محمد عابد- عربي21
في تموز/ يوليو الماضي، أعلنت كل من الرياض وواشنطن أن قوات أمريكية ستنتشر على الأراضي السعودية، وذلك لأول مرة منذ انسحابها عام 2003.
إلا أن الخطوة بدأت بـ200 جندي فقط في أيلول/ سبتمبر الماضي، قبل أن يعلن البنتاغون، الجمعة، أن العدد الإجمالي بلغ 3000، مع قدرات عسكرية كبيرة.
يأتي ذلك في ظل توتر شديد بمنطقة الخليج والشرق الأوسط عموما، لا سيما بين السعودية وإيران، ووسط رسائل أمريكية متضاربة، تقرأها تقارير في إطار مساعي ابتزاز المملكة.
وفي الإعلان الأول، منتصف العام الجاري، قالت واشنطن إن الخطوة تأتي بطلب من الرياض، فيما أكدت في الإعلان الأخير أن المملكة تتكفل بكامل نفقات الانتشار.
وتاليا نستعرض أبرز ملامح القوة الأمريكية الجديدة في المملكة، كما أعلن عنها بيان صادر عن البنتاغون:
1- بطاريتا "باتريوت"
بطاريات الباتريوت هي منصات لإطلاق صواريخ أرض-جو، وتتمتع بقدرات دفاعية كبيرة ضد الطائرات والصواريخ البالستية، وترفق بمنظومتي رصد وتحكم.
وتمتلك السعودية بالفعل 16 بطارية باتريوت، إلا أنها من طراز "باك-2" القديم، بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، وعملت على تطوير بعضها إلى طراز "باك-3" الحديث عام 2014، بحسب موقع "MDAA" الدفاعي، إلا أن إكراهات الحرب مع الحوثيين في اليمن شكلت ضغوطا على العملية.
ورغم توقيع الرياض عقدين مع شركة "لوكهيد مارتن"، المصنعة للمنظومة الدفاعية، عامي 2014 و2015، للحصول على الطراز الحديث، إلا أن عملية التسليم تستغرق عادة عدة سنوات، جراء تأخر مصادقة واشنطن، بعراقيل من الكونغرس أو البيت الأبيض، على خلفية سجل الرياض الحقوقي بشكل خاص، فضلا عن عمليات التصنيع والاختبار والنقل التي تستغرق نحو ست سنوات.
ومن غير الواضح تماما ما إذا كان نشر البطاريتين الجديدتين يأتي في إطار تلك الصفقات، أم إنها لاستخدام القوات الأمريكية، وهو المرجّح، كون الجانبين لم يعلنا عن تسليم رسمي لمشتريات أسلحة.
من جانب آخر، فإن المنظومة الدفاعية لا تستطيع ضرب أهداف تحلق على ارتفاعات أخفض من 50 مترا، بحسب تقرير لموقع "ديفنس وورلد" الدفاعي (مقارنة بـ20 مترا لدى أس-400 الروسية)، ما يجعلها غير ناجعة تماما في مواجهة الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة (كروز) التي يمكنها المناورة في الأجواء، لا سيما داخل المدن.
وإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة الصاروخ الواحد يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين دولار، الأمر الذي يجعل استخدامه لإسقاط صواريخ بدائية أو طائرات مسيرة رخيصة أمرا غير مجد، بل مثارا للسخرية.
2- منظومة "ثاد"
منصة صاروخية أخرى، لكنها ليست للدفاع الجوي مثل باتريوت وأس-400، وإنما لاعتراض الصواريخ البالستية على ارتفاعات عالية جدا، وقد وافقت الولايات المتحدة على بيعها للسعودية عام 2017، بقيمة إجمالية تبلغ 15 مليار دولار.
وتشمل الصفقة 44 منصة، و360 صاروخا، فضلا عن محطات رصد وتحكم، على أن يتم تسليم جزء منها عام 2023، بحسب عقد بين وزارة الدفاع الأمريكية وشركة "لوكهيد مارتن"، أبرم في تموز/ يوليو الماضي.
