زواج الصغيرات في اليمن

اليمن.. كيف فاقمت الحرب ظاهرة زواج الصغيرات

علياء يوسف- المشاهد

زُفت الطفلة خاتمة محمد مهدي، إحدى زهرات محافظة حجة (شمالي غرب اليمن)، عروساً، فبل أن تكمل الـ12 من عمرها، لرجل أربعيني، بحسب والدة الطفلة، التي تروي قصة ابنتها التي ألبستها فستان العرس، كأنها تلبسها كفن الموت، بالقول: “الحرب أقعدت زوجي، وأرهقته الظروف”، مضيفة بحزن: “أنا حزينة على بنتي، عادها صغيرة، لكن ما نفعل، أقل شيء زوجها يتكفل بها”.

دراسة : ارتفاع عدد حالات الزواج المبكر في المحافظات التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين، بخاصة محافظات “الحديدة، حجة، اب” 


واضطر والد الطفلة خاتمة إلى إجبار ابنته على الزواج، بعد عجزه عن إطعام أسرته المكونة من 6 أفراد.
حدة الصراع المستمر المتزايد في اليمن، تدفع الفتيات إلى عمق الفقر واليأس، وبالتالي اللجوء للزواج كمصدر للدخل، وتأمين رعاية وحماية أفضل لهن من خلال الأزواج، بحسب ما ذكره التقرير السنوي لمؤسسة فتيات لا عرائس البريطانية (منظمة مجتمعية تضم أكثر من 1300 منظمة و100 دولة ملتزمة بإنهاء زواج الأطفال)، والتي أرجعت أسباب زواج الصغيرات إلى الفقر والصراع المسلح وتدني مستوى التعليم والعنف الأسري.

تزايد حلات زواج الصغيرات

وتعاني أكثر من 9٪ من الفتيات دون سن الـ15 من هذه الظاهرة، لكن النسبة ترتفع إلى 32٪ للفتيات المتزوجات دون سن الـ18، بحسب التقرير السنوي لمؤسسة فتيات لا عرائس البريطانية.
وأكدت مؤسسة القيادات الشابة، من خلال دراسة مسحية قامت بها، ارتفاع عدد حالات الزواج المبكر في المحافظات التي تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين، بخاصة محافظات “الحديدة، حجة، اب”، إذ توصلت الدراسة إلى أن 72.5% من أفراد العينة تزوجن قبل بلوغهن سن الـ18، في حين أن 44.5% تزوجن في سن الـ15، وأكثر من 66% من العينة تزوجن بسبب تصاعد النزاع.
وتؤكد دراسة أجراها اتحاد نساء اليمن، أن العادات والتقاليد التي تسعى للحفاظ على شرف العائلة، عامل رئيس في الزواج المبكر، وخوف الآباء من انخراط بناتهم في سلوك مخجل، وتخلصهم من العار والعرف القبلي المشجع عليه، إضافة إلى تدني مستوى التعليم، وضعف الوعي بالمخاطر التي تصيب الفتاة من وراء زواجها المبكر، والجهل بالحقوق القانونية والإنسانية لها.
وهو ما فعله جد الطفلة آمنة حاتم (13عاماً)، التي زفت بأمره، لابن عمها، في محافظة ريمة (وسط اليمن)، انطلاقاً من إيمانه بالعادات والتقاليد التي نشأ عليها.
وتزوجت شقيقات آمنة الصغار، بالطريقة نفسها، بحجة أن جدهن يخاف على سمعتهن، كما يقول، مضيفاً: “أولادي يعملون في السعودية، وأنا المتكفل بالجميع هنا”.
وبرر الجد زواج حفيدته آمنة، بهذا العمر، بزواج أم المؤمنين عائشة، من رسول الله، وهي في الـ9 من عمرها.
ورغم أن حالات الزواج المبكر التي انتشرت بشكل ملفت في الكثير من المحافظات، فرضت على مجلس النواب اليمني، تقديم مسودة قانونية لتحديد الحد الأدنى للزواج، وتأطير ذلك ضمن قانون الأحوال الشخصية للعام 1999، إلا أن اللجنة الشرعية مانعت تحديد سن الزواج، باعتبار ذلك أمراً منافياً للإسلام، ويقوض القيم العائلية.

