الانتقالي الجنوبي

الخارطة العسكرية في محافظات جنوب وشرق اليمن.. من يسيطر على الأرض؟

منذ اندلعت المواجهات المسلحة في العاصمة المؤقتة عدن منتصف شهر أغسطس الماضي  الماضي تشكل واقع عسكري جديد على الأرض تمكنت فيه التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الإنتقالي المطالب بالإنفصال والمدعوم من الإمارات من بسط سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن ومحافظات لحج والضالع وأبين واتجهت نحو شبوة، قبل أن يجهض تحركها وتستعيد القوات الحكومية مساحات واسعة من المناطق التي فقدتها في شبوة وأبين وصولاً إلى نقطة العلم شرق مدينة عدن، قبل أن تتدخل المقاتلات الإماراتية وتستهدف القوات الحكومية لتوقف تقدمها.

 

مؤخراً يبدو أن الملعب يتهيأ لتسوية من نوع ما ستعيد تشكيل رسم الخارططة العسكرية، بانتقال عدن وما حولها من عهدة الإمارات إلى عهدة السعودية. "المصدر أونلاين" يقدم للمتابعين خارطة السيطرة العسكرية في محافظات جنوب وشرق اليمن حتى يوم 14 أكتوبر ويبقى ثباتها أو تغيرها مرهوناً بدقة المعلومات التي تتحدث عن مغادرة القوات الإماراتية عدن وتسلم قوات سعودية المواقع الحساسة بدلاً عنها بدءً بمطار وميناء عدن المرفقين الأكثر حيوية.  

 

أولاً: مناطق سيطرة المجلس الانتقالي والإمارات


عدن

منذ العاشر من أغسطس الماضي أصبحت العاصمة المؤقتة، عدن، جنوبي البلاد، خاضعة بشكل كامل لسيطرة تشكيلات مسلحة تابعة لما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من قبل دولة الإمارات، وذلك بعد معارك عنيفة دامت خمسة أيام مع قوات الحكومة، خلفت  أكثر من 15 قتيلًا من الجنود بينهم 3 مدنيين.

 

وحالياً تتوزع التشكيلات المسلحة على مديريات المدينة، وتتمركز قوات الحزام الأمني التابعة أيضاً للمجلس الانتقالي في مباني اللواء الثالث والأول حماية رئاسية في خورمكسر وكريتر وقصر معاشيق في المدينة ذاتها، وفي قاعدة بدر العسكرية التي كانت تضم في السابق ثلاثة من ألوية الجيش الحكومي إلى جانب سيطرتها على معسكر لواء النقل في دار سعد شمال المدينة.

 

لحج والضالع

تخضع المحافظتان بشكل كامل لتشكيلات "المجلس الانتقالي" وتنتشر هذه القوات في معسكرات سابقة تابعة للجيش والأمن وتفرض سيطرتها بشكل كامل على المدينتين.

 

ومع أن قاعدة العند العسكرية تضم لواءي 131 مدرع واللواء 201 إلا أنهما يفتقدان للتسليح والتدريب والأفراد كما أن قائديهما لم يبديا موقفاً واضحاً من الصراع بين التشكيلات التابعة للانتقالي والقوات الحكومية في أغسطس الماضي. 

 

سقطرى

تشهد جزيرة سقطرى حضوراً للقوات الإماراتية في مطار الجزيرة وعدد من المواقع التي أحكمت أبو ظبي سيطرتها عليها منذ عامين بالتوازي مع حضور خفيف لقوات سعودية وصلت الجزيرة قبل حوالي عامين إبان الخلاف الذي وقع بين الإمارات والحكومة اليمنية التي كانت اتهمت أبو ظبي بالسيطرة على الجزيرة وتجاوز صلاحيات الحكومة اليمنية.

 

ومنذ فترة غير بعيدة، دربت الإمارات مجاميع من "الحزام الأمني" في عدن وأرسلتها إلى الجزيرة لنشرها في عدد من المواقع والمراكز الأمنية وحواجز التفتيش في الأرخبيل.

 

وتمتلك الحكومة اليمنية لواءً بحرياً في الجزيرة لكنه حتى الآن يقف بعيداً عن الخلافات المتجددة بين الحكومة من جهة والإمارات من جهة أخرى.

 

 

ثانياً: مناطق تقاسم السيطرة

 

أبين

تسيطر التشكيلات المسلحة التابعة لـ"الانتقالي" على مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، ومدينة جعار مركز مديرية خنفر كبرى مدن محافظة أبين، إلى جانب المناطق الجبلية التابعة لخنفر، بالإضافة إلى مديريات رصد وسرار وسبّاح، وهي تتبع مناطق يافع.