وكما هو الحال مع بطاريتي الباتريوت، فإنه يرجح أن يكون نشر منظومة "ثاد" مرافقا للقوات الأمريكية العائدة إلى أراضي المملكة، وليس ضمن صفقة شراء بين الأخيرة والولايات المتحدة.
ورغم قدرات "ثاد" الكبيرة، إلا أنها مصممة لاعتراض صواريخ على ارتفاعات عالية جدا، تزيد على 40- 50 كيلومترا، وتعد منظومة استراتيجية للحماية من الصواريخ المتوسطة المدى، خصوصا القادرة على حمل رؤوس استراتيجية، ما يجعلها غير قادرة على مواجهة المقاتلات، فضلا عن الأهداف الجوية الأقل تطورا.
ويعكس اهتمام الرياض بهذا السلاح خشية من تهديدات أكثر خطورة من هجمات الحوثيين، لكن امتلاك طهران قدرات بذلك التطور لم يتم التحقق منه بعد، فضلا عن إمكانية استخدامها صواريخ أقل مدى وارتفاعا لضرب أهدف سعودية، في حال نشبت مواجهة بين الجانبين، بالنظر إلى القرب الجغرافي.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب لطالما استخدم الصفقات العسكرية الكبيرة مع السعودية في سياق دفاعه عن سياسات الأخيرة، وهو ما يدفع المملكة، في المقابل، إلى مواصلة شراء الأسلحة من واشنطن.
3- سربا مقاتلات
لم يوضح بيان البنتاغون طراز الطائرات التي أعلن نشر سربين منها على الأراضي السعودية، إلا أن تقريرا لموقع "ذي درايف"رجّح أن تكون من طراز "أف-15 سي/ دي".
ويعد هذا الطراز دفاعيا لا هجوميا، ويتمتع بقدرة رصد وإسقاط الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة بدقة عالية، وهو ما من شأنه تكميل عمل بطاريات الباتريوت.
وتمتلك السعودية 70 مقاتلة من النسخة القديمة لطراز أف-15، وقد طلبت تحديثها عام 2010، إضافة إلى الحصول على 84 مقاتلة أخرى جديدة، في صفقة كانت الأكبر من نوعها حتى ذلك الحين، بلغت قيمتها 60 مليار دولار.
واحتفلت الرياض باستلام أولى تلك المقاتلات مطلع عام 2017، ومن غير الواضح تماما كم من الوقت سيستغرق تسليمها بقية المقاتلات.
4- سلاح استطلاع جوي
يرى تقرير "ذي درايف" أن البند الأخير هو الأكثر أهمية، إذ يعني تواجدا عسكريا يتجاوز تنفيذ مهمة أو عددا محددا من المهام.
ولا تضم وحدة الاستطلاع الجوي مقاتلات وطائرات محددة، وإنما يمكنها دعم الميدان بتحريك جميع أشكال القوة الجوية عند الحاجة، وخلال وقت قصير، عبر صلاحيتها التواصل وإصدار الأوامر، علما بأن القواعد الأمريكية تنتشر في عموم المنطقة، فضلا عن حاملات الطائرات.
ويعد مبدأ سلاح الاستطلاع الجوي حديثا نسبيا لدى الجيش الأمريكي، وهو بديل للقواعد العسكرية الثابتة، التي يتطلب تأسيسها حسابات استراتيجية وسياسية بعيدة المدى.
وفي الآونة الأخيرة، ظهر استخدام الولايات المتحدة لهذه الوحدات في أزمات أفغانستان والعراق وسوريا، إذ يتم استدعاء عناصر رصد وتحكم ودعم وتشكيل وحدة للاستجابة لأجندة عسكرية معينة، تكون غالبا متوسطة المدى.
وبحسب تقرير "ذي درايف"، فإنه من الواضح أن الانتشار الأمريكي الجديد في السعودية يبدو أقرب إلى كونه دعما للعائلة الحاكمة منه إلى محاولة لتعزيز أمن الخليج ومواجهة أخطار تهدده، لا سيما مع وجود قواعد عديدة في المنطقة ومحيطها، استثمرت الولايات المتحدة الكثير في إنشائها وتوسعتها على مدار السنوات والعقود الماضية.
* مصدر الصور: موقع وزارة الدفاع الأمريكية
