بتصريحات متضاربة، أو كتبوا بعض عبارات على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول علي القرشي، الموالي للحوثيين، إن لديه تفويضاً من قيادة الجماعة للتحدث باسمها بخصوص مبادرة لفتح معبر واحد فقط من جهة “غراب” و”مفرق شرعب” شمالي غرب مدينة تعز.
ويتحدث عن شروط مسبقة، أهمها تحديد مواقع تمركز قوات الطرفين، وشروط تأمين المعبر، ووقف الاقتال.
تصريحات تشير إلى تكرار نموذج الحديدة، وتظهر وجود رغبة لدى جماعة الحوثي لاتفاق في حال ضمن الاتفاق انسحاب قوات الجيش الوطني من المواقع المطلة على المعبر موضوع النقاش.
هذا التلميح من شأنه إثارة توجس كبير لدى الجانب الحكومي، خصوصاً وقائد محور تعز تحدث أن جماعة الحوثي حشدت في الأيام الماضية إلى محيط المدينة.
لكن الشيخ محمد عبدالله بن نائف، أحد المعينين في اللجنة المعنية بفتح المعابر بتعز، يبدو متفائلاً في منشور على صفحته بـ”فيسبوك”، إذ يقول إن لديه أملاً هذه المرة بانفراج الأمور وإحراز تقدم جدي.
وقال عضو الدائرة السياسية في حزب الإصلاح، عبده سالم: “إن الضغط المشترك والموحد من جميع الأطراف السياسية، في اتجاه فتح المعابر وفك الحصار، ربما يشكل بداية لتضامن أكثر”.
“حصار تعز جريمة حرب”
أكد تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أن حصار تعز جريمة حرب.
وقال تقرير الخبراء إن الفريق توصل بالدلائل إلى أن الحصار على مدينة تعز، المفروض من جانب الحوثيين، هو شكل من العقاب الجماعي للمدنيين، بسبب موقفهم الرافض لانقلاب جماعة الحوثي.
وأضاف التقرير أن الحصار يرقى إلى جريمة حرب وفقاً لنصوص القانون الدولي والقانون الإنساني، التي تمنع فرض العقاب الجماعي على المدنيين.
وتسبب الحصار في قطع الطرقات من وإلى مدينة تعز، وفرض قيود على حرية تنقل المدنيين، بعد أن جعلت جماعة الحوثي التنقل في محافظة تعز ومدينتها مسألة صعبة ومكلفة، إذ أُجبر الناس بعد الحصار على استخدام طرق بديلة يستغرق السفر عبرها 6 إلى 7 ساعات، علماً أن دقائق فقط كانت تكفي للانتقال من وسط مدينة تعز إلى طرفها الشرقي في “الحوبان”.
وبات الوصول من الحوبان شرق تعز، إلى العاصمة صنعاء، على بعد 264 كيلومتراً، يستغرق ساعات أقل من الانتقال من وسط مدينة تعز إلى الحوبان.
الطريق البديلة طريق جبلية ضيقة شديدة الوعورة والخطورة، والعشرات فقدوا حياتهم خلال السنوات الـ5 الماضية، في حوادث. إنه جزء من عقاب جماعي وتقييد لحرية تنقل المواطنين، يفاقم المعاناة الإنسانية في المحافظة.
ويرى مراقبون وحقوقيون أن هذا العقاب الجماعي لمحافظة كاملة رفضت الانقلاب، يخفي حقداً شديداً من جانب الحوثيين على محافظة تعز، ورسالة عنيفة مفادها أن انتقالكم من شارع جمال وسط تعز إلى الحوبان، الذي كان يستغرق دقائق معدودة، جعلناه أبعد من سفركم من تعز إلى صنعاء.
معلومات في كواليس المشاورات، تفيد أن القيادات العليا في جماعة الحوثي بصنعاء، رفضت ما تم التوصل إليه بخصوص تعز.
اشتراطات حوثية
توصل وفدا الحكومة والحوثيين، خلال مشاورات ستوكهولم، إلى تفاهمات بشأن تعز، وتم إعلانها كجزء من الخطوات التي تقرر تنفيذها مطلع يناير عام 2019.
وبعد ساعات، تدوولت معلومات في كواليس المشاورات، تفيد أن القيادات العليا في جماعة الحوثي بصنعاء، رفضت ما تم التوصل إليه بخصوص تعز، وأنها تواصلت بوفدها للتراجع عن موقف كانوا أعلنوه خلال المشاورات.
وكتب عضو فريق جماعة الحوثي في مفاوضات ستوكهولم، سليم مغلس، على صفحته، يقول إن موضوع فتح معابر تعز متصل ومشروط برفع الحظر الجوي على مطار صنعاء الدولي.
خلاصة التوقعات ترجح فشل مبادرة فتح المعابر، وانكشاف روايات جماعة الحوثي، وحشرها في الزاوية كطرف وحيد يتسبب بمعاناة إنسانية كبيرة.
وهو أمر ربما يقارب بين صفوف مكونات تعز، بخاصة أحزاب المؤتمر والإصلاح والناصري والاشتراكي، وأطراف وقوى أخرى.
وربما يدفع نحو ترسيخ قناعة وتوجه لتوحيد كافة طاقات الجيش الوطني وألويته، لخوض معركة فاصلة تنهي حصار تعز، وترفع المعاناة والقيود عن كاهل السكان.
هل يعمل التحالف، تحديداً السعودية، على توحيد قوى تعز في مواجهة الخصم الحوثي فعلاً؟
الإجابة: نعم، في ضوء تصريحات قائد اللواء 35 مدرع، العميد الركن عدنان الحمادي، بعد عودته من عدن، في زيارة بطلب قائد القوات السعودية هناك.
زيارة أثارت لغطاً واسعاً، خصوصاً لدى قيادة محور تعز، كونها جرت دون علمها مسبقاً بالزيارة.
وقال العميد الحمادي إن الزيارة تمت بطلب سعودي، وتم فيها مناقشة الوضع في التربة، وضرورة إنهاء أي توتر، وتوحيد جهود كل القوى لمواجهة جماعة الحوثي.
وأضاف أنه من المعيب أن نلجأ لاستجداء فتح معابر من العدو، بينما يمكن إنهاء الحصار بالقوة عسكرياً، واستكمال عملية تحرير تعز.
ووجه وكيل محافظ تعز رئيس فرع المؤتمر الشعبي بالمحافظة، الشيخ عارف جامل، اللوم إلى قيادة السلطة المحلية وقيادة المحور، كونهم هرولوا نحو مداخل المدينة، لإثبات حسن النية، ونفي تهمة لا أساس لها.
وكتب جامل يقول: كان يكفي عقد اجتماع للسلطة المحلية، وإعلان الترحيب بأية مبادرة لفتح المعابر التي يغلقها الحوثيون، مضيفاً أنه من غير اللائق استجداء فتح معابر سيتم فتحها بسواعد أبطال الجيش الوطني.
وتوحي تصريحات جامل والحمادي الأخيرة، بتوجه للتحالف يشمل تعز لإنهاء الحرب وحسم المعركة مع جماعة الحوثي “سلماً أو حرباً”.
وقد يبدو ذلك جزءاً من خطة كلية تشملها مفاوضات جدة، وهي مبادرة ذات هدف محدد ومعلن، وهو توحيد كافة اليمنيين المناهضين لانقلاب الحوثيين، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، في كيان واحد، وتنظيم تحرك جماعي متناسق ومنظم، في مواجهة الحوثيين؛ ذراع المشروع الإيراني.