تم العثور على أسلحة امريكية الصنع في أيدي جماعات الميليشيات المتنافسة في اليمن، والتي حول بعضها أسلحتها ضد بعضها البعض في صراع مرير ومتفاقم.
وتظهر أدلة جديدة أن العتاد العسكري الذي تم توريده لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية قد تم توزيعه بما يخالف صفقات الأسلحة على المليشيات، بما فيها الإنفصاليون المدعومون من الإمارات، وهم يستخدمونها الآن لمحاربة القوات الحكومية المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية والمسلحة أيضاً بالأسلحة الأمريكية.
وتتبع هذه النتائج الجديدة تحقيق حصري قامت به CNN في فبراير/شباط الماضي والذي تعقب المعدات التي صنعتها الولايات المتحدة والتي تم بيعها للمملكة العربية السعودية والإمارات.
وقد تم نقل الأسلحة إلى مقاتلين من غير الدول على الأرض في اليمن بما في ذلك المقاتلين المرتبطين بالقاعدة والمليشيات السلفية المتشددة والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وذلك في انتهاك لقانون بيع الاسلحة.
وعقب التقارير الأولية لشبكة CNN، قال البنتاجون إنه بدأ تحقيقاته الخاصة في النقل غير المصرح به للأسلحة الأمريكية في اليمن، ولكن بعد أكثر من نصف عام والوضع على أرض الواقع يبدو أنه قد تطور إلى الأسوأ.
وقد قادت المملكة العربية السعودية تحالفاً، في شراكة وثيقة مع الإمارات، بما في ذلك عدة فصائل من الميليشيات، لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن منذ 2015. ولكن في خلاف واضح عن شركائها السعوديين، قالت الإمارات في يوليو/تموز إنها ستخفض قواتها في البلاد، وتصاعد القتال بين الانفصاليين والقوات الحكومية على الأرض في أغسطس/أب، ومنذ ذلك الحين، ألقت الإمارات دعمها وراء الحركة الإنفصالية في الجنوب.
وقال الإنفصاليون في ذلك الشهر إنهم سيطروا على مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية بعد أيام من القتال مع القوات الحكومية. وبعد أسبوعين، اتهمت الحكومة اليمنية الإمارات بشن سلسلة من الغارات الجوية التي أسفرت عن مقتل العشرات من قواتها، لكن الإمارات قالت إنها استهدفت مليشيات إرهابية.
وقد استعادت القوات المدعومة من السعودية سيطرتها على عدن، وتجري حالياً محادثات لإنهاء الصراع على السلطة في المدينة، وفقاً لما ذكرته وكالات الأنباء.
ومع تصاعد الاقتتال الدائر في جنوب اليمن، استغل تنظيم «داعش» الفرصة للظهور على السطح. وأعلنت المجموعة مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات في عدن في أغسطس، وهي الأولى منذ أكثر من عام، وعلامة مقلقة على أن الصراع يخلق فراغاً للمتطرفين ليزدهروا.
وقد رد المشرعون الأمريكيون بغضب على النتائج الجديدة لتحقيق شبكة CNN. وقالت إحدى العضوات، السيناتور "اليزابيث وارين"، وهي من المرشحين لرئاسة الحزب الديمقراطي في 2020، إن "تقريراً واحداً عن المعدات العسكرية الأمريكية التي تنتهي في أيدي أعدائنا أمر مقلق. وهناك الآن تقريران مقلقان للغاية".
وقالت "وارين" إنها تعتزم متابعة النتائج مع إدارة ترامب، مضيفة: "لم تقدم وزارتا الدفاع والخارجية بعد أجوبة على الاسئلة التي طلبتها في فبراير/شباط ، وأعتزم المتابعة. "
كسر اتفاقات الأسلحة
بالعمل مع الصحفيين المحليين، تمكنت CNN من تصوير عدد من المركبات الأمريكية الصنع المحمية من الكمائن التي استخدمتها الميليشيات الانفصالية التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي (STC).
