ربما يجد المرء صعوبة شديدة لإيجاد خصمين آخرين أشد عداوة لإيران من السعودية و(إسرائيل). ولطالما انزعجت (إسرائيل) من الخطاب المعادي لها في طهران، وأطلقت العشرات من الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي استهدف جهود إيران لتسليح "حزب الله" في لبنان وسوريا.
وفي هذه الأثناء، يبدو أن الرياض كانت راغبة في الانخراط في صراعٍ ملحمي من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط، وقد وجهت سياستها الخارجية نحو مكافحة الخطر الإيراني المتصور، حتى في الأماكن التي يكون تأثير إيران فيها معتدلا في أحسن الأحوال.
وينشغل صقور معاداة إيران باحتمال وجود سلاح نووي إيراني، وهو سلاح يحتاج، في ضوء القيود الجوية والبحرية على طهران، إلى إرساله بواسطة صواريخ باليستية. لذا، فقد تم النظر إلى تطوير إيران المستمر لمثل هذه الصواريخ كقضية غير عادية جرى استخدامها لتبرير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، الاتفاق الذي يمنع إيران من تطوير رؤوس حربية نووية، ولكن ليس الصواريخ الباليستية التي قد تحملها. وجدير بالذكر هنا أنه كثيرا ما يتم تجاهل أن (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية نفسها يحتفظان باثنين من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في المنطقة، ويركز موضوع هذا المقال على ما تملكه السعودية على وجه الخصوص.
صراع باليستي
وبدأ برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية خلال مرحلة "حرب المدن" في الحرب العراقية الإيرانية المدمرة، عندما أمطرت بغداد مئات صواريخ "سكود" على المدن الإيرانية. وعلى الرغم من أن إيران تمكنت من الحصول على عدد قليل من صواريخ "سكود" من ليبيا استخدمتها لضرب المدن العراقية، إلا أنها في الغالب لم تتمكن من الرد إلا عبر الهجمات الجوية، الأمر الذي عرّض أسطولها المتناقص باستمرار من الطائرات أمريكية الصنع للخطر.
وكانت السعودية متوترة أيضا من ترسانة الصواريخ العراقية الضخمة. وقد تم حرمان الرياض من الوصول إلى الصواريخ الباليستية الأمريكية. ونتيجة لذلك فإنها طرقت أبواب بكين، التي أثبتت في السابق استعدادها لتصدير الأسلحة إلى إيران عندما رفضت موسكو وواشنطن ذلك.
وفي عام 1987، نقلت الصين إلى السعودية ما بين 30 إلى 120 صاروخا متوسط المدى من طراز "إيست ويند"، وهي صواريخ باليستية متوسطة المدى من نوع "DF-3A" يبلغ طولها 24 مترا، كما حصلت الرياض أيضا أيضا 10 شاحنات إطلاق صواريخ. وبمجرد أن تمتلئ بالوقود السائل، تكون هذه الصواريخ قادرة على ضرب أهداف على بعد 2700 ميلا. وكانت هذه هي ضربة البداية لتشكيل قوة الصواريخ الاستراتيجية السعودية، مما أثار إزعاج واشنطن.
وبعد 4 أعوام فقط، انتهى الأمر بالرياض في حرب مع بغداد، وسقط 46 صاروخا عراقيا على الأراضي السعودية. ومع ذلك، لم تطلق الرياض الصواريخ على بغداد. فلماذا حدث ذلك؟
حسنا، تكمن مشكلة الصواريخ من نوع "DF-3" في امتلاكها معدل انحراف يقدر بدائرة قطرها 300 متر. ويعني هذا أنك إذا أطلقت نصف دزينة من الصواريخ على هدف معين، فربما لا تهبط منها في المتوسط سوى 3 وحدات فقط على بعد ما يقرب من 3 ملاعب كرة قدم من نقطة الهدف، مع سقوط الـ3 الأخرى على الأرجح أبعد من ذلك. وتزعم مصادر أخرى أن معدل الانحراف لتلك الصواريخ قد يكون أكبر من ميل أو ميلين.
لذا يعد هذا النوع من الصواريخ غير دقيق، وربما عديم الجدوى في ضرب الأهداف العسكرية، إلا إذا كان مجهزا برأسٍ حربيٍ نووي، وهو ما صممت صواريخ "DF-3" للقيام به.
لكن الصين لن تبيع الأسلحة النووية للسعوديين. وقد تم تعديل صواريخ "دي إف-3" بدلا من ذلك لحمل 3 آلاف رطل من المتفجرات. ويعني هذا أن الصواريخ السعودية كانت "مفيدة" فقط لإلقاء متفجرات بكميات كبيرة على هدف كبير مثل مدينة، وقتل أي شخص سيء الحظ يقع بالقرب من نقطة الانفجار بشطل عشوائي. وكانت القوة التي وفرتها الطائرات الحربية الأمريكية خلال حرب الخليج تعني أن السعوديين لم يكونوا بحاجة إلى مثل هذه التكتيكات.