 

وتحكم هذه التشكيلات سيطرتها على هذه المناطق منذ الـ29 من أغسطس الماضي عقب الغارة الجوية الإماراتية التي استهدفت قوة من الجيش الحكومي في نقطة العلم 12 كيلو متر شرقي مدينة عدن.

 

على الجانب الآخر، إلى الشرق، تسيطر القوات الحكومية على بلدة شقرة الساحلية وموقع "قرن الكلاسي" وهو آخر نقطة للقوات الحكومية على الطريق المؤدي إلى مدينة زنجبار ويفصل بين "قرن الكلاسي" ونقطة "وادي حسان" وهي أول نقطة للقوات الحكومية على بعد حوالي 20 كيلو متر من مدخل مدينة "زنجبار". 

 

وإلى جانب مدينة "شقرة" تسيطر القوات الحكومية على سلسلة جبال العرقوب القريبة من شقرة باتجاه الطريق المؤدي إلى المنطقة الوسطى وصولاً إلى الطريق الساحلي الذي يمر بمديريتي المحفد وأحور الواقعتين جنوبي شرق أبين ويتواجد في مديرية أحور اللواء (111) وهو أحد الألوية التابعة للحكومة الشرعية لكنه لواء يفتقد للتسليح والتدريب.

 

كما تخضع مديريات المنطقة الوسطى "لودر، مودية، الوضيع، جيشان" لسيطرة القوات الحكومية ويتواجد لواءان عسكريان في مديريتي لودر ومودية ففي الأولى يتمركز اللواء 115 مشاة بينما يتمركز اللواء الخامس مشاة في مديرية مودية.

 

لكن ذات المديريتين تتواجد فيهما قوتان من الحزام الأمني تتوليان تأمين المدينتين من الداخل لكن حضورهما لا يملك التأثير في تغيير الوضع العسكري الحالي كما أنها تملك أعداداً قليلة من الجنود ولا تمتلك الدعم الكافي والتسليح بالإضافة إلى افتقادها للتنظيم والتماسك عقب خسارة قوات في شبوة بالإضافة إلى انشقاق عدد من قادة وجنود الحزام الأمني في المنطقة الوسطى.

 

وتتمركز القوات الخاصة التي يقودها المقدم محمد العوبان في معسكر قوات الحزام الأمني في منطقة "عكد" التابعة لمديرية لودر شمالي شرق أبين.

 

 

حضرموت

 

في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت كبرى محافظات البلاد تتمركز وحدات إماراتية في مطار الريان الدولي في المدينة بالإضافة لحضور مماثل في ميناء المكلا بينما يقود اللواء فرج البحسني، وهو محافظ المحافظة، المنطقة العسكرية الثانية، وهو أحد حلفاء أبو ظبي في الجنوب.

 

وتخضع المكلا وهي عاصمة حضرموت ومركز مديريات ساحل حضرموت لسيطرة قوات المنطقة العسكرية الثانية التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع الإمارات، بالإضافة إلى أن قوات النخبة الحضرمية تنتشر على نطاق واسع في المدينة وتتولى مهام أمنية كبيرة في المكلا وهذا يشير إلى حضور ونفوذ قوي للإمارات وحلفائها مقابل تراجع حضور الحكومة الشرعية.

 

ومع أن محافظ حضرموت اللواء فرج البحسني معيّن بقرار جمهوري من الرئيس عبدربه منصور هادي ويحظى بعلاقة جيدة معه لكن في حقيقة الأمر يتجاوز نفوذ أبوظبي في المكلا نفوذ الحكومة والبحسني معاً، إذ لا يزال أهم مرفقين حيويين في المدينة (المطار والميناء) تحت السيطرة الإماراتية التي ترفض حتى الآن تشغيلهما لصالح الحكومة وتسليمهما لها.

 

لكن في مدن وادي حضرموت يختلف الأمر كثيراً، فالقوات الحكومية تحكم سيطرتها بشكل كامل على مدينة سيئون وهي عاصمة الوادي والصحراء بينما تنتشر قوات المنطقة العسكرية الأولى الموالية للحكومة في مديريات سيئون ورماه وثمود ومدن أخرى.

 

في مديرية سيئون تتمركز قيادة المنطقة العسكرية الأولى واللواء التابع لها الذي يقوده اللواء صالح طيمس الكازمي ، بينما في مديرية رماه يوجد اللواء 11 حرس حدود بقيادة العميد فرج العتيقي، في حين يتمركز اللواء 315 في مديرية ثمود بقيادة العميد أحمد علي هادي، واللواء 23 ميكا في العبر.