وكانت إحداها من نوع (BAE Caiman) هو الذي استخدمه الإنفصاليون في القتال في شبوة (جنوب اليمن) ضد القوات الحكومية في أغسطس/آب.
وعلى غرار العديد من القطع الأخرى من الأسلحة التي حددتها CNN، يمكن إرجاعها إلى عقد بيع الأسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المقدرة ب 2.5 مليار دولار في 2014. وعلى غرار جميع صفقات الأسلحة، كان هذا العقد ملزما باتفاق المستعمل النهائي الذي ينص على ان المستفيد - في هذه الحالة الإمارات - هو المستخدم الأخير للأسلحة. ومن هذا الدليل، من الواضح أن هذا الإتفاق قد كسر.
وفي فبراير/شباط، أبلغت الإمارات "CNN" أنه لا يوجد أي انتهاك لمتطلبات الاستخدام النهائي "بأي شكل من الأشكال".
وكان داخل السيارة دليل آخر على مصدرها. نظام تكييف الهواء والذي يشير رقم التسلسل عن مصدره من شركة أمريكية (ريل تايم) حيث يشير رقم هذا الجزء إلى أنه صنع في مرافقها في ميسيسبي.
وعندما سئل عما إذا كان يعرف ما إذا كانت تقنيته قد انتهت في الأيدي الخاطئة في اليمن، قالت الشركة لـ "CNN" إنها قدمت المنتج إلى شركة BAE الأمريكية في 2010 تحت التعاقد من الباطن مع الحكومة الأمريكية، ولكن "لا يمكن التعليق على طريقة تصرف الحكومة الأمريكية في نهاية المطاف بهذه المركبة".
وقالت متحدثة باسم "بي أيه إي سيستمز BAE "، التي صنعت سيارة "كايمان MRAP"، إن الشركة تمتثل "لجميع قوانين ولوائح مراقبة الصادرات ذات الصلة في البلدان التي تعمل فيها"، وأحالت "CNN" الاسئلة إلى وزارة الدفاع الأمريكية للحصول على مزيد من التعليقات.
ورداً على النتائج الجديدة لشبكة "CNN"، قال المتحدث باسم البنتاغون اللفتنانت كولونيل "كارلا غليسون" في سبتمبر إن التحقيق المشترك بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في نقل الأسلحة غير المصرح بها في اليمن لا يزال مستمراً.
التوجه إلى المعركة
وبتحليل ساعات من تسجيلات الفيديو على وسائل الاعلام الاجتماعية للاشتباكات الأخيرة في جنوب اليمن، وجدت "CNN" حالات متعددة من المركبات الأمريكية "MRAPs" التي تستخدمها جماعات المليشيات، والعديد منها يقاتل ضد القوات الحكومية.
ومن أبرز هذه المجموعات جماعة معروفة باسم "ألوية العمالقة"- وهي ميليشيا سنية يغلب عليها الطابع السلفي أو المحافظ وتدعمها الإمارات - ويظهر في أحد أشرطة الفيديو الخاصة بهم مركبة من طراز "MaxxPro MRAP" من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، يزعم أنها كانت متجهة في قافلة للإنضمام إلى معركة الانفصاليين ضد القوات الحكومية في الجنوب.
ولم يرد لواء العمالقة على طلبات "CNN" للتعليق عليها. وفي وقت سابق من العام، قال مسؤول إماراتي رفيع المستوى لشبكة "CNN" إن لواء العمالقة كان "جزءً من القوات اليمنية" وتحت "الإشراف المباشر" لدولة الامارات. ولكن اللواء انضم الآن إلى الإنفصاليين في معركتهم ضد الحكومة.
ورداً على آخر الأدلة، قال مسؤول إماراتي: "لم تكن هناك حالات استخدمت فيها المعدات التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية دون رقابة مباشرة من الإمارات. باستثناء أربع مركبات تم الاستيلاء عليها من قبل العدو.
ولم تستجب الحكومة السعودية لطلب "CNN" للتعليق على هذه القضية.
