السعودية والسودان

هل يستطيع حمدوك جعل السودان محايداً.. قرار محتمل بشأن اليمن قد يفسد خططه

على مدار شهر ونصف، هو عمر حكومة عبدالله حمدوك، يبدو أن الحكومة السودانية تتخذ منهجاً مغايراً في سياستها الخارجية بالمحيطَين الإقليمي والدولي، مقارنة بسياسات نظام الرئيس المعزول عمر البشير، حيث يسعى حمدوك لتحقيق حياد السودان بين محاور المنطقة المتنازعة.

فحين أعلن حمدوك عن وزراء حكومته، في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، أرسل رسالة للجميع بشأن السياسة الخارجية قائلاً إن «سياستنا الخارجية مبنية على الاحترام المتبادل ومصلحة السودان».

وأمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الثلاثين من الشهر نفسه، قال حمدوك: «نؤمن بأن العلاقات بين الدول ينبغي أن تُبنى على أساس خدمة المصالح المشتركة والتعاون الإيجابي من أجل مصلحة الشعوب».

تحركات الحكومة تؤكد مساعي حمدوك لتحقيق حياد السودان

ما أعلنته الحكومة، بحسب مراقبين، لا يختلف عما يتم على أرض الواقع من حراك دبلوماسي يستهدف «فك العزلة»، و «طمأنة دول الجوار»، و «مد  التواصل مع المجتمع الدولي»، بحسب تصريحات لمسؤولين بمجلسي السيادة والوزراء السودانيين.

يقابل ذلك تأكيد متواصل على علو مصلحة السودان وشعبه، بالابتعاد عن سياسة المحاور، وهو ما يراه خبراء السبيل الوحيد للعبور من أية تجاذبات قد تضر بالدولة الباحثة عن استقرار سياسي واقتصادي.

تأكيد الحكومة الانتقالية على التوازن، والبعد عن المحاور، هو أحد بنود وثيقة «إعلان الحرية والتغيير»، التي على ضوئها توحدت أحزاب سياسية وتجمع المهنيين وقوى مدنية، وقادت الحراك الاحتجاجي حتى الإطاحة بالبشير وبدء مرحلة انتقالية.

وبدأت في 21 أغسطس/آب الماضي مرحلة انتقالية تستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى التغيير.

التركيز على المصالح المشتركة والتعاون مع المحورين

حددت حكومة حمدوك أولوياتها للفترة المقبلة، وهي: «وضع سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل على تحسين علاقات السودان الخارجية وبنائها على الاستقلالية والمصالح المشتركة، بما يحفظ سيادة البلاد وأمنها وحدودها».

 لا يبدو ذلك سهلاً في ظل تشابكات إقليمية ودولية معقدة، لكنّ مراقبين يرون إمكانية تحقيقه عبر عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والنأي عن أي صراع بين أطراف إقليمية، وعدم الانحياز لمحور دون غيره.

وهو ما وضح، وفق مراقبين، في التحركات الدبلوماسية لمجلسي السيادة والوزراء، خاصة فيما يتعلق بالمحور السعودي-الإماراتي-البحريني-المصري في مواجهة قطر، في ظل أزمة خليجية متواصلة منذ يونيو/حزيران 2017.

رئيس الحكومة عبد الله حمدوك

وقطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة وتتهم الرباعي بالسعي إلى السيطرة على قرارها الوطني

هذا الانقسام الخليجي لم يمنع الحكومة السودانية من التواصل مع المحورين، حيث التقى حمدوك، في الخرطوم الخميس الماضي، مع السفير القطري عبدالرحمن بن علي الكبيسي، وبحث معه قضايا التعاون الثنائي.

وسبق ذلك لقاءات للسفير القطري مع رئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

كما التقى حمدوك بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.

ووصل المبعوث القطري، مطلق القحطاني، إلى الخرطوم، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والتقى البرهان ومسؤولين آخرين، ودعا البرهان وحمدوك لزيارة الدوحة.

هذا النشاط الدبلوماسي السوداني تجاه الدوحة لا يخل بالتوازن المطلوب، إذ قابله حراك مماثل تجاه المحور السعودي-الإماراتي، حيث زار البرهان وحمدوك السعودية والإمارات، بين 6 و9 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والتقيا قادة البلدين وبحثا سبل التعاون.