 

مصدر عسكري  قال لـ"المصدر أونلاين" إن قوات المنطقة العسكرية الأولى لا تزال تحتفظ بكامل تشكيلاتها العسكرية وأفرادها وتنظيمها والعتاد التابع لها إذ لم تخض خلال الخمس سنوات الأخيرة أي معارك نتيجة لابتعادها عن مناطق الصراع. 

 

ووفق المساحة الجغرافية تسيطر قوات الحكومة على المساحة الأكبر من تلك التي تمتلكها القوات العسكرية والأمنية الموالية للإمارات في مدن الساحل، و يعد وادي حضرموت أكبر مناطق المحافظة النفطية بالإضافة إلى الأهمية التي تمثلها هذه المنطقة للسعودية كونها تقع على حدود معها ممتدة لعشرات الكيلومترات.

 

المهرة

تتقاسم القوات الحكومية اليمنية وقوات سعودية نطاق السيطرة في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان شرقي البلاد، بالتوازي مع وجود قوات الشرطة العسكرية التي مولتها السعودية وأصبحت تتمركز في مطار الغيضة ومواقع أخرى في المدينة.

 

يتمركز اللواء 27 التابع للقوات الحكومية في محافظة المهرة إلى جانب وحدات بسيطة تابعة لمحور المهرة إضافة إلى وجود قوات اللواء 123 مشاة التابع للجيش في مديرية حات وفي المقابل تتواجد قوات الشرطة العسكرية وهي تمتلك معسكراً في الغيضة ومواقع أخرى في مطار المدينة وفي مبنى الإذاعة.

 

مصدر عسكري أفاد بأن قوات سعودية تتواجد في مواقع متفرقة من مديريات محافظة المهرة، ففي مدينة الغيضة توجد قوة سعودية في مطار المدينة ومعسكر آخر في منطقة تسمى "لوسيك" وهي تقع في أطراف المدينة، إلى جانب تمركز قوة أخرى في ميناء نشطون الحدودي مع سلطنة عُمان، هذا بالإضافة إلى تواجدها في مواقع متفرقة في مديريات "المسيلة وشحن وحصوين".

 

وتمرر الرياض نادراً عبر نشطاء وصحفيين فرضية التهريب عبر السواحل العمانية وتحاول ربطها بوجودها في محافظة المهرة لكن في المقابل يقول نشطاء محليون مناوئون للحضور السعودي في المحافظة إن الرياض تتواجد بشكل أكبر لتأمين مد الأنبوب النفطي الذي من المزمع أن يمر في مناطق المهرة.

 

وتشهد المدينة غياباً للحضور الإماراتي في المدينة لكن "أبو ظبي" سعت في السابق لجذب رؤوس المجتمع المحلي بغية إنشاء قوات مماثلة للحزام الأمني في المهرة لكن رجال القبائل ووجاهات المجتمع تظاهروا وأعلنوا رفضهم للتوجه والمساعي الإماراتية في المدينة.

 

 

ثالثاً: مناطق سيطرة الحكومة

 

شبوة

عندما اندلعت المعارك بين القوات الحكومية والتشكيلات المسلحة التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في مدينة عدن مركز الحكومة المعترف بها دولياً، كانت محافظة شبوة جنوبي شرق البلاد لا تزال خاضعة بشكل كبير لقوات النخبة الشبوانية المدعومة إماراتيّاً.

 

لكن توسع رقعة الصراع جنوبي البلاد صوب المحافظة النفطية أعاد مجدداً تشكيل خارطة السيطرة والنفوذ لكِلا الطرفين إذ أدى تقدم التشكيلات المسلحة التابعة للانتقالي لمحاولة السيطرة على شبوة ( ثالث أكبر محافظة في البلاد) إلى نتيجة عكسية؛ فقد استطاعت القوات الحكومية هزيمة "الانتقالي" وإحكام سيطرتها بشكل كامل على مدينة عتق عاصمة المحافظة ومدن أخرى.

 

 

 

معركة شبوة غيّرت المعادلة في الجنوب 

دفعت أبوظبي بحلفائها لإثبات حضورهم العسكري في محافظات جنوب اليمن في خطوة استباقية لقرارها تقليص قواتها، وأدت سيطرة "الانتقالي " على محافظتي عدن وأبين إلى اندفاعه للتقدم صوب محافظة شبوة بغية إحكام سيطرته بشكل كامل وإخراج القوات التابعة للحكومة الشرعية لكسب نقاط قوة تعزز موقعه على طاولة أي مشاورات مفترضة مع الحكومة المعترف بها دولياً من جانب، ولفرض سياسة الأمر الواقع وشرعنة الخطوات العسكرية في عدن وأبين والتقدم خطوات للسيطرة على وادي وصحراء حضرموت، بهدف تعزيز مشروع انفصال الجنوب كأمر واقع.