ولا يقتصر الأمر على استخدام الأسلحة الأمريكية مباشرة ضد حلفاء أميركا في اليمن، بل إن وجودها يلعب أيضاً دوراً في الدعاية الإيرانية في المنطقة. والمثال الأخير على هذا الفيلم الذي تم بثه على قناة لبنانية موالية لإيران والتي أظهرت أن المركبات المدرعة الأمريكية يتم إنزالها في ميناء يمني قبالة السفن الإماراتية. واتضح أن هذه اللقطات لم تكن حديثة، ولكن البث يشير إلى وجود معدات أمريكية في اليمن لا تزال بطاقة يلعب بها أعداء أميركا.
تعهدات البنتاغون
ومع تصاعد الصراع وزيادة وضوح دور الاسلحة الامريكية في تدهورها ، فإنه في الوقت الذي تزداد فيه حدة الأزمة الإنسانية، تعهدت وزارة الدفاع بالتحقيق في الكيفية التي انتهي بها عتادها العسكري في الأيدي الخطأ.
وفي حديثه في جلسة استماع لمجلس الشيوخ في اليوم التالي لصدور التقرير الأولي لشبكة CNN في فبراير، قال الجنرال "جوزيف فوتيل"، رئيس القيادة المركزية آنذاك، إن الجيش كان "يبحث عن كثب في الادعاءات".
وكان قاطعاً أن الولايات المتحدة المتحدة "لم تأذن للمملكة العربية السعودية أو الإمارات باعادة نقل أي من هذه المعدات إلى أطراف أخرى على الأرض في اليمن".
وفي الأشهر الاخيرة بذل المشرعون الأمريكيون جهوداً متعددة لإجبار الرئيس ترامب على إنهاء الدعم المالي والعسكري الأمريكي للحرب في اليمن.
وقد صاغ السيناتور "كريس مورفي" تعديلاً على مشروع قانون الإنفاق الأمريكي السنوي، والذي تجري مناقشته حالياً في واشنطن، والذي من شأنه أن يقطع الدعم للتحالف بقيادة السعودية حتى يتمكن وزير الدفاع من التأكد من أن كلاً من السعوديين والإماراتيين توقفوا عن نقل الأسلحة الأمريكية إلى أطراف ثالثة في اليمن. إنها واحدة من الجهود الأخيرة المبذولة من الحزبين في الكونجرس الأمريكي لمعالجة التدخل العسكري الأمريكي في اليمن.
ورد السيد "مورفي" على آخر النتائج التي توصلت إليها "CNN" قائلاً: "منذ سنوات، كانت الأسلحة الأمريكية تؤجج الصراع في اليمن، وليس من المستغرب أن تنتهي الآن في أيدي ميليشيات خاصة".
وأضاف "مورفي" هذا يعرض التكنولوجيا العسكرية الحساسة ويعرض جنودنا للخطر. كما أنه انتهاك لاتفاقات الاستخدام النهائي الأمريكية التي تحكم مبيعات السلاح. لهذا السبب أنا دفعت وحصلت على تمرير تعديل في اللجنة المختصة لوقف هذه المشكلة".
وليس المشرعون وحدهم الذين يحاولون إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن. فقد كتب هذا الأسبوع 100 من زعماء الديانات المسيحية من 50 دولة رسالة مفتوحة تدعو الكونغرس إلى قطع مبيعات الأسلحة والدعم العسكري للمملكة العربية السعودية والإمارات من أجل وقف ما يسمونه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
كما أن دعوات التغيير تأتي من خارج الولايات المتحدة الأمريكية. حيث قالت الأمم المتحدة في الشهر الماضي إن الدول التي تزود الأطراف المتورطة في صراع اليمن بالأسلحة قد تكون متواطئة في جرائم الحرب.
وأوصى فريق من الخبراء بتكليف من الأمم المتحدة بأن تمتنع الولايات المتحدة المتحدة وبريطانيا وفرنسا "عن توفير الأسلحة لأطراف النزاع" بسبب "الخطر السائد بأن تستخدم الأطراف هذه الأسلحة لارتكاب أو تيسير الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
*التحقيق نشرته "CNN" وترجمه "المصدر أونلاين".