المشكلة الكبرى في ملف اليمن.. خلاف بين العسكريين والمدنيين

حالياً، تبدو قضية القوات السودانية في اليمن هي الأكثر حساسية، وهي تقاتل ضمن تحالف عربي تقوده السعودية، وينفذ منذ 2015 عمليات عسكرية باليمن، دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة قوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، المدعومة  من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.

المكون العسكري في مجلس السيادة، من البرهان ورفاقه، حدد موقفه مبكراً بأن القوات السودانية باقية في اليمن.

 

بينما يرى الشركاء المدنيون في مجلسي السيادة والوزراء أن هذا الملف مرتبط بقرار من المجلس التشريعي (البرلمان) المنتظر تشكيله لاحقاً، وفق الاتفاق بين المجلس العسكري (المنحل) وقوى التغيير.

فالسعودية قد تغضب إذا سحب السودان قواته من اليمن

هذا الملف ربما تتوقف عليه علاقة السودان مع المحور السعودي-الإماراتي، الذي أعلن دعمه لحكومة حمدوك، فأي تراجع سوداني في مسألة القوات ربما يؤدي، بحسب مراقبين، إلى توتير العلاقات.

وقال المتحدث باسم مجلس السيادة، محمد الفكي سليمان، للأناضول في وقت سابق، إن «مشاركة القوات السودانية في اليمن أثارت جدلاً واسعاً في الفترة السابقة».

وأضاف: «أعتقد أن الجدل متصاعد في هذا الملف بسبب الانقسام العربي الأخير.. فعندما شاركنا في اليمن، شاركنا كقوات عربية موحدة، وكان بها عدد من الدول العربية التي خرجت عقب الانقسام الخليجي الأخير، وبعدها شهدنا هذه المساجلات».

وتابع: «الدخول في الحرب قرار صعب، كما أن الخروج منها يحتاج إلى عدد من الترتيبات (…) هذا القرار يُدرس وتتم مناقشته بصورة مستمرة في كافة مستويات الحكم، وسيتشكل المجلس التشريعي قريباً ليقول كلمته الفصل».

الأزمة الاقتصادية ستحدد خيارات السودان أيضاً

رأى عبدالمنعم أبو إدريس، صحفي ومحلل سياسي، أن حكومة حمدوك، بكل مكوناتها العسكرية والمدنية، ماضية في سياسة خارجية متوازنة، وهو ما ثبت خلال الفترة القليلة الماضية.

واستبعد أبو إدريس أن تميل الحكومة إلى أي محور، باعتبار أنها وضعت أسساً للتعامل مع المحورين، ولا يوجد خلل قد يؤدي إلى تعكير تلك الأجواء الإيجابية.

وتابع: لا أعتقد أن تواجد القوات السودانية في اليمن قد يكون سبباً في تباعد علاقة الحكومة مع المحور السعودي الإماراتي، فالقضية (اليمنية) تمضى نحو تسوية سياسية، ولم يعد الدور العسكري كبيراً.

 

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله للرئيس السوداني المعزول عمر البشير/رويترز

واستطرد: «بإمكان الحكومة أن تستمر في علاقتها الجيدة مع المحورين السعودي الإماراتي  والقطري، وتحافظ على ذلك الوضع».

واستدرك أبو إدريس بأن «الأزمة الاقتصادية في البلد قد تؤدي إلى علاقة أفضل مع أحد المحورين، وذلك يتوقف على الدعم الذي يجده السودان من محور أو آخر، لكن لن تسوء العلاقة بأي من المحورين، فالحكومة حددت هدفها بالانفتاح عليهما».

ما يحدث هو مجرد استكشاف 

إلا أن أنور سليمان، كاتب ومحلل سياسي، رأى أنه «من المبكر الحديث عن علاقات خارجية متوازنة».

واعتبر سليمان، في حديث للأناضول، أن «ما تم من لقاءات دبلوماسية هو مجرد استكشاف للعلاقات بين السودان وتلك الدول».

وأضاف: «كل لقاءات المسؤولين السودانيين مع قادة الدول الأخرى لم تخرج عن البروتوكول العادي، فليس هناك مباحثات أو موقف مشترك.. وحتى زيارات البرهان وحمدك للإمارات والسعودية لا يمكن أن يُبنى عليها موقف».