 

كان بنك الأهداف الذي وضعته أبو ظبي يضم تقديم المجلس كقوة سياسية في الجنوب ومنحه حقائب وزارتي الداخلية والنقل لضمان إبقاء سيطرته على الملف الأمني جنوبًا أولًا ولتمكينه من التحكم بالصلاحيات في موانئ عدن والمكلا وهو أمر يصب في مصلحة الاستراتيجة الإماراتية لضمان مكاسبها بعد خروجها من عدن عبر المجلس الانتقالي.

 

لكن التقدم نحو شبوة كلف المجلس وأبو ظبي الكثير إذ قدم خدمة مباشرة للقوات الحكومية في استثمار التحركات العسكرية سياسياً وعسكرياً وشعبياً.

 

بدت أبو ظبي وحلفائها واثقين من حسم المعركة في شبوة لعدة أسباب من بينها الحضور اللافت لقواته وانتشارها في عدد من مديريات المحافظة مقابل الحضور الضعيف لقوات الحكومة إلى جانب الدعم الإماراتي الكثيف الذي اعتقدوا أنه سيرجح كفته وكذلك وجود قوات إماراتية في منشأة بلحاف.

 

لكن في حقيقة الأمر، خسر المجلس الانتقالي معركة شبوة أمام القوات الحكومية لعدة أسباب يتصدرها ما يبدو أنه توافق سعودي إماراتي لإيقاف الانتقالي خارج شبوة وهي رؤية خليجية مشتركة لبدء تفكيك الأزمة وتشكيل مناطق سيطرة للطرفين لإنجاز صفقة سياسية تجمعهما معاً ضمن تشكيلة حكومية قادمة إلى جانب ضم عدد من القوى الجنوبية إلى الحكومة المفترض تشكيلها بعد وقف الصراع.

 

إلى ذلك تجاهل "الانتقالي" أو أنه لم يقرأ الوضع الجغرافي في شبوة حيث المساحات الجغرافية المترامية الأطراف، والتي لا يملك فيها حضورا مؤثراً كما أن قواته لا تمتلك الفاعلية العسكرية لحسم المعارك داخل المدن الواسعة بخلاف الوضع في عدن إضافة إلى إهمال الانتقالي عامل الحدود المشتركة بين مديرية بيحان في شبوة ومحافظة مأرب التي تمتلك الحكومة فيها قواعد وقوات عسكرية كبيرة.

 

الآن وبعد خروج قوات المجلس الانتقالي الجنوبي من مدينة عتق عاصمة المحافظة أصبحت القوات الحكومية تسيطر بشكل كامل على المحافظة لكن هناك موقعين نفطيين في بلحاف والنشيمة لا تزال تتواجد فيهما قوات إماراتية وسعودية وقوات من النخبة الشبوانية.

 

وتتواجد في مدينة عتق العاصمة قوات اللواء 21 ميكا، واللواء 30 ميكا ومحور عتق وقوات الأمن الخاصة، بينما يتمركز اللواء الثاني مشاة جبلي في مديرية عزان ويتمركز اللواء الثاني مشاة بحري في منشأة بلحاف النفطية التابعة لمديرية رضوم.

 

وفي مديرية بيحان يتمركز اللواء 19 مشاة الذي يتبع محور بيحان في حين ترابط قوة إماراتية تتكون من حوالي 35 فرداً بين ضابط وجندي في منشأة بلحاف للغاز المسال إلى جانب قوات سعودية وسودانية محدودة تشارك في مهام التأمين في حين تتواجد وحدات من قوات النخبة الشبوانية في خزانات النشيمة النفطية حتى الآن وهذه الوحدات تدخلت قوات التحالف لإبقائها في مواقعها وهي تقريباً القوة الوحيدة من النخبة الشبوانية التي لا تزال تحتفظ بمواقعها بعد هزيمتها أمام القوات الحكومية في أغسطس الماضي.

 

والآن إذا كان الصراع بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً من جهة وبين الفصائل والتشكيلات المسلحة التابعة لـ "الانتقالي" قد أعاد رسم خارطة السيطرة جنوبي البلاد فإن من المهم التذكير بأن تلك الخارطة ليست بذلك الوضوح إذ لا تزال هناك مناطق تمثل تداخل في النفوذ والصلاحيات.