مضاعفات صحية

تعرضت خاتمة، في حملها الأول، إلى مضاعفات صحية، بسبب عدم اكتمال نمو حوضها، مما تسبب لها بالكثير من المضاعفات الصحية.
وتسبب زواج القاصرات في انتشار الكثير من الأمراض المزمنة التي تصيب الطفلة المتزوجة، ومنها العدوى البكتيرية المعروفة بحمى النفاس، كما تقول الدكتورة أسماء راشد، أخصائية نساء وولادة.
وترتفع نسبة وفيات النساء في هذه الحالة، بسبب حدوث تشنجات وغيبوبة ناتجة عن ارتفاع حاد في ضغط الدم، وضيق الحوض. بالإضافة إلى الآثار الجسدية، تصاب الأم والطفل فور الولادة بالعديد من الأمراض والإصابات التي تستمر على المدى البسيط، بالإضافة إلى الآثار النفسية، بحسب الدكتورة راشد.
وأكد مسح ميداني لاتحاد نساء اليمن، أن الحمل يُعد من أخطر المشاكل التي تتعرض لها الفتاة، إذ لا يكتمل حوض الفتاة ويكون جاهزاً لاستقبال الجنين قبل سن الـ18، وتكون معدلات التعرض لخطر الوفاة، ضعف معدلاتها لدى الفتيات اللواتي يتزوجن في سن 20-34 سنة، مشيراً إلى أن 74٪ من وفيات الأمهات في اليمن تزوجن قبل سن الـ20.

هناك فتيات تزوجن في سن مبكرة، تعرضن لمشاكل نفسية أثرت عليهن على المدى البعيد 

آثار نفسية واجتماعية

وتتعرض العديد من الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة، حسب دراسات لاتحاد نساء اليمن، ومؤسسة فتيات لا عرائس، للاكتئاب والقلق والصدمة والحرمان العاطفي واضطراب الشخصية والفصام.
وتقول أستاذة علم النفس، الدكتورة رحاب الصلوي، إن تحديد السن المناسبة للزواج، عائد إلى مسألة النضج النفسي والعاطفي، والقدرة على اتخاذ القرارات، وما يترتب عليها، علماً أن هناك فتيات تزوجن في سن مبكرة، تعرضن لمشاكل نفسية أثرت عليهن على المدى البعيد، مضيفة أن منظومة الزواج بحد ذاتها قائمة على المودة والرحمة، ويجب أن تكون الفتاة مؤهلة نفسياً للزواج، بغض النظر عن المرحلة العمرية.
وتترافق الآثار النفسية للفتاة، في حال زواجها في عمر مبكر، مع الكثير من الإشكاليات التي تؤثر على المجتمع والأسرة.
ويقول دكتور علم الاجتماع عبدالباقي شمسان، إن ظاهرة الزواج المبكر لها مترتبات عديدة، إذ تؤدي إلى نفور بين الأزواج، وخلق حالة توتر بين الأسرة، الذي بدوره ينعكس على الأطفال، ويؤدي في الغالب إلى الطلاق، مضيفاً: “نحن أمام ظاهرة لها تبعات خطيرة، خصوصاً وأن المجتمع اليمني ذكوري، ومازالت العائلة والقبيلة مؤثرة بشكل كبير. أعتقد أن هذه الزيجات تؤدي إلى الإضرار على بنية الأسرة، وعلى مستوى السلامة الأسرية”.

إقرأ أيضاً  ضحايا قصف الطيران ...أشلاء ورسائل شوق

مناصرة محدودة

لم يكن للحرب نتائج عكسية على ارتفاع معدل زواج القاصرات فقط، بل انعكس الأمر على الدراسات الميدانية للحالات وعمليات المناصرة والضغط والتوعية حول الظاهرة.
وعلق أحمد القرشي، رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، بقوله: “تم تحوير الأمر إلى مناكفة سياسية”، مضيفاً أن الأمر يحتاج إلى أكثر من عملية مناصرة وتبيان الجوانب الدينية بشكل صحيح للمجتمع، وإعادة تفعيل مسودة القانون.
وقال: “نعاني من صعوبة في احتواء هذه الظاهرة، وتنفيذ إحصائيات متعلقة خلال فترة الحرب، خصوصاً وأن الحرب فتحت آفاقاً وأسباباً أكثر حدة لانتشار هذه الظاهرة”.
ولم تستطع منظمة اليونيسف إجراء أية دراسات ميدانية متكاملة حول زواج القاصرات، خلال الفترة الزمنية التي أعقبت العام 2014، بسبب الحرب، بحسب كمال وزيزة، المتحدث الإعلامي باسم “اليونيسف”، مؤكداً أن المنظمة قامت بحملات قبل هذا العام، ومحاولات للحد من هذه الظاهرة. الأمر ذاته عبرت عنه فهمية الفتيح، مسؤولة صندوق الأمم المتحدة للسكان، التي قالت لـ”المشاهد”، إن وجود قاعدة بيانات في ما يخص الظاهرة، صعب، ولكن الصندوق يسعى للإسهام في الحد من هذه الظاهرة، بوسائل متعددة.
وتقدم مؤسسة ندى، خدمات استشارية وتوعوية وتثقيفية في ما يتعلق بزواج القاصرات، بحسب رئيسة المؤسسة ندى الأهدل، مشيرة إلى أنهم يقدمون خدمات لوجستية ومنحاً خاصة، بهدف الإسهام في الحد من هذه الظاهرة.