البحث عن درع صاروخي
وبعد أكثر من عقد من الزمان، أصبحت الرياض مهتمة بالحصول على ردع صاروخي استراتيجي أكثر فاعلية، وتوجهت مرة أخرى إلى الصين، لكن هذه المرة بحثا عن صواريخ "DF-21 IRBM" الأكثر دقة، التي يبلغ معدل انحرافها 30 مترا فقط. وقد طورت الصين حتى نموذجا موجها من طراز "DF-21D" لضرب السفن الكبيرة في البحر. علاوة على ذلك، فإن استخدام صواريخ "DF-21" للوقود الصلب يعني أنه يمكن إطلاقها في وقت قصير جدا.
وعلى الرغم من امتلاكه لمدى أقصر يبلغ فقط 1100 ميل، إلا أن الصاروخ الذي يبلغ وزنه 30 طنا مناسب تماما لضرب أهداف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسيكون من الصعب اعتراضه، لأنه يندفع نحو هدفه بعشرة أضعاف سرعة الصوت.
وفي عام 2014، كشفت مجلة "نيوزويك" أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ساعدت بالفعل في بيع صواريخ صينية إلى الرياض، طالما ثبت أن صواريخ "DF-21" لن تحمل رؤوسا حربية نووية. وهكذا، بعد سلسلة من الاجتماعات السرية في واشنطن العاصمة، تم إرسال اثنين من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 2007 لتفقد الصواريخ في صناديق الشحن الخاصة بها قبل أن يتم نقلها لتصبح في حوزة السعودية.
وورد أن السعودية لم تختبر مطلقا ترسانتها الصاروخية، تاركةً الكفاءة التشغيلية لترسانتها محل تساؤل. ومع ذلك، فقد حافظت على 4 أو 5 مرافق تحت الأرض لإيواء الصواريخ. وأخيرا، في أبريل/نيسان 2014، عندما أصبحت الرياض خائفة من التقارب الأمريكي مع إيران بسبب الاتفاق النووي، فقد عرضت الصواريخ العملاقة علنا.
لكن الشيء المعروف عن أنظمة الأسلحة "الرادعة" هو أنها -على الرغم كونها تبدو تهديدا كبيرا- تخدم غرضها الأساسي فقط، وهو تخويف العدو ودفعه لتجنب الأعمال العدائية. ومع ذلك، لا يمكن أن يحدث هذا الردع إذا لم يكن الخصم يدرك جيدا مدى هذا التهديد بسبب السرية المغلف بها هذا السلاح، وهو ما قد يفسر قرار السعودية البدء في إظهار الصواريخ بشكل بارز.
وتوجد شائعات مستمرة أيضا بأن الرياض قد حصلت على كمية صغيرة من الأسلحة النووية من باكستان، أو رتبت لنقل بعضها في حالة حدوث نزاع. ومرة أخرى، فإن مجرد وجود شائعات مثل هذه مفيد للردع السعودي، بغض النظر عن حقيقة الأمر.
وتأخذ طهران الصواريخ السعودية بحمل الجد على ما يبدو. وظهر ذلك بوضوح في بيان سبتمبر/أيلول 2018 الذي أكد أن إيران اختبرت في وقت سابق نظامها الصاروخي من طراز "بافار 373" لاعتراض الصواريخ الباليستية. ونظرا لأن التهديد الرئيسي لإيران من الولايات المتحدة يأتي عبر الغارات الجوية وصواريخ كروز، فمن المرجح أن يكون الاختبار موجها إلى قدرات الصواريخ السعودية أو الإسرائيلية. ويبدو أن "بافار 373" عبارة عن نسخة محلية من صواريخ "سام" الروسية طويلة المدى.
وفي النهاية، من الواضح أن واشنطن لديها اعتراضات أقل على امتلاك حلفائها لصواريخ باليستية وقدرات نووية محتملة. ويبدو أن كلا من إيران والسعودية، الضحايا السابقين لهجمات بالصواريخ الباليستية، يعتقدان أن امتلاك هذه الأسلحة سوف يردع الطرف الآخر عن القيام بأعمال عدائية علنية، حتى لو لم تحمل الصواريخ رؤوسا نووية. لكن عشرات الآلاف من المدنيين الذين لقيوا مصرعهم خلال حرب المدن في الثمانينيات لن يدعموا هذا الافتراض بأي شكل.
المصدر | سباستيان روبلين - ناشيونال إنترست